طالبان: النوايا الحسنة وحدها لا تصنع دولة!!

?? اسم الكتاب: طالبان ?? اسم المؤلف: فهمي هويدي ??الناشر: دار الشروق في القاهرة 2001م ?? هذا الكتاب يمثل نظرة محايدة إلى حكومة طالبان، بعيدة عن الحملة المعارضة لها وبعديدة أيضا عن التأييد لها، و مؤلفه كاتب إسلامي معروف، وله صلات قوية بالجماعات الإسلامية، إضافة إلى أنه مقرب إلى السلطات الرسمية فهو كاتب متوازن، ويملك من المعرفة ومن مصادر الأخبار ما يؤهله ليقدم صورة حقيقية عن وضع حكومة طالبان، كحكومة وكفكرة. صورة من قريب: قام المؤلف بزيارات عديدة لأفغانستان، بدأها في عام 1978م عقب أول انقلاب شيوعي، وتكررت زياراته لهذا البلد وتمكن من زيارة البلد في ظل حكومة طالبان مرتين الأولى عام 1998م، والأخرى كانت في شهر مارس في عام 2001م. ويعترف الكاتب أن المعرفة بأمر أفغانستان وقضيتها لا يمكن أن يتم بقراءة كتاب عن تاريخ أفغانستان أو عن الطالبان. إن أفغانستان شبكة من التعقيدات التاريخية والجغرافية، فشعب أفغانستان يتكون من قبائل وشعوب متفرقة، بل إن أصول بعض القبائل تختلف عن الأخريات، فهم لا يرجعون إلى أب واحد أو تاريخ واحد، ويوجد أكثر من 21 عرقا ومذهبا في هذا البلد، يجمعهم الإسلام ويوحد بين صفوفهم منذ أن انتشر الإسلام في هذه البلاد منذ عهد عمر بن الخطاب ولكنهم يختلفون في المذاهب والأعراق واللغات. التاريخ والنشأة تولت مجموعة طالبان السلطة في أفغانستان عام 1996م بعد قتال عنيف مع حكومة برهان الدين رباني وجيشها الذي يتزعمه أحمد شاه مسعود، ولم تستطع حكومة رباني أن تحتفظ بالسلطة على الرغم من أنها تتمتع باعتراف دولي، وانكمشت مواقعها وانحصرت في مساحة صغيرة في شمال أفغانستان. ومن المعروف أن حكومة باكستان، هي العون الأكبر والحامي القوي لحكومة طالبان التي ظهرت بمساعدة دولة الباكستان، وهي الجار الأكبر والأهم بحكم الترابط العرقي بين هذين الشعبين، واستطاعت حكومة طالبان أن تحقق الأمن الداخلي والذي كان مفقودا في زمن الحكومات السابقة، مما أعطاها تأييدا شعبيا، بنت عليه قوتها الشعبية. نية حسنة وصورة سيئة يقول إن حكومة طالبان تحمل النيات الحسنة، ولكنها تقدمها بأسوأ صورة، فالنيات الحسنة لا تكفي، لتؤهل الحزب أو الجماعة أيا كانت لتتولى الحكم وتديره، فهو يشير إلى أن حكومة طالبان لا تبحث عن المؤهلات المعرفية في شخصيات مسئوليها، فجميعهم من أهل الثقة لا من أهل الاختصاص، وتحصيلهم العلمي لا يؤهلهم لإدارة أمور كثيرة في البلاد، لعدم المعرفة العلمية، فجميعهم تتوقف مداركهم العلمية عند أمور العلوم الشرعية، ولا يتجاوزونها، بل إنه يشير إلى أن الملا عمر (أمير المؤمنين) لم يكمل تعليمه الديني، وليس له حق الفتوى. ولا يتوقف القصور عند التعليم المحدود، بل عدم وجود النظرة الواسعة والبعيدة لديهم، فأغلب المسؤولين هم عبارة عن مجاهدين قدموا من قرى لا يتجاوز سكانها عن بضعة آلاف، لا يعرفون من ثقافة الحياة سوى ثقافة القرية البسيطة، ولم يعيشوا في المدن، ولم يتعرفوا على شيء من الإدارة والتنظيم، لذا فإن هذه الفطرة البدائية بعيدة عن عالم السياسية والحكم، في هذا العصر الذي تتحكم فيه قوى لا ترى سوى مصالحها، لذا فإن حكومة مثل حكومة طالبان، عرضة للسخرية والاستهزاء، على الرغم من البراءة والعفوية فيما يفعلونه، وحسن النية المتوفرة في النفس المحدودة فكرا وثقافة وعلما. التنوير المفقود!! والكتاب لا يثير المشاعر ضد طالبان،ولكنه يثير الشفقة والعطف على هذه المجموعة، المنعزلة عن العالم حضاريا وتاريخيا واجتماعيا وسياسيا، ويطالب العالم الإسلامي بأن لا يدعهم بدون تنوير، فهم أكثر الناس احتياجا إليه، فالدين الإسلامي، لا يرضى بالنظرة الضيقة للدين التي تمارسها الحكومة الأفغانية، فهي محسوبة على المسلمين وما يحدث فيها يشوه الفكر والدعاية عن الإسلام، ويطالب بالمساعدات الكبيرة التي قد تعيد الحياة الطبيعية إلى أفغانستان بعد سنوات عديدة من الحروب. ويلوم العالم الإسلامي على تقصيره الشديد في إنقاذ الشعب الأفغاني من الفقر والجهل والمرض. ويرى أن هذا الأمر يحاكم عليه جميع المسلمين، وفرض على المسلمين بأن لا يدعوا النموذج الأفغاني هو الذي يقدم الصورة المشوهة للإسلام، وكان من الواجب التدخل الذي يوجبه مناصرة الإسلام والمسلمين. ملاحظات يثيرها الكاتب! يلاحظ الكاتب أن بعض الدول العربية والإسلامية كانت تساعد أفغانستان بكرم وبدون حدود، عندما كانت تحارب الجيش الروسي، وعندما تم الانتصار وانسحبت القوات الروسية انسحبت معها المساعدات والمعونات، وكأن هدف العالم الإسلامي هو محاربة روسيا، وليس إنقاذ أفغانستان. ويرى ان هذا هو ما فعلته أمريكا أيضا، فهي استخدمت أفغانستان والمجاهدين الأفغان لقتال الروس، وعندما تحقق النصر تركوهم، أي ان المساعدات لم تقدم لإغاثة أفغانستان بل قدمت لمحاربة السوفيت وإنهاكهم، ليس بدماء الأمريكان بل بدماء المجاهدين، الذين لم يلاقوا أي مساعدات لتطوير حياتهم وتنميتها، بعد نهاية الغزوة وإنهاك الحرب لهم ولمواردهم ولبلدهم، بل لا قوا الاستهجان والمقاطعة والحصار. المعركة الغلط!! تحت عنوان الكتاب ( طالبان) يضع المؤلف عبارة ( جند الله في المعركة الغلط) وهي تعبير يقدم فيه المؤلف رأيه في هذا التنظيم الإسلامي، ويرى أن قوة الإيمان الشديدة التي يمتلكها جماعة طالبان لم تستخدم الاستخدام الأمثل في تطوير البلد، والانتقال به من عصر إلى عصر، فالعمل فيه يتم بتقوى الله والخوف منه، وهذا ما نفتقده في الحكومات الإسلامية، فلن تجد من يسعى إلى سرقة المال العام أو الانتفاع الشخصي، أو التقرب إلى السلطان بالنفاق. أنها فرصة عظيمة لبناء مجتمع طاهر وحكومة طاهرة، ولكن انصرفت هموم هذه الجماعة إلى هموم تافهة كان يمكن تأجيلها بعد بناء الأمة بناء حضاريا. كتاب باللغة العربية ظهر في وقت مناسب، على الرغم من أنه كتب قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، إلا أن المعلومات الواردة فيه هامة وتبقى مضيئة، فمعرفة جماعة طالبان ضرورة موضوعية أملتها الظروف التاريخية، وعندما يكتبها كاتب له إلمام واسع في الشأن الأفغاني والإسلامي والعربي، فإننا نكون أمام مرجع علمي منير. ???