البنك الدولي يقلم أظافر النمور الأسيوية!!

??اسم الكتاب : المحنة الأسيوية ( قصة صعود وهبوط دول المعجزات الآسيوية) ?? اسم المؤلف: د. رمزي زكي ?? الناشر دار المدى للثقافة والنشر، دمشق 2000م ?? كتاب هام جدا، يدرس حالة الفشل والانهيار الاقتصادي والمالي، الذي تعرضت له دول شرق آسيا والتي سميت بالنمور الآسيوية، والدول المعنية هي، هونج كونج وكوريا الجنوبية، وتايلاند وسنغافورة. هذه الدول شغلت فكر الاقتصاديين ردحا من الزمن بسبب النجاح التي حققته خلال فترة وجيزة ومقارعة الدول الاقتصادية، مما جعلها محل إعجاب الآخرين الذين سعوا بأن يحذوا حذوها، مثل إندونيسيا وماليزيا والفليبين ولكنهم تعثروا قبل انطلاقهم من قوقعة العالم الثالث. غير أن ذلك النجاح الكبير، والتقدم الصناعي لهذه الدول الأسيوية، انهار وتقلص في عام 1997م وأصبح الازدهار عبئا بعد أن كان ميزة، وأصبحت هذه الدول مدينة ومفلسة، وتحولت إلى تابع لتوصيات البنك الدولي الذي لا يهمه عودة الروح واستعادة العافية لتلك الدول، بل صار كل همه أن يسترد القروض ويتحصل على ديونه. هذا الكتاب دراسة موسعة ومتأنية، ويمكن للشخص العادي أن يفهم الهيكل العام للاقتصاد العالمي من قراءة هذا الكتاب. يبدأ الكتاب في توضيح أسباب النجاح، التي حلقت بهذه المجموعة الأسيوية إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى، ويذكر شروط النجاح الأولى، وهي توفر الأيدي العاملة الرخيصة، حتى ولو كانت غير قانونية، مثل تشغيل الأطفال، أو السيدات بأجور متدنية، والعمل في ظل غياب تنظيمات عمالية تحمي حقوق العاملين، لأن في حماية حقوق العمال ترتفع الأسعار، بسبب ارتفاع الأجور المرافقة عادة للتنظيمات العمالية، لذا فإن عدم وجود هذه التنظيمات ساعد على خفض سعر المنتجات مما جعلها منافسة. كما أن توفر المواد الأولية الرخيصة في هذه البلدان ساعد أيضا على الإنتاج الكبير والمنخفض التكلفة. دور الغرب في النجاح: ويشير الكاتب إلى نقطة هامة جدا عن سبب النجاح الكبير، وهو أن هذا النجاح هو من صنع الغرب، وليس من صنع هذه الدول، وملاحظته قوية جدا، فهو يقول إن ظهور قوة هذه الدول كان في أوج الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفيتي الاشتراكي( روسيا حاليا) وبين الغرب الرأسمالي، وكانت الحرب الاقتصادية هي ساحة المعارك، ولم يترك الغرب الفرصة تفوته لحصار الانتشار الاشتراكي والشيوعي، وذلك بتقوية اقتصاد دول الجوار والمحيطين بالاتحاد السوفيتي أو المحيطين بالدول الشيوعية، ذات الأيدلوجيات المعارضة للفكر الرأسمالي، وتشجيعهم على تبني فكرة الاقتصاد الحر، وبمحاربة الفكر الشيوعي وعدم السماح له بتخطي المنطقة، لذا فكان الدعم الغربي غير محدود، وكانت القروض ميسرة للتنمية والتصنيع، بل كانت هناك مساهمات غربية في التصنيع والتطوير في دول شرق آسيا، وكانت البضائع المصنعة تجد الأسواق الأوربية مفتوحة لها، وبانفتاح الأسواق الأوروبية تنفتح لها أسواق العالم. جميعه. وهذه هي أسباب النجاح التي جعلت الآخرين مثل إندونيسيا وماليزيا والفليبين تتبع هذا النهج، ولكن وصولهم كان متأخرا جدا. لأن الغرب لم يكن في حاجة إلى نجاحهم لتقوية الطوق حول الفكر الشيوعي الذي مات طبيعيا. أسباب الفشل: بمراجعة أسباب النجاح يمكن لنا ان نتنبأ كيف يحدث الفشل، فالكاتب يقول إن هذه الدول سنحت لها فرصة كبيرة للنجاح وقد حققت المطلوب، إلا أنها لم تحترز لحالات الانهيار، ولم تعمل لأجل البقاء قوية وصلبة في مواجهة الأزمات الاقتصادية الحادة التي هي جزء من الطبيعة الاقتصادية والتطور. 1-لم تحاول هذه الدول أن توسع في أسواقها المحلية، فقد كانت تعتمد على المشتري والسوق الأجنبي، ولم تسع إلى خلق سوق محلية واسعة، فالدول الأوربية والغرب عموما، تعتمد في تصريف منتجاتها على السوق المحلي، وأما الأسواق الخارجية، فهي عنصر مساعد، ولكنه ليس هو الأساس في عمليات التصنيع. 2-لم تسع هذه الدول لوضع تنظيمات عمالية لحماية الصناعة وخلق طبقة ذات مصلحة عامة في الحفاظ على إنجازاتها، فقد كانت أحوال العمال السيئة عاملا من أعمال التفكك، والانتقام الداخلي بالشعور بالقهر، واستغلال أصحاب العمل لظروفهم الصعبة وغير الإنسانية في أحوال كثيرة. 3-تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره أدى إلى تغيير سياسة الغرب وتفكيره الاستراتيجي، فهو لم يعد بحاجة إلى حصار الاتحاد السوفيتي بأفكاره الشيوعية، فقد انهار الاتحاد السوفيتي وورثة دول الغرب. فهو لن يساعد ولن يمد يد العون لدول ستكون منافسا له، ولن يسمح أن تخرج بضائعه من السوق لتحل محلها الصناعة الآسيوية، لذا تغير الحال وأصبح الغرب يطالب بديونه، التي كانت تغدق عليهم لغرض آخر لم يكن هدفه التنمية والتطوير بل كان لحصار الاتحاد السوفيتي. 4-عجز هذه الدول عن الوفاء بالديون، أدى إلى الشك في مقدرتها في تنفيذ الالتزامات المالية المطلوبة منها، مما أفقدها ثقة المستثمرين مما أدى إلى سحب أموالهم والخروج بها، وهذا أدى إلى مزيد من الانهيار مما جعل البنك الدولي يتدخل لوضع العلاج وهو غالبا علاج مؤلم للمواطنين، وشفاء للمستثمرين، وتتقبلها الدول لأن الثقة العالمية في اقتصادها هي المحك والأهم في التعاملات بين الدول . 5-ومن الملاحظ ظهور المشاكل الكبيرة للدولة التي كانت تسير في أول الطريق ولم تكمله، حيث تعرضت حكومة ماليزيا إلى فضائح أخلاقية ومالية، هزت الأوضاع الداخلية وفقدت الثقة الخارجية. وما تتعرض له إندونيسيا منذ سنوات من تفتيت وتحلل سياسي، صرفها عن الاهتمام الصناعي، وأصبح الاستقرار الداخلي والأمني هو هاجس الحكومة. وكأنها رسالة تحذير للآخرين ممن يرون في قصة النجاح السابقة إمكانية أعادتها، والخروج منها بسلام. ويختم المؤلف هذا الكتاب بوضع تصوراته، ورؤيته نحو ما يمكن للشعوب التي تفكر في البحث عن خط سير اقتصادي يبعدها عن شبح الانهيارات والانتحارات الاقتصادية. ويقدم في كتابه عشرين رأيا لتحاشي الغلطات التي وقعت فيها النمور الأسيوية ومنها: 1-وضع سياسات مالية منظبطة، فالانفتاح غير المدروس يؤدي إلى وضع الاقتصاد في يد المضاربين. 2-الحد من الاستدانة واستجلاب القروض، فهي وإن كانت تسهيلات هامة ومنعشة للصناعة، إلا أن تكلفتها عالية، وكثيرا ما تكون المطالبات والمديونية سلاح مخيف بيد المقرض، الذي قد يستحوذ على كل شيء، وهي أسباب الإفلاس والفشل والانهيار. 3-إن العقاب ينصب على الدول المقترضة، والدول المقرضة دائما هي السيدة، وهي صاحبة القرار. دراسة ممتازة وكتاب تنويري، يساعد القارئ على فهم عالم التجارة والصناعة والمال، مع توسع لمعرفة عولمة الاقتصاد التي تتجاذبها المناقشات والكتابات بالتأييد والمعارضة.