الثقافة السوداء من صنع الإنسان الأبيض!!

?? اسم الكتاب : صناعة الثقافة السوداء ?? اسم المؤلف ايليس كشمور ?? تعريب : أحمد محمود ?? الناشر: المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2000م ?? كتاب يطرح مفهوم الثقافة السوداء وصناعتها في الولايات المتحدة الأمريكية على دائرة البحدث والنقاش، والكاتب يتساءل عن هذه الثقافة، وهل هي ثقافة قائمة بحد ذاتها، ولها خصائصها أم أنها خرجت من رحم الواقع الأمريكي، وهي البيئة التي ظهرت منها وانتشرت فيها. وبمعنى آخر هل الأفكار والفنون التي يقدمها السود أصيلة الجذور؟ يري الكاتب أنه لا توجد ثقافة سوداء خاصة بالسود، فالثقافة هي فكر اجتماعي، يخرج متأثرا ومتلونا بالبيئة التي ينشأ فيها المنتج والمخرج والمبدع، لأي فن من الفنون، سواء أكان فكريا أو عملا فنيا موسيقيا أو نحتا ورسما. إذا لماذا يتم توصيف بعض أنواع الأدب والثقافة والفنون في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ثقافة السود، أو الثقافة التي ترجع إلى الأصول السوداء في أفريقيا؟ يرى المؤلف أن خلف ذلك سبب تجاري بحت، فهي عملية توصيف غير دقيقة، فالفكر والأدب هو إنساني ليس له حدود ولا لون، ولكن لكي يقدم هذا الفكر وتلك الثقافة تقديما يثير الانتباه، أو الحماس أو الرغبة في المعرفة، أو للتشويق للتسويق والبيع، فإنه يلون بلون خاص، وفي الولايات المتحدة يوصف الفكر الذي يقدمه الكاتب أو المفكر الأسود بأنه فكر خاص بهم، وأن للثقافة والفنون السوداء طعم خاص ومذاق فريد، ويضخم الأصالة فيه لكي يكون سلعة ذات قيمة معنوية وتقدم الجديد والأصيل. ومن الأفكار المثيرة للجدل في هذا الكتاب إشارة المؤلف إلى أن السود لم يتمتعوا يوما بالاستقلال الفكري، بسبب تواجدهم في محيط الإنسان الأبيض الأكثر غلبة وقوة، لذا فإن الفكر الأسود يتماها مع متطلبات الإنسان الأبيض، الذي هو أكثر تواجدا وأكثر غنى وتنوعا فكريا، ويملك كل وسائل الترفيه والنشر والإعلام القوي الذي يؤثر في المجتمع، ويملك المال ويوزعه على الفئة الخاصة والمرضي عنها، والمرغوب فيها، وهذه الفئة بدورها تسعى للحفاظ على هذه الامتيازات التي تميزها عن غيرها وأتاحت لها فرص النجاح، والمحافظة عليها تعني السير في خط الإنسان الأبيض. فالكتابة والفنون عندما تكون مهنة فإن العرض والطلب يكون هو معيار تقديم الخدمات، فبيع الفكر أو الفن الأسود مبني على التجارة، حتى لو كان هناك فكر مستقل بذاته لمجتمع السود فإنه لن ينجح، لأن النجاح والشهرة والمال لا يقدمها ولا تأتي إلا بمصاحبة الإنسان الأبيض ومباركته، أي لا تجد كتبا لا يشتريها إلا السود، بل إن أشهر المغنين والمطربين السود كانوا في خدمة الرجل الأبيض، ولولا إعجابه بهم وتقبله ما يقدمون من فن لم يكن لهم فرصة للنجاح والشهرة والثروة، أي أن مجدهم وتألقهم يرجع إلى موافقة وقبول الإنسان الأبيض لها. أي أنهم صنيعة الإنسان الأبيض، أو في خدمته لتقديم ما يرضيه ويعجبه. وعلى الرغم من أن الدستور الأمريكي أعطى للسود حقوقهم كاملة إلا أن الحياة الواقعية لا تتوافق كثيرا مع نص الدستور، إذ أن لعنة اللون لا تزال تطاردهم، والنظرة السلبية نحوهم في كل مجالات العمل سواء كانوا رئيسيين أو ثانويين ترافق أعمالهم ما لم يتول أمرها الفئة البيضاء من المجتمع الأمريكي. والكاتب يرى أن نجاح بعض السود ووصولهم القمة لم يتم إلا بعد الانسلاخ من جلدته، أو التنكر لها، ويقدم قائمة من السود المشهورين، الذين نجحوا على حساب التخلي عن إنسانيتهم والتكيف مع الصورة التي رسمها لهم اللون الآخر المغاير، ويذكر منهم مايكل جاكسون الذي حاول الانسلاخ من أصله، حتى محاولته تغيير لونه وشعره، ليندمج في التيار الذي يشعر أنه صنيعته، ولكنه ليس منه. ويرى أن وصف الكتابات الفكرية والفنون ذات الأصول السوداء، بأنها الثقافة السوداء، فكرة سياسية تسعى إلى تقديم ورقة سياسية ثمينة، تعطي للسود تقييما أفضل، وشعورا بالتفرد المتميز، وترفع عن الغرب وتخفف عنه الإحساس بالذنب، نحو ما فعله الآباء لهؤلاء الذين ولدوا وعاشوا في هذا البلد فترة من الزمن محرومين من الحرية أيا كانت. وبمعنى آخر إن هذه التسميات ليست سوى تعويض للسود لإشعارهم بأن لهم فنونهم وفكرهم المستقل الحر الذي لم يتأثر مهما حاول الإنسان الأبيض تلوينه بلونه، بل إنه معجب بما يقدمون. ويرى المؤلف أن هذه السياسة، وهي عدم السماح للثقافة السوداء بالنمو الطبيعي والحر، كان لها الأثر في التشنجات العصبية التي تصيب السود في فترات كثيرة من الأزمان، وتسبب الانفجارات الشعبية، مثل ما عمل السود في لوس أنجلوس في عمليات العصيان الجماعي، بسبب الحكم الصادر من المحكمة بتبرئة رجل الشرطة الأبيض من اتهامه بالقسوة في معاملته للمتهمين السود. دراسة مثيرة للجدل يقدمها الكاتب الأمريكي المهتم بالسود والأقليات بأمريكا، ويقول إن للسود ثقافة وفكرا وفنونا، ولكنها تحولت إلى بضاعة تحقق رغبات الأبيض الذي يتاجر فيها، فالفنون عموما هي لتسلية الأبيض، والأصالة الأفريقية يجب التخلي عنها في اللحظة التي يرى الفنان أنها لا تعجب سيده، وهنا يشير إلى أن الناجحين من السود، في الفنون والغناء بل والرياضة، بأنهم كانوا صنيعة الإنسان الأبيض، أكثر من صنيعة أنفسهم، أو ثقافتهم السوداء، أو فكرهم الخاص بنشأتهم في بيئة لا تسمح بالنجاح إلا بعد التأشير عليه بالقبول والموافقة والرضى، من اللون المفضل وهو اللون الأبيض. ???