رواية تقدم حيرة الأبناء عند اختلاف جنسية الوالدين!!

??اسم الكتاب: كم بدت السماء قريبة ??اسم المؤلف: بتول الخضيري الناشر:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2000م ?كيف تكون حياة المولود من أبوين مختلفين عقيدة ونشأة وتاريخا وفكرا، هذه الرواية تفكك هذه الشخصية المبعثرة، التائهة، التي لا تعرف أي أصل تتبع، هل تتبع أصل الأب العربي، أم تتبع أصل الأم البريطاني. إنها تحمل صفات وخصائص لكل منهما ولكن مزجهما يجعل منها شخصية تائهة. رواية تعالج واقعا يواجهه البعض، ويعاني منه الكثير، وليست وقفا على العالم العربي بل إن هذه المشكلة مشكلة عالمية، وهي الزواج من أجنبيات، وما ينتج عن ذلك من أبناء يعانون حياة قلقة، متناقضة فكل من الوالدين يشد ابنه إليه، وعلى الأبناء إرضاء الجميع، فيكون الأبناء هم الضحية وهم الذين يدفعون الثمن. الأب عراقي يتزوج من بريطانية، حبيبته أيام الدراسة في لندن ، ويعود معها إلى بغداد، ومعه طفلته الجميلة، يعود إلى بيت أهله الأثرياء ولكنهم يشتغلون في الزراعة، ويعيشون في بيئة زراعية، يعيش الفلاح مع سيد الأرض بروح أخوية، وصداقات دائمة وزيارات محبة وتقدير بينهم في الجو العربي ، حيث نشأ هذا الزوج العربي. الزوجة البريطانية تجد أن هذا الاختلاط غير المقنن وهذه التصرفات وهذه الزيارات التي يقوم بها الفلاحون غير لائقة، وغير مقبولة، بل وتطلب من ابنتها أن لا تلعب مع بنات الفلاحين الذين يختلفون عنها في المظهر، والسلوك الذي لا يعجب الزوجة البريطانية التي تأكل الفطيرة الإنجليزية بعصير الليمون والسكر، وتغسل وجهها بقطعة قماش مبللة بماء دون صابون تراعي بشرتها.. و تأكل بالملعقة والشوكة وتقطع التفاحة إلى شرائح صغيرة وتطلب من ابنتها أن تتعلم آداب المائدة البريطانية، وتستنكر أكل الخبز الحاف، أو اللبن المجمد، وتخشى على ابنتها المرض وسوء السلوك كما تراه هي من نشأتها، ويرى الأب عكس ذلك ويتصرف بطبيعته ، فهو يبخر البيت كل جمعة، ويسمح لها بإيقاد الشموع يوم الأحد ، ولا يمانع من أن تأكل ابنته الخبز حافا وأن تلهو وتلعب مع أبناء وبنات الفلاحين. هذه المشاكل التى واجهتها الصغيرة في كونها ساحة المعركة بين الأب العراقي والأم البريطانية فأبوها لا يرى في اندماج ابنته في اللعب مع بنات الفلاحين أي غضاضة. الزوجة تعيد للأب فكرة الاستعمار البريطاني، ويدرك كثيرا أن زوجته امتداد للفكر الاستعماري الاستعلائي، مما جعلها غير مرحب بها في مجتمع أهله، لأنها من خارج المجتمع أولا ولأنها بريطانية ثانيا ، والمجتمع العراقي يحمل الذكرى غير الحسنة عن البريطانيين مما يزيد في الجفاء بينها وبين الناس ، الذين لم تسع هي لتتقرب إليهم ، بل قدمت لهم نموذجا استعماريا مستكبرا، لم يلق الترحيب منهم ولم يساعد الزوج في تخفيف الجفوة. ويصر الأب على أن يعيش عيشة العراقي الطبيعي ولم يرض أن يغير معيشته وحياته، ليرضي زوجته، التي اعتبرت ذلك محاولة منه لإفساد البنت ولإفساد حياتهم جميعا. وتفككت العلاقة بين الزوج والزوجة، وأصبحت تذهب وتسهر مع مجموعة البريطانيين الموجودين في العراق، ونشأت علاقة بينها وبين أحدهم ورفض الزوج العراقي منحها الطلاق لأنه يشعر بارتباط ابنته بهذه الأم المتمردة. ويموت الأب، وتتولى الأم الإدارة وهنا يزداد التيه والضياع للبنت ، فأبوها رغب أن يعلمها صنعة العطور، وأن يجعل منها سيدة أعمال بينما أمها رغبت في أن تكون راقصة باليه، فحال أن مات الأب تغيرت حياة الابنة، والتحقت في معهد لتعليم رقص الباليه حسب رغبة أمها التي تولت أمرها. تتعرض القصة للحروب المدمرة التى اشتغل بها العراقيون، أكثر من خمسة وعشرين عاما، وهي تأكل الأخضر واليابس في العراق، فيقفل مركز التدريب لرقص الباليه لأن الرقص في أيام الحرب يعتبر رفاهية وكمالا، لا يسمح به، في ظرف تموت فيه النفوس الغالية التي تذهب فداء للحرب والوطن. وهي في حيرتها وضياع المستقبل تتعرف على جندي فنان يعشق النحت و يزور بغداد في فترات الإجازة وتنشأ بينهما علاقة حب ، تجيد الكاتبة التعبير عنها، وتصف حياة الفتاة التائهة التي وجدت الأمان والاستقرار والمستقبل مع هذا الجندي، وجدت معه ما افتقدته، وهو من يأخذ بيدها وينقذها من هذا القلق في حياتها. وتقدم الكاتبة حوارات فلسفية عميقة عن الحب والزواج تقوم بين الأم وابنتها، وتحاول الأم إقناع ابنتها بالسفر معها إلى بريطانيا والعيش هناك. ولكن البنت تختار البقاء للزواج من هذا الجندي المجهول، الذي أصبح مجهولا لها أيضا، فهو اختفى بعد نهاية الحرب ولم يعد إليها، وعلمت أنه سافر إلى أهله ولن يعود أليها. لم يعد أمامها أي خيارات سوى أن تتبع أمها وترحل معها إلى لندن لتعيش حياة جديدة، حياة وعيشة البريطانيين، ولكنها لا تعلم بماذا تصف حياتها الجديدة وانتقالها إلى بريطانيا في صحبة أمها؟ هل هي هجرة أو نفي أو عودة للوطن؟ أجادت الكاتبة في حواراتها عن هذه المرحلة في حياة هذه البنت التي أصبحت تعمل مترجمة، تعيش بين المهاجرين إلى هذه الأرض التي أصبحت جنة المهاجرين، وتكتب عن حياة المهاجرين وتهتم كثيرا في وصف دقائق حياتهم. هذه الكاتبة تناقش موضوع هذه الفئة التائهة من الأبناء الذين كتب عليهم أن يكونوا نتيجة لارتباط أبدي، ولكنه ارتباط مذبذب يملؤه القلق وعدم التفاهم في الحياة، وتتساءل إلى من يكون الانتماء لمثلها من التائهين، ولكنها تقرر وتقول إنها فكرة بلهاء قضية الانتماء ، فنحن لا ننتمي إلا لظل أجسادنا التي ترافقنا، ما دمنا أحياء. ???