شر البلية ما يضحك !!

??اسم الكتاب: حنين (تغريبة أسرة مصرية في مصر) ??اسم المؤلف: يوسف عوف ??الناشر : الدار المصرية اللبنانية 2000م ??اشتهر الكاتب المصري يوسف عوف بأنه كاتب مسرحيات ساخرة ، ومد المكتبة العربية بمؤلفاته الضاحكة والساخرة عن أحوال الناس أو المؤسسات الحكومية والتجارية وأنظمتها. ومن أشهر مؤلفاته هموم ضاحكة، وكتابه الساخر حيجننوني الذي طبعت منه عدة طبعات، وله أيضا مولد سيدي المرعب و فضائح السيسي به. هذا الكتاب كتبه على شكل مسرحية، من خمسة فصول، وجعله حوارات مضحكة عن أسرة مصرية زوج (هاشم) وزوجة (وفاء) وابن وابنة في سن المراهقة، تعود هذه الأسرة إلى مصر، من الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة طالما أجلوها، تعود بعد أن نجح الزوج ليكون عالما كبيرا، ويصف بأسلوبه الساخر استعداداتهم للعودة وتحضيرا تهم لها، وحواراتهم في الطائرة ونزولهم أرض الوطن بعد غيبة طويلة. وتبدأ مواقف الكوميديا السوداء قبل خروجه من المطار، فهذا الأستاذ الكبير يحضر معه جهازا كهربائيا لإجراء التحليلات الكيميائية، يرغب في إهدائه للجامعة التي تخرج فيها، شكرا واعترافا بفضلها. في غرفة التفتيش في مطار القاهرة بعد وصولهم وفرحتهم بالعودة إلى أرض الوطن، تقابله أول المشاكل التي تتوالى بعد ذلك على هذه الأسرة في هذه المسرحية: فالكشاف ( رجل الجمارك) يقلب الجهاز ولا يتعرف عليه ويقول للأستاذ الكبير؛ الكشاف طيب فين إذن الاستيراد؟ وفاء(الزوجة) ده موش للبيع أو التجارة. هاشم: أنا جايبه للتجارب العلمية . الكشاف: والله الكماليات دي بتعتبر سلع استفزازية وجمركها بيبقى الضعف. ( وتدور حوارات ومناقشات ساخرة مع رجل الجمارك حول هذا الجهاز وفائدته وأهميته) وفاء: أنا أعرف أن فيه بند عندكم بيعفي الأجهزة العلمية من الجمارك.. الكشاف: ده في حالة ما إذا كانت هيئة رسمية هي اللي مستورداه. هاشم: عظيم .. الجهاز ده بقى جاي هدية فعلا لكلية الزراعة. الكشاف: معك ما يثبت؟ هاشم: منين ؟.. ماني لسه داخل قدامك أهو!! الكشاف: عاوزين جواب رسمي ! هاشم: بكره حيكون عندك. الكشاف: يبقى حنتحفظ على الجهاز لحد ما تجيب الجواب ويترك الجهاز عند الجمارك. ويبدأ رحلة العذاب الداخلي بأول احتكاك له مع الخدمات الشعبية، تتواصل المواقف المضحكة والمتناقضة بين حياتين مصرية وأمريكية، فالسائق يطمع في الحصول على مبلغ خيالي من هذه الأسرة المصرية، التي فضحت نفسها أمامه في حديثها عن نفسها، وفرحتها بالعودة، وينتهي بهم أن يدفعوا له بالدولار، أضعاف ما هو مطلوب من غيرهم بالجنيه لينزل لهم حقائب السفر ويتركهم في سلام. ويصلون إلى شقتهم بحقائبهم الكبيرة التي يحملونها إلى الأدوار العليا بدون مصعد، ويكتشفون أن شقتهم مسكونة يعمل بها مجموعة من الموظفين، وهي مؤجرة لشركة أحذية، ولم يكن لهم علم بذلك، يتفاعل غضب الزائر ويستنجد بالشرطة، ويتنقلون من دائرة شرطة إلى أخرى، ويتبن أن تأجير الشركة كان نظاميا، وليس خدعة، فالشركة استأجرتها من صاحب العمارة رسميا وبعقد موثق من الجهات الرسمية، وتتواصل قصة هذه الشقة المؤجرة ليتبين أن المالك كان يرفض استلام الإيجار بنفسه ويطلب من وكيلتهم أن تسلم الإيجار الشهري لوكيله لكي ينكر استلامه أي مبلغ، وأثبت أمام الشرطة أنه أرسل رسائل لهم ولوكيلهم يطالب بالإيجار، ولكي يدفعوا له حقوقه، وبعد أشهر طلب منهم إخلاء الشقة، لعدم وفائهم بعقد الإيجار، وتم ذلك أثناء غيابهم في الولايات المتحدة الأمريكية، مطمئنين إلى أن الإيجار يدفع شهريا، وأن شقتهم لا تزال محفوظة لهم، وتم ذلك كله تزويرا ولكن بأوراق رسمية باستخدام الثغرات في الأنظمة، حيث كان المالك يعلم بوجودهم في الولايات المتحدة الأمريكية فأكمل الأوراق تزويرا أثناء غيابهم. ولم يجدوا بدا من السكن في الفندق حتى تنظر المحكمة في الدعوى التي أقاموها، والتي ينتظر أن تمتد أشهرا لتنتهي نهاية لا يعرفون اتجاها لها. ونعود في الفصل الرابع إلى موضوع الجهاز الهدية، فقد ذهب إلى الكلية يخبرهم عن الهدية ويطلب منهم إفادة لإدارة الجمارك بإعفائه من الجمارك. ويضحك القارئ على الحوارات التي تتم بينه وبين عميد الكلية، الذي يقدم له الشكر الكثير، ويحيله إلى قسم الكيمياء ليلبي طلبه بما أن الهدية هي للتحليلات الكيميائية، ويرحب به رئيس قسم الكيمياء ويشكره، ويحيله إلى الشئون المالية لأن المطلوب إعفاء مالي، وهذا من اختصاص الشئون المالية، ويحيله مدير الشئون المالية بعد الترحيب والشكر الحار إلى إدارة المستودعات لأنها هي التي ستسجل الجهاز لديها.. وهكذا يتنقل من دائرة إلى أخرى ويعود للمدير مرة أخرى لأن مدير المعامل أفاده بضرورة خطاب من العميد يطلب تامين هذا الجهاز للحاجة إليه. ويتحصل أخيرا على هذا الخطاب من المدير وينطلق إلى المطار ليستلم الجهاز الثمين. وفي مكتب الجمارك يتضح له أن السكة طويلة، فقد طلب منه الكشاف خطابا من وزارة الاقتصاد تقول فيه إن هذا الجهاز لا يصنع محليا، وليس من البضائع الممنوع استيرادها. وعليه أيضا ان يحصل على إذن من وزارة التجارة الخارجية ليحصل على إذن استيراد لهذا الجهاز، وتامين وتدبير العملة الصعبة لتأمينه. يحذره الكشاف الجمركي بأنه سيتعب كثيرا ويقترح عليه بأن يدفع الجمرك. ويوافق أخيرا ويطلب تحديد مبلغ الجمرك ولكن الكشاف يطلب منه مبلغا أكبر من سعر الجهاز أضعافا مضاعفة، ويعتذر الكشاف عن هذا التقدير لعدم وجود الفاتورة، ويرضخ أيضا بعد حوارات ساخنة مع الكشاف ويدفع المبلغ ويأخذ إيصالا بذلك. ويطلب منه الكشاف إرسال مندوب من الجامعة لاستلام الجهاز؟ حيث رفض تسليمه الجهاز، ويدور الحوار التالي: الكشاف: هل سيادتك معك ما يثبت أنك مندوب من الجامعة؟ هاشم : لا .. بس أنا صاحب الجهاز وأنا اللي لسه دافع الجمرك بتاعه حالا!! الكشاف: لكن الوصل طالع باسم الجامعة! هاشم ( يلقي نظرة على السند ) طيب وليه حررته باسم الجامعة؟ الكشاف : سبحان الله مش سيادتك كاتب أنه هدية منك للجامعة. خلاص الجامعة هي بقت صاحبة الجهاز من تاريخه. هاشم : حيث كده .. أنا سحبت الإهداء. وحأكتب لك إقرار بالكلام ده فورا .. هات الجهاز!! الكشاف: جهاز إيه؟ هاشم: جهاز( الإيزا) الكشاف: سيادتك معك إذن استيراد؟ هاشم : لا .. الكشاف: يبقى ما فيش جهاز .. هاشم: طيب رجع لي المبلغ اللي دفعته كجمرك لك دلوقتي. الكشاف: ما تضيعش وقتك الفلوس من الجامعة!! تتواصل المسرحية بهذه الروح وهذه الكوميديا السوداء التى يقع فيها المواطن العادي أمام البيروقراطية التى لا فكاك منها، والتي يعرف الجميع أنها على غلط، ولكن هذا الغلط وضع لمنع أغلاط أكبر، لذا فان وجود هذه العراقيل ضرورة لمنع أخطاء أكبر، ويدور المواطن البسيط في هذه الدائرة، التي لا يعرف كيف ينهيها، أو كيف يخرج منها. إنه كتاب يجعلنا نبتسم من دموع الآخرين. ???