الكونكورد تعود بدون صخب!!

تلقت شركات الطيران البريطانية والفرنسية نكسة كبيرة في سقوط طائرة الكونكورد في شهر يوليو عام 2000م، والتي أوقفت جميع رحلات هاتين الشركتين على طائرات الكونكورد بسبب الحادثة، وقد كان من المنتظر أن تخرج هذه الطائرات من الخدمة في نقل الركاب، لأن عمرها التشغيلي قد مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما، فقد بدأت صناعة هذه الطائرات في عام 1969 وبدأ تشغيلها على خطوط الطيران في عام 1976م، وكان من الأفكار المطروحة إلغاء هذا الأسطول من الخدمة، إلا ان شركة الكونكورد أعادت الحياة والقوة والشباب إلى هذا الأسطول من الطائرات الفريدة من نوعها في خدمة الركاب الذين يعنيهم الزمن والرفاهية. أعادت الشركتان البريطانية والفرنسية، برنامج رحلاتها المعتادة بين لندن وباريس ونيويورك، بدءا من شهر نوفمبر 2001م، ولا تزال تقدم رحلاتها المنتظمة بين هذه المدن الثلاث ستة أيام أسبوعيا. تحسينات ميكانيكية نجحت شركتا الطيران الفرنسية والبريطانية في كسب ثقة الركاب المنصرفين أو الخائفين من ركوب طائرات الكونكورد وذلك بعد ان أدخلت تحسينات هائلة وكبيرة على جميع نقاط الضعف السابقة، والتي كانت موضع الحديث في أسباب سقوط طائرة الكونكورد، فقد وضعت حماية للجناحين، كما أنها عدلت في تصميم مخازن الوقود، وصممت نوعا خاصا من الإطارات لهذا الأسطول من الطائرات. وقد كلفت هذه التعديلات الميكانيكية والآلية ما يزيد عن 25 مليون دولار، أنفقتها الشركتان رغبة في إعادة الخدمة لهذا النوع الخاص من الطيران السريع، والذي لا يتوفر إلا عندهما. تحسينات جمالية كان من عيوب طائرات الكونكورد هو محدودية المكان، فالطائرة لا تتسع لأكثر من مائة راكب أربعون في المقدمة وستون في المؤخرة، يستخدمون 25 صفا من المقاعد، كل منها على مقعدين لكل جهة من الطائرة مع ممر ضيق. لذا فقد استغلت الشركتان هذا الزمن (زمن توقف الطيران الطويل، والذي امتد الى 15 شهرا) لإعادة الديكور والتصميم الداخلي للطائرات، فاستعانت ببيت الخبرة البريطاني (ترانس كونران) ليضع بصماته الفنية وإحساسه الجمالي داخل الطائرة لركابها المميزين، ومنحته ميزانية كبيرة زادت عن عشرين مليون دولارا، ليصنع جوا مريحا وفسيحا للركاب من خلال المساحة المتاحة في الطائرة. ونجح هذا الفنان بوضع تصميم داخلي يجعل من الطائرة متحفا فنيا، وقاعة جلوس مريحة للناظر إليها والجالس فيها وعليها. فيستطيع الراكب أن يحرك مقعدة ويوازنه بما يريحه ويريح قدميه ورأسه، ويستطيع ان يستمتع بالموسيقى بوسائل مقربة إليه وفي متناول يديه بدون أسلاك شائكة حوله. كما شملت أعمال الديكور، أدوات الطعام والشراب من أكواب وصحون وملاعق (وقد حذفت الشوك والسكاكين المعدنية واستبدل بها سكاكين وشوك بلاستيكية، استجابة للتعليمات الجديدة بخصوص حماية الركاب) وجميعها هي من تصميم هذا الخبير، ولن تجد مثلها في أي مكان آخر، فهي لطائرات الكونكورد فقط. تحسينات خدمات تتميز خدمة الكونكورد بأنها خدمة خاصة ومميزة، فالمبلغ الكبير الذي يدفعه الراكب يستوجب خدمته خدمة ملكية، فهو يدفع أضعاف السعر العادي الذي يدفعه الراكب لدى شركات الطيران الأخرى لنفس الرحلة، لذا فإن جميع مقاعد الكونكورد هي درجة أولى بخدمتها، وركابها يتمتعون بمستوى عال من الخدمة، فالترحيب بهم يبدأ من حال حصولهم على التذاكر، وعند قدومهم للمطار، لهم قاعة انتظار خاصة بهم في كل المطارات، يتناولون فيها ما يطلبون بما في ذلك وجبات كاملة وغالية، مجانا، وفي الطائرة تستمر نفس الخدمة فيقدم جميع أنواع الشراب والأكل المميز طوال الرحلة، فالرحلة التي تستغرق ثلاث ساعات ونصف يتناول الراكب فيها وجبة كاملة من أربع تشكيلات من المأكولات المفضلة للجميع. تميز في الطيران يقبل المسافرون على شراء تذاكر رحلات الكونكورد على الرغم من ارتفاع سعرها، فالرحلة من لندن الى نيويورك اتجاه واحد يكلف مبلغ 6400 دولار (يخفض السعر قليلا عندما يكون يتم شراء تذكرتين لشخصين ذهابا وإيابا) مقارنة بثلاثمائة دولار لرحلة مماثلة ولكن على طيارة غير الكونكورد . ان هذا السعر المرتفع يرجع الى تكلفة الرحلة وخدماتها، فالشركة لا تحقق أرباحا خيالية من هذه الأسعار المرتفعة، بل ان مصاريف وصيانة وخدمة الركاب تستهلك نحو 90? من قيمة التذكرة. والراكب يتمتع بهذه الرحلة لأنها غالبا ما تكون رحلة استثنائية في حياته، أو مغامرة العمر للتمتع بحياة الرفاهية. ولكن هناك فئة من المسافرين وهم الفئة الصامتة، والتي تخشى الطيران، وطول مدة الطيران أمر لا تحتمله أعصابهم، فهم هنا يشترون بعضا من الزمن بأغلى ثمن، فللسفر ضروراته، لذا نجد أن نسبة كبيرة من الركاب يهمها الوصول بسرعة قبل الانهيار النفسي الذي يصاحبهم في السفر، وهذا الشعور لا يعرفه إلا من يعيشه. فهذه الطائرة تختصر الزمن إلى النصف تماما، مقارنة بالرحلات العادية، فالرحلة من لندن الى نيويورك تستغرق ثلاث ساعات ونصف، وتستغرق الرحلة على الطائرات العادية بما يزيد عن خمس ساعات. فالطائرة تطير عند الإقلاع بسرعة 250 ميلا في الساعة، وتتسارع لتصل الى 1350 ميلا في الساعة بعد نصف ساعة من الطيران، ثم تستوي الطائرة على علو 60000 ( ستون ألف قدم). وهذا الارتفاع هو ضعف ارتفاع الطائرات العادية، ومن ذلك الارتفاع الكبير يمكن للراكب أن يرى تحدب الأرض. وسرعة الطائرات العادية في الأجواء العليا هي 900 ميل في الساعة.