الهيمنة الأمريكية تعرقل دور المنظمة الدولية وتفرغ محتواها

?? اسم الكتاب : قراءة في الدور السياسي للأمم المتحدة ??اسم المؤلف محمد الخضر ??الناشر : دار حازم للطباعة والنشر دمشق طبعة أولى 2001م دمشق - صبحي حليمة ?? صدر حديثا كتاب قراءة في الدور السياسي للأمم المتحدة للكاتب والصحفي محمد الخضر، ويقع في 180 صفحة موزعة على ست فصول تتناول ولادة الأمم المتحدة ودور الجمعية العامة ومجلس الأمن ووظائفهما، كما تعرض للأمناء العامين والمحطات الكبرى في تاريخ المنظمة، ويفرد الكتاب فصلا خاصا لرصد علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة، ولعل هذا الفصل الذي يكشف الهيمنة الأمريكية على قرار المنظمة الدولية، يكشف قصد الكتاب في رصد الإشكالية الأعمق في تركيب المنظمة الدولية، أي مدى تأثرها بسياسات الدول العظمى، وتحولها إلى منتدى سياسي بعيد عن الأهداف السامية التي علقتها شعوب العالم على المنظمة الدولية. ويؤكد المؤلف الخضر في ثنايا كتابه، على حالات عديدة غلب فيها العامل السياسي على العامل القانوني الموضوعي الأخلاقي، في تناول ومعالجة الأمم المتحدة للقضايا المطروحة عليها، ويتجلى ذلك بشكل أشد سطوعا في تعامل المنظمة مع القضايا العربية، خاصة الصراع العربي الصهيوني، إذ لا تزال الإدارة الدولية تقف عاجزة عن تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة ضد إسرائيل ، فيما تم سريعا جدا تطبيق القرارات الموجهة ضد العرب.. وفي ذات السياق أتى القرار 738 الذي أصدره مجلس الأمن، في موضوع اتهام الجماهيرية الليبية بالضلوع بتفجير طائرة بان أمريكان فوق اسكتلندا، لفرض العقوبات الدولية ضد الشعب الليبي بتأثير الضغط الأمريكي البريطاني على المجلس. وليس الهيمنة الأمريكية بجديدة على المنظمة الدولية، كما يعرض الكتاب في فصله الأول، فقد كان للولايات المتحدة دور فاعل في تأسيس المنظمة، تأكد في عالم ما بعد الحرب العالمية من خلال حجمها الاقتصادي الهائل، الذي لم يتأثر إطلاقا بالحرب المدمرة، خلافا لجميع الدول الكبرى، وتجلت هيمنة الولايات المتحدة من خلال احتكارها الدعوة لعقد مؤتمر سان ريمو ثم دورها الأساسي في مفاوضات التأسيس، واستمرت تلك الهيمنة طوال العقود الماضية، مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ثم دخلت مرحلة أشد خطورة تتضح معالمها في وقتنا الحاضر عبر سيطرة شبه مطلقة للإدارة الأمريكية، بل وللكونغرس على نشاطات وقرارات الأمم المتحدة .. ويقول الكاتب أن الولادة المشوهة للمنظمة، جاءت في ظروف دولية غير سوية حيث كانت ويلات الحرب الطاحنة تهيمن على شعوب الأرض، بينما زعماء الدول الكبرى يخططون لاقتسام السيطرة والنفوذ على العالم، ضمن نظام دولي جديد اتخذ صيغة الأمم المتحدة ستارا له.. وعلى الرغم من تضمن الديباجة والنصوص القانونية قيما أخلاقية عليا عدل، مساواة، كرامة إنسانية إلا أن تركيبة مجلس الأمن الدولي ونظام التصويت فيه، وبالأخص حق الفيتو الممنوح للدول الخمس الكبرى، جاء مناقضا لكل ما جاء في الميثاق، تلك التركيبة جعلت قضايا دول العالم ترتهن لمواقف أصحاب حق الفيتو، مما أساء مبكرا لعدالة المنظمة الدولية في تعاطيها مع الكثير من قضايا الشعوب النامية. في الفصل الثاني يعرض المؤلف للجمعية العامة ووظائفها والمحطات الهامة في تاريخها، ويعرض لدورها المفقود في عشرات القضايا الدولية، وفي تعاطيها مع القضية الفلسطينية التي تشكل التحدي الأكبر الذي واجهته الأمم المتحدة منذ تأسيسها، إذ رغم صدور عشرات القرارات الداعمة، فإن هذه القرارات لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ .. في فصله الثالث يشرح الكاتب وظائف مجلس الأمن، متوقفا بإسهاب عند ازدواجية المعايير في تطبيق قراراته، التي تبدو (الازدواجية) جلية فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي، مستعرضا القرارات ذات الصلة وتداعياتها. وفي الفصل الرابع يتعرض الكتاب لتاريخ الأمناء العامين للأمم المتحدة، وأدوارهم السياسية وحياتهم، ليخلص إلى أن تاريخ هؤلاء يعكس وجها من أوجه العلاقة غير المثالية بين الدول العظمى والأمم المتحدة، ومحاولة إدخالها في وسائل الضغط على الأمم والشعوب بدلا من مساعدتها لتحقيق أهدافها الكبرى.. أمريكا والأمم المتحدة !! ويصل الكتاب إلى علاقة الولايات المتحدة والأمم المتحدة والتي تستند إلى معطيات خطيرة، إصرار الولايات المتـحدة على استغلال مجـلس الأمن كأداة دولية تبــرر له قرارات الحصـار والحظر، وتســـمح له بإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية والدولية، على الرغم من أن واجبات مجلس الأمن محددة بمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.. فالإدارة الأمريكية تنظر إلى الأمم المتحدة على أنها واجهة تمارس من خلالها مصالحها وسياستها الخارجية، وليس هذا فحسب بل هي جعلت المنظمة موضوعا للصراع السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في سعيهما للفوز بولاية ثانية في الأمانة العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن قيام الولايات المتحدة بابتزاز المنظمة الدولية من خلال الامتناع عن الوفاء بالتزاماتها المالية لها. ويخلص الكتاب إلى أن الوضعية المسيطرة على الأمم المتحدة تعرقل ولدرجة كبيرة إمكانياتها في مواجهة التحديات التي باتت تواجهها البشرية مع مطلع الألفية الثالثة كالزيادة السكانية والفقر والكوارث البيئية ومكافحة الأوبئة والأمراض المستعصية، خاصة وأن قرارات دولية عديدة وفي أماكن توتر خطيرة لازالت تنتظر التنفيذ منذ عقود عدة.