قراءة كتاب واحد أصبحت واجبا مدنيا!!

انتشرت فكرة ثقافية في كثير من المدن الأمريكية، وأصبحت من الطقوس الثقافية في أكثر المدن التي تنتسب أو تحب ان تكون عضوا في نادي المدن الحضارية. والفكرة طريفة في تنفيذها ومغزاها، وعادة تتبناها الجهات العليا في المدينة بقيادة عمدة المدينة أو محافظها، لتعطي لهذه الفكرة زخما وأهمية خاصة، والفكرة هي اختيار كتاب واحد يقرؤه جميع سكان المدينة خلال شهرين أو ثلاثة، وتقام مناقشات حول هذا الكتاب، ويكون موضوع الكتاب حديث المجالس والمقاهي والمنتديات وأهل الفكر وأهل الشارع، من حيث المؤلف ونشأته وكتاباته، والأفكار والرؤية الواردة في الكتاب المختار. المغزى: إن اجتماع أهل المدينة كلهم على قراءة كتاب واحد هو دليل على الوحدة، وعلى لم شمل المدينة حول هدف واحد، وتقريبهم لبعضهم، كما أن موضوعا ثقافيا واحدا يشغل أهل المدينة هو أمر مفيد للفكر ونشر الثقافة بين الجميع، وجعل الكتاب وسيلة للتنوير الجماعي، فالنقاشات والأحاديث والإعلام المكثف حول هذا الموضوع سيدفع الجميع للمشاركة الفكرية، والقراءة الفاحصة وتشغيل الفكر النقدي. كما ان هذا الكتاب سيكون عند البعض هو نقطة الانطلاق نحو عالم الثقافة، وإلى مزيد من القراءة والمشاركة الأدبية والفكرية. الانطلاقة الأولى: منذ أربعة أعوام فقط، بدأت الفكرة في مدينة سياتل الأمريكية حيث تبنتها المدينة، وكانت فكرة جديدة بكل المعاني، واستقبلتها المؤسسات الفكرية والتعليمية استقبالا مشجعا ونالت التأييد والقبول الجماعي من المجتمعات الفكرية والثقافية في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتقلت الفكرة إلى مدينة شيكاغو المدينة الكبيرة، ونجحت فيها أيضا وكررتها لعامين متواليين، ولا تزال المدينة تمارس هذه الفكرة الثقافية. ودخلت مدينة نيويورك ومدينة واشنطن العاصمة الأمريكية في هذا النادي الثقافي، وأصبحت أكثر المدن تقدم كتابا ليكون كتاب الصيف أو كتاب الشتاء، حسب الاختيار الذي تراه اللجنة التي تختار الكتاب. الاختيار: يتم اختيار الكتاب، والذي يبتعد كثيرا عن الكتب الجادة أو الصعبة في فكرها أو طرحها كالكتب السياسية أو الاقتصادية أو الفلسفية، وذلك ليفهمه الجميع بمن فيهم البسطاء وقليلو الاطلاع والثقافة، ويكون الاختيار عادة رواية ذات مغزى أو فكرة أو طرحا اجتماعيا يهم سكان المدينة، كان يكون محور القصة أسرة فلاحة أو عائلة رجل في مصنع، أو مشاكل طالب في دراسته، وكيف تغلب عليها أو انتصر ونجح على الرغم من ن كل الظروف ضده.. وليس بالضرورة أن يكون المؤلف من سكان البلد أو الولاية. وتتكون لجنة من مكتب المحافظ ومن إدارة المكتبات العامة ومن رجالات التعليم ومن أصحاب المكتبات التجارية ومن بعض مفكري المدينة رجالها أو نسائها المعروفين بنشاطهم الاجتماعي، ويقدم كل ممثل من هذه اللجان قائمة، وعادة تكون من خمسة كتب ترشح لتدخل القائمة الأولى، وبعد ذلك يتم استبعاد الكتب التي يعترض عليها البعض سواء لصعوبتها، أو لغموض الفكرة أو لسوء اللغة. وتصفى هذه القائمة ليبقى مها خمس كتب، يتم ترشيح واحد منها، ليكون الواجب القومي الذي يطلب قراءته من جميع القادرين على القراءة من أهل المدينة. تامين الكتاب: عندما يتم اختيار الكتاب، فإن على الجهات الرسمية تأمين هذا الكتاب لكل من يرغب، لذا فهو يقدم بأعداد كبيرة للمكتبات الخاصة، ويكون عادة الأكثر مبيعا في تلك الفترة وفي تلك المدينة. وعادة يتم طبع الكتاب بأشكال مختلفة، فهناك طبعة شعبية رخيصة، وهناك طبعة خاصة لهواة جمع الكتب. كما أن المكتبات العامة توفر الكتاب بمئات النسخ لتعيرها لمن يرغب من زوار المكتبات العامة ولمن لا يستطيع شراء الكتاب. وعادة لا تتوقف وسائل الدعاية عن الاستفادة من هذه الفرصة، فإن طبعات هذه الكتب ونشرها سيكون من إحدى الشركات المتبرعة بذلك، حبا في أن تكون على غلاف كل كتاب في البيت، وأن تكون عضوا مشاركا في هذه الندوات التي ستكسب منها دعاية كبيرة، لذا فان الشركات الكبيرة تتنافس على المشاركة والتبرع لهذه الأنشطة الثقافية بكرم. الخاتمة: جميع الاختيارات التي تمت كانت لكتب ليست بالجديدة، وهذا شرط من شروط الاختيار، لأن اختيار الكتب الجديدة قد ينصرف إلى أن تكون حملة دعائية للمؤلف أو للكتاب، لذا فإن الاختيار ينصرف عادة إلى أحد الكتب المغمورة والتي مضى عليها سنوات، ولكن جميع اللجان ترى شرطا أساسيا في اختيار الكتاب هو أن يكون المؤلف حيا ويمكن أن يتواصل مع أهل المدينة. وفي ختام الحملة والتي تمتد غالبا لثلاثة أشهر، يتم عادة دعوة المؤلف لزيارة المدينة إن لم يكن من أهلها، فلابد من مشاركته وتواجده ليشارك أهل المدينة في نقاشهم للكتاب، ويطرح رؤيته، ويرد على أسئلة أهل المدينة، والتي غالبا ما تكون كثيرة، فكل قارئ لديه ما يفكر فيه ويتساءل عنه من هذا المؤلف. ولا يخلو الأمر من ختام لهذا المهرجان الثقافي حيث تقدم جوائز لأحسن العروض النقدية لهذا الكتاب ويسلمها المؤلف بنفسه للفائز. ???