ثروة الفراشات المفقودة في المكسيك

تدور في المكسيك سنويا، حوارات ساخنة، حول الإهمال الشديد للاستفادة من فرصة سياحة عالمية لمنطقة نائية فيها وهبتها الطبيعة سرا غير معروف، ولا يحدث في أي مكان آخر في العالم، وهو هجرة الفراشات وتوقفها في جبال المكسيك. الظاهرة مجهولة وغريبة: في كل عام ابتداء من شهر نوفمبر إلى أوائل شهر مارس تفد إلى جبال المكسيك العالية في منطقة ميكوكان فراشات تسمى أيضا ملكات ميكوكان، وهي تهاجر إلى هذه المنطقة بأعداد خيالية، تصل في بعض السنوات الى ما يقرب من 250 مليون فراشة، تتجمع جميعها في منطقة الجبال العالية. وعندما تكون هذه الفراشات طائرة فإنها تصنع وتكون سحابات غائمة فوق قمم خمس من جبال المنطقة، وهو منظر مدهش وفريد وغريب في الطبيعة، من حيث ألوانه التي تتغير بين لحظة وأخرى، بسبب وجود اللونين الأصفر والأسود لهذه الحشرة، وليس لهذا المنظر مثيل (سوى سحابات الجراد حال تنقلها أو انطلاقها الصحراوي) وهي تحوم حول الجبال ثم تنزل على الأشجار وتسكنها، وتحولها إلى لون برتقالي وأسود، وهو لون الفراشات، وأحيانا كثيرة تتجمع هذه الفراشات على بعض الأغصان بكثافة عالية تؤدي إلى كسر الأغصان في هذه الأشجار. وآثار هذه الأسراب مدهشة ومنتشرة على مساحات كبيرة من الأرض، فالملايين من الأجنحة المتكسرة، والأطراف الساقطة ، والفراشات الميتة، جميعها تلون الأرض، وتصبغها بذلك اللون الذي يغطي السماء والأشجار والأرض. رحلة العجائب: تقضي هذه الفراشات فترة الصيف في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تبدأ الهجرة العجيبة والتي لم يعرف سببها بعد، من مناطق نائية تصل في بعدها عن منطقة الوصول إلى أكثر من 5000 كم، وهذه الفراشات الرقيقة والتي لا يزيد امتداد جناحيها عن 6 بوصات تواصل أجيالها إكمال الرحلة التي بدأها الأبوان في مكان ما من الأرض الأمريكية أو الكندية، حيث تمتد هذه الرحلة الطويلة لأشهر طويلة تقضيها في اتجاه الجنوب وتتجمع جميعها في هذه المنطقة فقط والتي أصبحت محمية لها وتسمى ( الروزاريو EL Rosario ) ولم تلق هذه الظاهرة الدراسة المكثفة لتفسيرها، ولماذا هذه الهجرة، ولماذا هذا المكان، وكيف أن هذه الحشرة التي لا تعيش عادة أكثر من شهر تتجمع أجيالها لتعود إلى موطن الأجداد مرة كل عام، وما الذي يدفعها إلى ذلك؟ والسبب في عدم الإقبال العلمي عليها، عدم وجود إعلام مكثف، وعدم وجود تسهيلات للدارسين، فلا فنادق ولا مطاعم، بل إن الوصول إليها أمر صعب، فالطرق قديمة ووسائل النقل هي الحمير والخيل. وهذه الفراشات تتركز في مناطق عالية، ويصبح الوصول إليها صعبا فلا بد من تسلق هذه الجبال المرتفعة والوعرة. الأفكار متناقضة: والحوار يدور بين وجهتي نظر إحداهما تجارية والأخرى بيئية، فالنظرة التجارية تتهم السلطات المكسيكية بأنها تحرم البلد من ثروة خيالية لو لقيت هذه الظاهرة الاهتمام والدعاية والتشجيع اللازمين لقيام سياحة كثيفة، للتمتع بهذه الظاهرة الفريدة والتي لا توجد إلا في المكسيك فقط، وليس في مكان آخر في العالم. والطرف الآخر وهو رجال البيئة يسعون الى ترك هذه الحشرات على طبيعتها، ويقولون إن هجرتها إلى هذه الأماكن هي بسبب الهدوء وعدم وجود تعكر حضاري، فلو تم إنشاء الطرق والفنادق، فإن هذه الحشرات ستبحث عن مكان آخر، وسيفقد هذا البلد نعمة وبركة تتحقق من زيارة هذه الحشرات إليها. كما أن الأهالي أيضا غير راضين بإنشاء صناعة السياحة لديهم لأنها لن تفيدهم، فهم من الفئة الفقيرة والمعدمة، والتي لن تستطيع أن تقيم الفنادق أو المنتجعات المطلوبة لسياحة منظمة، فستتحول مزارعهم إلى منتجعات سياحية، وسيخرجون من هذه الأرض التي يعرفونها بحكم فقرهم الشديد ليكونوا عمالا في هذه المنتجعات.. الحماس مفقود: هذه الفراشات لا يرتاح لها أبناء المنطقة، ويقولون أنها تسبب أمراضا للأبقار وتموت الأبقار منها فهي تزعج وتنفر الأبقار. كما ان الأهالي قد يسببون إزعاجا كبيرا وتخريبا بيئيا شديدا، إذ أن عددهم بدأ يزداد وبدأت الغابات التي تحل عليها هذه الأسراب الهائلة تتناقص، مما يثير تحذيرا بيئيا للمنطقة، وهناك اقتراحات بتحويل المنطقة إلى محمية سياحية يكون للأهالي فيها مساهمة هامة وكبيرة، فالمبالغ التي يحصلون عليها حاليا، مبالغ تافهة جدا مقارنة بأهمية وإمكانية الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية والمنحة السماوية لهذه المنطقة بالذات. وأهالي المنطقة يحصلون على مبالغ زهيدة من السياح والباحثين وصيادي الفراشات الذين يتواجدون بكثرة في هذه الفترة، فهم يحصلون على نحو دولار واحد من السائح ليدخل هذه المحمية، ولا يقدم له أي معلومات، وليس فيها أدلاء سياحيون. ولا يزال الحوار يدور في كل عام عند عودة أجيال الفراشات إلى أرض الجدود، يتحدث الجميع عن الثروة المفقودة والفرصة المهدرة. ???