الفصل الخامس(جزء ثاني): نظريات النوم

الفصل الخامس: لماذا ننام؟ ( نظريات النوم)! ( الجزء الثاني من 4 أجزاء) (من كتاب بحوث في.. النوم والأحلام والتنويم (المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم.. أسراره وخفاياه (لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة..) والآن..ننتقل إلى استعراض النظريات (الحديثة) و(الأحدث)!. والتي تحاول أن تفسر (لماذا ننام)؟!.. وهذه النظريات هي 1 نظرية النوم الوعائية. 2 نظرية النوم الكيماوية. 3 النظرية الموضعية للنوم. أ (مركز النوم الدماغي) ب (المراكز المبعثرة المتصلة) للنوم واليقظة. ج نظرية التغذية المرتدة لليقظة والنوم. 4 نظرية الكف والإثارة (نظرية بافلوف). 5 نظرية (النوم عادة)! 1 نظرية النوم الوعائية Vascular Theory إن أنصار هذه النظرية، يرون أن النوم إنما يحدث ويحصل نتيجة لتبدل دوران الدم في الدماغ، حيث يقل الإرواء الدموي، وينقص مقدار الدم الوارد إلى الدماغ.. فيحدث النوم! ولعلهم فكروا في ذلك، نتيجة لما لاحظوه من أنه إذا ضغطت الأوعية الدموية الكبيرة في العنق والتي تروي وتسقي المخ بالدم، مثل الأوعية السباتية، فإن المرء يغيب عن وعيه، ويسقط مغشيا عليه، كالنائم! وكان العالم الفيزيولوجي الإيطالي الأصل موسو Mosso من أبرز أنصار هذه النظرية.. ولإثباتها لجأ إلى عدة تجارب مخبرية.. كان من أبرزها أن صنع فراشا هو في الوقت نفسه ميزان!.أي ميزان على هيئة سرير ( Bed scale)!.. وأنام عليه شخصا.. ونظر إلى أي جهة، سوف يرجح (الميزان السرير).. أمن جهة الرأس أم من جهة القدمين؟! فرأى أن الرجحان يحصل عند النوم من جهة الطرفين السفليين!.. أي أن رأس النائم يصبح أخف وزنا من رجليه! بينما عند اليقظة، يحصل الرجحان من جهة الرأس! فاستنبط من ذلك أن النوم.. إنما يحصل نتيجة لقلة تسرب الدم إلى المخ، وغيضه من الرأس! ولكن العالم الفيزيولوجي الألماني، فيبر Weber، بين أن ذلك تفسير مغلوط، لحقيقة علمية، موضوعية مشاهدة!.. حيث أنه من المعروف أن اختلاف كمية الدم الموزعة على سائر أرجاء الجسم، في حالتي اليقظة والنوم، لا يقتصر على الدماغ والأطراف، بل هو يشمل أجهزة الجسم المتعددة وأقسامه المختلفة ولذلك فإن رجحان (الميزان السرير) من جهة الرجلين أثناء النوم، إنما يتم بتوزيع الدم بين جوف البطن والأطراف، وليس نتيجة لزيادة الدم الآتية من الدماغ. وكما قال البعض إن النوم يحدث نتيجة لقلة الدم الوارد إلى الدماغ.. فإن فريقا آخر، رأى العكس!.. فقال: إن زيادة الدم الواردة إلى الدماغ هي التي تستدعي النوم. ولعلهم أخذوا رأيهم هذا، من أن الشخص الذي يصاب بنزيف دماغي أو أية آفة تدعو الدم إلى الدماغ، فإنه يفقد رشده،ويغمى عليه كالنائم! وهذا أيضا خطل!.. فإن من يقول ذلك إنما يخلط بين النوم الطبيعي المعتاد، وبين الحالات المرضية، كالغشي (عند من قالوا بقلة الدم الواردة) والسبات ( عند من قالوا بزيادة الدم الوارد). أما ما يلاحظ أثناء النوم من تباطؤ دوران الدم، ونقص التوتر الشرياني، وبالتالي قلة الدم في الدماغ! فإنه هذه أمور ترافق النوم وتواكبه، وتلازمه، ولكنها ليست السبب في حدوثه. 2 نظرية النوم الكيماوية Chemical Theory يتم في أثناء اليقظة العديد، العديد من النشاطات الجسمية.. فهناك.. غدد تفرز، عضلات تتحرك، قلب يخفق!، فكر يعمل، عين تبصر، بول يفرز!، أمعاء تتقلص وطعام يهضم.. وهكذا... وعشرات الوظائف الحيوية الفيزيولوجية تعمل! ومئات بل آلاف من العمليات الكيميائية تتم!.. وكأي عمليات كيميائية، فلا بد من نواتج عنها، أو (فضلات) و(شوائب) يلزم طرحها والتخلص منها من أجل استمرارية هذه العمليات.. فالجسم أثناء نشاطه هذا، النشاط العضلي والنشاط العصبي، في حالة اليقظة، ومن خلال عملياته الكيماوية الحيوية! وعمليات الاستقلاب (الأيض Metabolisim)، واحتراق الطاقات المختلفة، ومن خلال هذه السلسلة من النشاطات والفاعليات، فإنه يتشكل فيه العديد من (الفضلات) و(السموم)! هذه (الفضلات) أو (المواد السامة) أو (المستقلبات الناهية)، وتسمى أيضا (سموم منومة) أو (مواد متعبة)،، تزداد تدريجيا في الدم، وفي السائل الدماغي الشوكي، لاسيما لدى من يجبر على البقاء في حالة يقظة مدة طويلة، وتتركز عند الدماغ والجهاز العصبي، لا سيما حذاء (التشكلات الشبكية)، بمقدار يكبح نشاطهما.. فيشعر الإنسان بالخمول والنعاس.. ثم تزداد حتى تؤدي إلى (انسمام) الدماغ! فيحدث النوم. وأثناء النوم، وهدوئه وسكونه، وهموده وخموده!.. يتخلص الجسم من هذه النواتج الضارة عن طريق انحلالها، وتأكسدها، فيستعيد الجهاز العصبي نشاطه، وعندها يستيقظ الإنسان! ولكن ما هي هذه ( المستقلبات الناهية) أو ( السموم المنومة)؟! إن متشينكوف، تلميذ باستور، يوضح لنا بعضا منها، حسب معارفه وعلومه!، فيقول: ( ارتأى، بعض من درس هذا الموضوع، أن عمل الأعضاء يولد مواد سماها (بروتوجين) تجلب الشعور بالنوم. وقال أنها تتجمع باليقظة، وتنحل بالنوم، بواسطة التأكسد. وأن (حامض اللبن) أهمها عملا، استنادا إلى أن هذا الحامض يساعد على النوم. فإذا صحت هذه النظرية، صحت المشابهة بين التسمم الذاتي بالحامض اللبني في الإنسان والحيوانات التي تميل بتأثيره فيها إلى النوم،وبين الميكروب الذي تولده، ويتوقف فعلها الاختماري بعد تكاثره. ولهذا فكما أن توقف الاختمار اللبني، قد يسبب موت الميكروبات التي تولد الحامض، فالنوم قد يتحول كذلك إلى موت طبيعي. على أنه لم يظهر إلى الآن ما يؤيد هذه النظرية. وارتأى آخر أن النوم لا يحصل من تولد الحامض اللبني، إلا من بعض المواد القلوية، التي سماها غويته ( لوكومافين)، واتضح أنها تؤثر في المراكز العصبية، وتحدث تعبا ونوما،فإذا كثرت في الجسم جلبت النوم ضرورة.. ... فإذا صدقت هذه النظرية ثبتت المشابهة بين النوم والموت الطبيعي من جهة وبين توقف النمو وموت الخمير الذي يستنبت في الأوساط الآزوتية من جهة أخرى، لأن موت الخمير ينتج عن التسمم بقلوي، وهو الأمونياك. إلا أن معارفنا الحالية لا تساعدنا على تعيين عمل التسمم النومي الخاص، ومعارفنا عن اللوكومايين لا تزال قاصرة. مع ذلك فقد درسوا في السنين الأخيرة واحدا منها هو الأدرينالين.. .. وأثبت بعضهم أنه إذا حقن ملغ منه ممزوج بخمسة غرامات من محلول البحر الفسيولوجي (07.5 ?) بجوار دماغ القطط، فعل فيها فعلا منوما. إذ تنام بعد دخوله بدقيقة، وتبقى مستغرقة في النوم 30 50 دقيقة. وتفقد الحساسية كل هذه المدة من سطح الجسم كله. وبعد أن يستفيق تبقى الحساسية ناقصة، وتظهر كأنها سكرانة، وتبقى كذلك مدة. وبما أن النوم يرافقه أنيميا الدماغ، والأدرينالين يفعل فيه هذا الفعل، فيجوز أن يكون من جملة المولدات التي تتولد من عمل الأعضاء، وتجلب النوم، وأن يكون أهمها فعلا. وربما يناقض هذه النظرية ما ظهر من الأبحاث الجديدة عن التعب وأسبابه.. .. أثبت عالم، أجتذبت أبحاثه أنظار العلماء، أنه في أثناء قضاء الأعضاء لوظائفها تتجمع مواد خصوصية ليست حوامض عضوية ولا أنواع لوكومايين، بل مولدات ميكروبية سامة، وأمتحن ذلك في معمله، فأخذ حيوانات وأتعبها بالحركة العنيفة عدة ساعات حتى أعيت، ثم ذبحها واستخرج خلاصة من عضلاتها، وحقن بها حيوانات سليمة، ففعلت فيها فعلا ساما جدا، إذ ظهر عليها الوناء الزائد (التعب الشديد)، وماتت بعد 20-40 ساعة. ومن أهم خصائص تلك الخلاصة أنها إذا أدخلت الى الدورة الدموية في الحيوانات السليمة، بكمية لا تكفي لقتلها، فعلت فعلا مضادا للسم، فهي كسم الدفتيريا الذي يتولد منه ضد له..) انتهى. من استعراض هذا النص، القديم نسبيا، وبدون أن نعلق عليه! يتضح لنا أسماء لبعض هذه (المستقلبات الناهية) أو (السموم)، التي اعتبرت أنها تسبب النوم، مثل: البروتوجين الحاوي على حمض اللبن، اللوكومافين أو اللوكومايين ذات التفاعل القلوي ومنها الأدرينالين، والمولدات الميكروبية السامة! ونضيف أيضا إلى هذه (الأسماء)، مواد أخرى مقترحة!.. مثل: (هيبنو توكسين)، (الاستيل كولين)، (مركب بروموري تفرزه الغدة النخامية)،و(حمض غاما أمينو هيدروكسي بوتيريك Gamma Amino Hydroxy Butiric، والذي يرمز له بـ G.A.B.A،، حيث وجدوا أن حقن الوريد به، يسبب النوم،، .. فكل هذه ( المواد) قد اعتبرت هي (السموم) التي (تسمم) الدماغ.. وتسبب النوم! هذه هي النظرية الكيماوية في النوم..، .. نظرية (السموم)! و(المواد المتعبة).. .. نظرية (انسمام) الدماغ! ولقد كان من أهم القائلين بها والمدافعين عنها، العالمان الفرنسيان (هنرى بيرونH. Pieron) و (لوجندر Legendre)، ولا سيما بيرون، حيث كانت هذه النظرية كثيرا ما تقترن باسمه، فلقد أجرى بيرون مع ليجندر، عددا من التجارب المخبرية لدعم هذه النظرية. ولا بأس من أن نعود إلى الماضي قليلا إلى سنة 1913.. وندخل إلى مختبر (الفرنسيين) ونطلع على تلك التجارب! ..كان بيرون وليجندر يحولان بين عدد من الكلاب، وبين النوم لفترة طويلة نسبيا، بحيث يبدو أنها قد أشرفت على الإجهاد والإعياء، وعند ذلك يعمدون إلى مصول دمائهاserum فيأخذونها ويحقنون بها في أوردة كلاب أخرى، قد أيقظت لتوها، بعد أن نامت نوما جيدا فبدت في حالة قوية نشطة، وفي حالة يقظة تامة، فيجدون أن تلك الكلاب تستسلم فورا للنوم عقب هذا الحقن! .. فبعد أن حرموا كلابا من النوم لمدة عشرة أيام متتالية، متتابعة، أخذوا منها(السائل الدماغي الشوكي cerebro spinal fluid)، ثم حقنوا هذا السائل المأخوذ، في البطينات الدماغية (التجاويف المخية cerebral ventricles)، لكلاب أخرى في حالة نشطة، وفي حالة يقظة تامة، بعد أن نامت نوما مريحا، فوجدوا أيضا نفس النتيجة السابقة، حيث استسلمت هذه الكلاب للنوم، عقب ذلك الحقن فورا! ونتيجة لهذه التجارب، قرر العالمان الفرنسيان، أن النوم، إنما يحصل بفعل نشوء (توكسينات النوم) أو (التوكسينات المخدرة) أي (المواد المنومة Hyponotoxins) والتي تتجمع في الدم وفي السائل الدماغي الشوكي، وتؤدي إلى (انسمام) الدماغ!.. وبالتالي إلى النوم. وبأسلوب آخر من التفسير.. فإن بيرون يعتقد أن النوم، هو عبارة عن (منعكس دفاعي)! هذا المنعكس ينهي مراكز النوم العصبية، مما يؤدي بالتالي إلى حماية البدن، أعضاءه وأجهزته، من تأثيرات (السموم الخلطية المنومة)، المتكونة في حالة اليقظة والنشاط!.. من جهة أخرى، نرى أن العالم الفسيولوجي السويسري (إدوارد كلاباريد)، يقول بنفس الرأي، وهو (التسمم): (فالنوم ظاهرة قوية، تحصل بعد أن تتجمع في الجسم الحواصل الصادرة من عمل الوظائف) إلا أنه يفسره تفسيرا آخر! (فالنوم هو ظاهرة غريزية (طبيعية) تتوقف الوظائف بها عن العمل، وأن الإنسان لا ينام، بسبب التسمم أو الإعياء، بل ينام منعا لهما! أي أن النوم وظيفة حيوية، يحاول حماية الجسم من التسمم العام،ويهيئه لاستقبال المجهود! فنحن ننام حتى لا نتعقب، ودفاعا عن الجسم والنفس!.. فنحن ننام كي نغمض أعيننا عن واقع الحياة، بعض الشيء، ثم نستعد بعد ذلك للإقبال على الحياة!. وبهذا يبدو لنا أن ( السويسري) يتفق في النهاية مع ( الفرنسي)! .. لقد سادت هذه النظرية فترة من الزمن، على الرغم من أنها ليست سديدة!.. فهناك جملة من الحقائق الصلدة، (تدمغها، وتسفهها)! فالتجارب التي ذكرناها كانت (تؤدي)، و (تقوم) على إرهاق الكلاب بالتعب المستمر، حتى يحرموها من النوم، ويذودوه عنها، ولأيام عديدة متتابعة، وصلت إلى عشرة أيام!.. وهذا طبعا سوف يرهق وينهك الأجهزة العصبية المركزية لهذه الكلاب، ويحدث لديها حالة من الإجهاد، والنصب، والتعب، عنيفة وشاذة! تستنزف طاقاتها الحيوية الطبيعية.. ومن المعروف أن هذه الحالة المنحرفة الشاذة ليست بذات علاقة عضوية وطيدة، بحالة النوم الطبيعية المألوفة!.. فحال (الكلب) المجهود، ليس كحال (الكلب) الذي يأتيه النوم إتيانا طبيعيا!.. فالأجهزة العصبية المركزية المستنزفة، بفعل الإرهاق المتواصل الذي تعرضت إليه الكلاب، وأيضا أجهزتها الجسمية الأخرى، التي تعرض بالتبعية لحالة إعياء مشابه، كل ذلك أدى إلى حدوث، فضلات كثيرة تجمعت في الدم، بما فيها (المواد السامة) أي (التوكسينات) فأثرت جميعها، دون شك في تهيئة الجسم للاستسلام للنوم. ولكن ما طبيعة النوم هذا، نفسه؟! وما هي حقيقته؟! ذلك ما تتفاداه هذه النظرية، وتغض الطرف عنه!.. مع أنه جوهر الموضوع. وبالإضافة لما سبق! فإن هذه النظرية لا تستطيع أن تفسر حدوث النوم المفاجئ، وأيضا اليقظة المفاجئة!.. وهذه الحالة كثيرة الحدوث والمشاهدة، في مجرى الحياة اليومية، فالنوم قد يغشى الشخص بغتة ويزول عنه بغتة! فلو كان (التسمم الذاتي)، المفترض، هو سبب حدوث النوم، لوجوب أن يحدث النوم دائما، بصورة متدرجة، وأن يكون غشيانه متمهلا!.. ويجري بنسبة تراكم (الفضلات)! فهذه (الفضلات) إنما يحصل تجمعها شيئا فشيئا وبصورة متدرجة.. وكذلك الحالة في اليقظة والإفاقة، فيجب أيضا أن تتدرج، بتدرج إطراح هذه (السموم)! و اعتراض آخر!.. فهذه النظرية لا تنسجم مع ما نشاهده في حياتنا اليومية المعتادة، وذلك عندما يكتفي شخص ما، بحالة نوم (خفيف وسريع) لا يتجاوز بضع دقائق، يغفو فيها، ثم ينهض بعد ذلك نشطا منتعشا، مستجما، ليستأنف عمله اليومي المعتاد، وقد زال عنه النعاس والوسن!.. فمتى حدث ( الانسمام)؟! ومتى (زال)؟! وأيضا!! هذه النظرية لا تفسر بصورة مرضية صحيحة، لماذا لا ينام الناس، الذين يجلسون ولايفعلون شيئا، لماذا لا ينامون مددا أقل من أولئك الناس الذين يقومون بأعمال جسمية أو عقلية شاقة، وهذا مشاهد معروف؟! فالمفروض، حسب هذه النظرية، أن من يتعب أكثر تزداد تلك (السموم) في جسمه أكثر! وبالتالي يجب أن ينام فترة أطول.. أطول من أولئك الذين لا تتشكل في أجسامهم(تلك السموم) بتلك الكمية، نظرا لأنهم في حالة راحة أكثر!.. وكذلك!! كيف نفسر إذن حسب هذه النظرية، نوم الأطفال الطويل، رغم أنهم لا يتعبون، ولاتتشكل في أجسامهم تلك ( السموم) بذلك المقدار الذي يكفي لنوم معظم ساعات اليوم؟!. ورغم أن ( ميتشينكوف) حاول أن يعلل ذلك ويبرر النظرية!، بقوله:( إن النوم الطويل عند الطفل يرجع إلى أن الطفل تتأثر أعصابه بسهولة، ويؤثر فيه أقل شيء من العوامل المضرة)!.. إلا أن اعتراضنا، يبقى، وجيها! واعتراض آخر!.. قد يكون بنظر البعض ( القشة) التي تقصم ظهر البعير!.. ولكنه في الحقيقة، ليس (قشه)! وإنما ضربة موجعة، تكسر الظهر، و(فقاره)!!. هذه ( الضربة الموجعة)..جاءت من حالة ( تشوه خلقي)!.. ومن ( أنثيين)!!.. .. أختين توأمين، من سيام، ولدتا،وقد اتصلت إحداهما بالأخرى!:siamese conjoined Twins: جهاز الدوران الدموي، مشترك بينهما، فالدم ذو تركيب واحد، ويجول في الأختين!..فإذا زرقت إحداهما، بمادة كيماوية في وريدها، وجدت هذه المادة في دم الأخت الأخرى!.. وإذا لقحت إحداهما بأحد اللقاحات الواقية كالجدري، تولدت المناعة لدى كلتيهما.. مع أن الأخرى لم تلقح!. أما الجهاز العصبي فإنه مستقل ومنفصل، فكل واحدة لها جهازها العصبي الخاص!.. فلو وخزت إحداهما بإبرة تألمت الموخوزة وحدها،وبقيت (أختها الملاصقة) بلا ألم!. وكذلك كانت حركاتهما، مستقلة ومنفصلة، الواحدة عن الأخرى!.. ما يدل على انفصال الجهازين العصبيين المركزيين ( للأختين المتلاصقتين)! هذه الحالة تشكل فرصة نادرة، لاختبار صدق (نظريات السموم النومية)!.. فلو كان الأمر عبارة عن (فضلات) و (سموم) و (انسمام) دماغ!.. لكان من الواجب أن تنام الأختان سوية، وتستيقظان سوية!.. (فالفضلات) التي تتشكل في إحداهما، تنتقل (بالدوران المشترك) إلى الأخرى، وبالتالي يمكن أن (تسمم الدماغ) أو بالأحرى ( الدماغين المنفصلين) وتنام (الأختان)!.. .. وراقب العلماء السوفييت، سلوك (الأختين) مراقبة يومية، ولبضع سنوات! راقبوا النوم واليقظة عندهما في الأحوال الطبيعية، ثم راقبوا النوم واليقظة، عندهما حين تختلف أحوال تغذيتهما، وتختلف الشروط المؤثرة في النوم واليقظة. فماذا كانت نتيجة هذه الملاحظة والمراقبة المستمرة لـ(بضع سنين)؟! لقد تبين لهم أن (الأختين) تتفاوتان في مدة نومهما اليومي! وتتفاوتان في مواقيت نعاسهما! وتتفاوتان في خصائص النوم واليقظة!. فلكل واحدة خصائص خاصة!.. رغم أنهما (أختان) و(متلاصقتان)!.. فقد تكون إحداهما مستغرقة في النوم، في الوقت الذي تكون فيه أختها (الملاصقة) مستيقظة! ... وأيد عالم (إنكليزي)، العلماء (السوفييت)!.. فلقد وجد شبها لتلك الحادثة.. فالأخ ( الملاصق) مستقل بنومه عن أخيه ( الملاصق) الآخر! إذن!!.. هذه النظرية غير.. مهلا!!.. لا تكمل!.. فهذه الاعتراضات، التي مر ذكرها، يجب ألا تفسر، على أنها تنفي نفيا تاما وحاسما، تكديس بعض المواد (السامة) و(الفضلات الكيماوية) في الجسم، من جراء تعرض الجهاز العصبي المركزي للتعب والنصب، بفعل نشاطه اليومي المعتاد المتواصل، وإمكانية تهيئة حالة فسيولوجية ملائمة لحدوث النوم، على نسق ما تفعله الظروف البيئية المحيطية الملائمة، مثل الظلمة، والدفء، وقلة الأصوات، والسرير الجيد، والفراش المريح الخ، حيث تهيئ لظهور النعاس والنوم السريع الذي لا يلبث أن يصير نوما عميقا ثقيلا!. ولكن إن حدوث هذا النوم، في أعقابها، لا يدل على أنه حدث نتيجة لها، أو أنه حصيلتها الفسيولوجية الحتمية!. فظاهرة التعاقب هذه، بين حادثتين، تشكل ( السموم) و( النوم) لا تعني بالضرورة وجود روابط عضوية بينهما، على نسق الرابطة السببية بين، النتائج ومقدماتها!. وهكذا تكون هذه النظرية، قد توضح، (أسبابا) من الأسباب التي تهيئ للنوم، ولكنها لا تفسر النوم في ذاته، ولا توضح طبيعته، ولا تشرح ماهيته، ولا تعرف، وتفصل أصله!.. ولكن!.. ولكن ماذا؟!.. ماذا بعد كل ما ذكر؟! أهناك شيء يذكر؟! أجل!! فمسيرة العلم لا تتوقف، وأبحاث العلماء لا تنتهي!.. وجهود هنري بيرون ( الفرنسية)، ربما، لن تضيع سدى.. ولكن على (الطريقة الأمريكية)!. فمنذ الستينات، من هذا القرن، وباحث أمريكي،يعمل أستاذا لعلم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) في جامعة هارفرد الأمريكية، هو الدكتور ( جون بنهايمر)، ومعه فريق من العلماء المساعدين هم: ( مانفرد كارنوفسكي)، و( جيمس كروجر) يجرون أبحاثا علمية واسعة النطاق من أجل عزل (مادة النوم الطبيعية) أو تلك (السموم)! التي تحدث عنها (بيرون)!.. وعوضا عن (كلاب بيرون المرهقة) فإنهم اتخذوا ( الماعز) وسيلة للتجريب!.. وحرموها من النوم لمدة يومين، ومن السائل الدماغي الشوكي لها، أخذوا كما فعل بيرون بكلابه مقادير صغيرة، ثم حقنوا هذه المقادير في أدمغة بعض الأرانب والفئران، فنامت على الفور!.. وعندما أعيدت التجربة، باستخدام مقادير من (السائل الدماغي الشوكي) لماعز أنفق ليله في النوم، لم تكن لتلك المقادير، أي تأثير على الأرانب والفئران!.. فاستخلصوا من تلك التجارب أن (السائل الدماغي الشوكي) يحتوي على مادة تؤدي إلى النوم، أطلقوا عليها اسم (عامل النوم sleep Factor)،، واختصار (العامل س) Factor S. إلى هنا و(التجربة الأمريكية) لا تختلف عن (التجربة الفرنسية).. سوى في الأسماء!! ولكن الأمريكيين، تابعوا المسيرة.. يريدون أن يعرفوا، ما هي هذه المادة بالضبط؟! وما هو تركيبها؟! وما هي مقاديرها؟! وقضوا أربع سنوات وهم يجمعون السائل الدماغي الشوكي من الماعز المرهق المحروم من النوم.. وفي نهاية السنوات الأربع، لم يتجمع لديهم سوى جالون ونيف، بالمقياس الأمريكي، من السائل الدماغي الشوكي!! وهي كمية لا تكفي للتحليل والبحث والتنقيب!.. فانصرفوا عن ( الماعز) إلى ( الأرانب).. واستمروا يجمعون تلك المادة، من أمخاخ (الأرانب)، حتى وصلوا إلى (15 ألف أرنب)!! ولكنهم فوجئوا بأن تلك الكمية، قليلة أيضا ولا تسمح بتحليلها كثيرا، ولا قليلا! وعندما تحولوا إلى ( الإنسان)!.. إلى (بوله)!.. لجمع المادة المطلوبة.. وبلغت الكمية التي استطاعوا عزلها من كمية (ألف جالون أمريكي) من البول، 30 ميكروغرام فقط!(أي أنه يلزم 126 مليون ليتر من البول أي حوالي 126 ألف طن!، لنحصل على غرام واحد فقط من هذه المادة! . وعلى الرغم من ضآلة هذه الكمية!... إلا أنها كانت كافية لتحليلها، وتحديد بنيتها الكيماوية! وهنا تفوق (الأمريكان) على ( الفرنسيين)!.. إلا أنه كان تفوق التقدم العلمي، والمسيرة العلمية، السائرة أبدا نحو الأمام!.. .. وهكذا ومع مطلع عام 1982م، وبعد أكثر من عقدين من الزمن، من تجارب متكررة! أكد فريق هارفرد، وعلى رأسهم (جون بنهايمر)John Papienheimer كما ذكرت، أن (مادة النوم الطبيعية) قوامها أربعة أحماض! وهي: Muramic Acide و Diaminopimelic Acide و Alanine وGlutamin Acide و المادتين الأخيرتين، معروفتان بوجودهما في البكتريا، أما وجودهما في جسم الإنسان، فلم يكن معروفا قبل ذلك وعندما جربوا حقن (مادة النوم الطبيعية) هذه في الأرانب، وجدوا أنها تضاعف مدة النوم التي تحتاجها هذه الأرانب ضعفين إلا ربعا! أي (1? 75).. فلو كانت مدة النوم هي 40 ? من ساعات اليوم، لأصبحت 70 ? من تلك الساعات، نتيجة لتناول مادة النوم هذه!.. وذلك دون التعرض للآثار الجانبية التي تحدثها مواد النوم الكيماوية! حيث أنها تختلف عن (الحبوب المنومة)، وذلك على حد قول بنهايمر، فهي لا تجبر حيوانات التجارب، الأرانب هنا، على النوم ( فتأثير المادة لا يحدث إلا إذا كانت الحيوانات، تشعر بالأمان وتمر بظروف عادية، عند ذلك فإن الحيوانات تنام بشكل طبيعي بعد حقنها بهذه المادة)! وبعد.. ألا يحق لنا أن نتساءل، ما الذي أضافته هذه الأبحاث والتجارب الحديثة إلى النظرية الكيماوية؟! لقد حددت لنا بالتفصيل العناصر، التي تتألف منها ( مادة النوم الطبيعية).أو كما كانوا يسمونها (المواد المتعبة) أو (المستقلبات الناهية) أو (الفضلات) أو (السموم) أو..الخ. ولكن: إلى الآن، لا تزال، اعتراضاتنا، وانتقاداتنا، لهذه النظرية الكيماوية في محلها ومقبولة! ... وستبقى!.. حتى تكتشف أبحاث أخرى، ألغازا جديدة، عن طريقة عمل هذه الأحماض وآليتها، ومكان عملها، ومكان إفرازها وإنتاجها! ... وعندها.. يصبح لكل حادث حديث!.. ولكل جديد.. تفسير، ومقال!! (نستكمل تفصيل النظرية الثالثة للنوم في الجزء الثالث يوم 11 محرم 1423هـ الموافق 25 مارس 2002م.)