ثرثرة معلمات مملوءة بالفكر والفلسفة!!

اسم الكتاب: ثرثرة معلمات اسم المؤلفة : منى البليهد الناشر: مكتبة العبيكان طبعة أولى 2001م ?? هذا الكتاب هو مجموعة مقالات كانت المؤلفة سبق ان نشرتها في الصحف المحلية في المملكة العربية السعودية، وقد جمعتها لنا المؤلفة لتقدم للقراء باقة من الوقائع والأحوال في مدارس البنات، وكانت الكاتبة عادلة، فهي ذكرت الحسن والسيئ، ونقلت صورة من داخل المدرسة، ومن بين صفوف التلميذات، ومن بين مقاعد المعلمات في مكاتبهن، ليقرأها الإنسان خارج أسوار المدرسة، ويرى ما بداخلها برسوم جميلة وهادفة ومضحكة في كثير من المقالات. وهذا الكتاب كتاب نقد وتوجيه هادف، بل إنه تقرير عن حال التدريس في بلادنا العربية وكيف يمكن تحسينه، والكاتبة تقدم وجهة نظرها من منطلق التجربة والواقع، فهي تقدم اقتراحات قيمة جدا، ومنها ما ذكرته عن تدريس مادة التعبير، وكيف أن هذه المادة تعتبر مادة كريهة لدى الطالبات بينما كان من المفروض أن تكون المادة المحببة إليهن، وهي تقدم الحلول الجميلة التى يمكن للمدرسين والمدرسات اتباعها. الكاتبة هي معلمة ومربية ومارست التعليم بمراحله المختلفة، لذا فان جل كتاباتها تتميز بالتوجيه التربوي القيم، ونأخذ هذه المقتطفات من كتابها الذي كان عنوانه ثرثرات معلمات، ولكنها ثرثرات بشرية وإنسانية، نجد فيها الحكمة الجادة مع الابتسامة الصارخة، فالكاتبة لديها مقدرة على المزج بين الاثنتين في الموضوع الواحد، ولديها المقدرة في انتزاع الابتسامة من فم القارئ العابس أو الصامت. استفتاء: قدمت الكاتبة موضوعا شيقا وأنسانيا في الوقت نفسه! فجعلت مقالة من مقالاتها الجميلة محاورة بين المعلمات عن ماذا يفعلن بالراتب؟ هل يعطينه للزوج أو يصرفنه على الزوج. -أنا اخذ منه(الزوج) حتى مصروفي اليومي -أنا ما أعلمه كم راتبي الحقيقي .. وإلا كان ينهبني. -حنا ( نتخاشر) سوا -والله إنك مهبولة .. بكرة يسويها ( يتزوج) وتموتين من القهر.. ولكن رأي الكاتبة حسبما تقول: إن هذا يعتمد على نوع الزوج، اصلي .. أو تقليد. إذا كان أصلي، ما فيش مشكلة، وإذا كان تقليد .. فالحذر كل الحذر. وكمربية لها تجاربها مع الأسرة والأمهات بالذات، وهي تقدم لنا عينات من الأمهات اللواتي يسئن إلى بناتهن من حيث لا يدركن! أم توصي ابنتها: -شوفي، أنت الأولى .. وإذا سألك أحد قولي أنا الأولى. تكبر (الأولى) وتمتص جذورها تلك الأكاذيب .. فتغدوا شجرة كبيرة، أصلها منغمر في بحر أسود ينشر أشلاءه في كل مكان. أصبحت ( الأولى) في براعة الأكاذيب والتفنن فيها، واعتبرت هذه القدرة لباقة حديث! الطالبات: وتكتب كثيرا عن طالباتها وقد أخذن الكثير من كتابها الجميل، هن شخصيات مختلفة فيهن الغيورة والغنية، وهناك المنطلقة وهناك المترددة، ومنهن المتفائلة ومنهن الحزينة والمتشائمة، ومنهن صاحبة القصة التالية: تأخرت إحدى الطالبات في إحضار دفتر التعبير ولأكثر من مرة، وبعد أن أوضحت لها ( بالصوت والصورة) أنني تعبت وزهقت من إهمالها، وفاض بي .. ردت بكل هدوء أعصاب: -والله هذا شغلك. طبعا في مثل هذه المواقف، تحصل تغيرات فسيولوجية .. تتسارع ضربات القلب (التي قضت عليها مهنة التعليم) .. وزيادة في هرمون الأدرينالين .. مما تسبب في سلاطة اللسان والجنان. . -لن أعاقبك .. تكفيك حالتك التي أوصلتك إلى نقطة اللاشعور. الوقاحة -وتبلد الإحساس بالموقف. مسكينة .. لا أعلم كيف ستكمل حياتها، بمزيج من كراهية الناس لتصرفاتها اللامبالاة، وتدعيمها بالوقاحة فلسفة معلمة: ولن يخلو كتاب هذه المربية من أفكار فلسفية، وهي متوفرة كثيرا في كتابها الذي يمكن لنا أن نسميه فلسفة في التربية النسوية، وله مفاهيم فلسفية لا تتعارض مع المألوف، ولكنها تقوله بلغة المدرسة العارفة كيف توصل المعلومة إلى التلميذ أو التلميذة. يلقي الكثير أخطاءهم على الحظ وهو بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف، وما الحظ إلا القدر الذي يبتلي الله تعالى الناس به سواء وافق هواهم أو جانبها .. بل قد يكون صاحب الجاه والمال أشد في الابتلاء من الفقير .. لأن الصبر طوعا عن متاع الدنيا ليس كالصبر رغما عنه. والاستكانة للراحة وانتظار الحظ (الذي يفلق الصخر) كلام أجوف مختلط بنفوس استطالت في الوهن .. ولكي نستدعي الحظ بالمفهوم الصحيح فما علينا إلا أن نوغل في العمل وبعزيمة متفانية. تربية وتوجيه من معلمة خبيرة! كمدرسة أمدتنا الكاتبة بتجاربها الثمينة، وهي قد مرت على الأخريات ولكن هذه المعلمة وضعتها كنظرية يمكن لنا ان نستفيد منها، تقول: إن من معالم الطفولة الحركة وعدم السكون، لذا فيجب أن لا نغضب على التلميذ الصغير الكثير الحركة لأنها من طبيعة الصغار. تقول: إن الكراس ليس للمدرسة بل للطالبة، لذا فان تجميله وتجليده يخص الشخص الذي يملكه لا يخص الشخص الذي يراه، المدرسة يجب أن يهمها ما بداخل الكراس لا ما شكل غلافه. تتساءل السؤال التربوي الهام: هل سألنا أطفالنا ما الذي يفكرون فيه؟ وكيف يريدونه؟ هل جلسنا معهم ننظر من زاوية واحدة .. من جهتهم التي يرون بها الأشياء .. بطريقتهم البريئة .. شيء نجتمع عليه معهم .. ليس ضدهم. اعتراض : للكاتبة رأي يحتاج إلى الاهتمام به، فهي ترى أن بعض الطالبات يتم رفع درجاتهن رحمة، أو كما تقول الكاتبة .. مسكينة علشان تنجح .. تخيلوها أختكم. وهي ترى أننا بهذه الفعلة ظلمنا الطالبة و أنفسنا.. فهل نفاجأ إذا كانت طالبة الأمس معلمة ابنة اليوم، وهي لا تفرق بين همزة الوصل والقطع، أو تأخذ الأمور بتساهل كالذي اعتادت عليه، لأننا في يوم اعتبرناها .. اختنا. ونسينا أن الدائرة مغلقة وسترجع لنا طالباتنا مربيات أجيال هن بناتنا، فكأننا نحصد ما زرعناه. ما هي هموم المعلمات وأحلامهن؟ وما هي أحاديثهن مع الصديقات ومع المديرات؟ كيف هي العلاقة بين الطالبات ومعلماتهن؟ كيف يمكن التفاهم مع الطالبات؟ وما هي احتياجاتهن؟ سنجد الإجابة الكاملة عن هذه التساؤلات وغيرها في هذا الكتاب الجميل، الذي أجادت الكاتبة في اختيارها لموضوعاته، فملكت القارئ وأسرته ليس مرغما بل متمتعا ليستمع إلى ثرثرتها كاملة بدون مقاطعة. ولا تزال الدنيا بخير أن يخرج مثل هذا الفكر ومثل هذا القلم من مدارسنا. ???