تجربة متقدمة في البحث عن بنية النص الإسلامي

??اسم الكتاب: لغة الإسلام السياسي. ??اسم المؤلف: برنارد لويس. ترجمة: عبد الكريم محفوض. تقديم د.طيب تيزيني الناشر : دار جفرا للدراسات والتشر ـ طبعة أولى 2001 م ??في تمهيده لكتاب لغة الإسلام السياسي يشير الكاتب برنارد لويس، إلى أن مؤلفه هذا يقوم في قسطه الكبير على محاضرات ألقاها في جامعة شيكاغو عام 1986، وكتبها لأولئك القراء الذين يولون اهتمامهم بالتاريخ والسياسة عموما، لا لأولئك الذين يهتمون بالإسلام والشرق الأوسط فقط وهو ما يظهر في اختيار الكاتب لغة مبسطة وعمومية، تستند إلى السرد التاريخي، في تناوله لموضوعاته، ذاك التناول الذي يشكل تجربة متقدمة في حقل الدراسات الإسلامية، قلما سلك مسلكها باحثون عرب ومستشرقون آخرون، إنها تجربة البحث عن بنية النص الإسلامي وآلياته واحتمالاته ومساراته في لغته كما جاء في تقديم د.طيب تيزيني للكتاب. ولعل الكتاب يتميز أولا بتقديم د. تيزيني، الذي لم يأت احتفاليا كما جرت العادة، بل جاء قراءة نقدية شكلت إضافة حقيقية للكتاب، الذي يتوجه أساسا لقارئ غربي (ذي اهتمامات عامة)، وفي قراءته التي حملت عنوان برنا رد لويس من لغة النص إلى لغة الواقع يأخذ تيزيني على الباحث أنه يمارس تحليله البنيوي بعيدا عن الأسئلة التي تتجه نحو ما يكمن خلف تلك المصطلحات من وضعيات اجتماعية واقتصادية وسوسيوثقافية، بحيث نغدو في نهاية المطاف أمام بنيات لغوية اصطلاحية عاجزة عن التوغل في البنية الفكرية النظرية المؤسسة لها كما يقول د.تيزيني، كاشفا أن لويس ينطلق منهجيا مما يسمى تاريخ الأفكار الذي يؤرخ للأفكار بعيدا عن مرجعياتها، بحيث يكفي نفسه عناء التفسير والتعليل والبحث في المصدرية. والأمر الثاني الذي يثيره تيزيني، ميل الكتاب باتجاه أيديولوجيا المركزية الأوربية التي تصل إلى أن الفكر الإسلامي العربي عاجز عن إحداث تحولات تاريخية في العمق، تتصل بجوهر الأشياء، إنما هو يتوقف عند أفعال لا تتجاوز ظاهر الأشياء، وعلى هذا الطريق نكون أمام التصنيف العرقي التعسفي بين شعوب تاريخية وشعوب لا تاريخية، وبين بنية عقلية منطقية، وبنية سابقة على العقلية المنطقية. رغم ذلك يؤكد تيزيني أن الكتاب يقدم الكثير من النقاط والعناصر الهامة بل الخطيرة، إضافة لتمتعه برهافة تقنية منهجية دقيقة، وإلى اتساع الرؤية التدقيقية للمصطلحات السياسية الإسلامية.. إلا أن د.تيزيني يشير إلى نقطة هامة: النص الذي يقدمه لويس يمكن أن يكون ذا فائدة قصوى، إذا ما نظرنا إليه مفككا ومنتزعا من حشوته الأيديولوجية البنيوية، وإذا ما وضع في سياق العملية التاريخية للفكر السياسي الإسلامي العربي. (ص8) يبدأ لويس كتابه بفصل بعنوان المجاز والتلميح، ينطلق فيه من أن الدين لا يعني للمسلمين ما يعنيه للناس في العالم الغربي، فالسلطتان الروحية والزمنية المنفصلتان في المسيحية، سلطة واحدة في الإسلام، حتى أن اللغة العربية، يقول لويس، واللغات التي تشتق مفرداتها الفكرية والسياسية من العربية، افتقدت إلى كلمات مثنوية مطابقة للزمني والروحي، لغاية القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث وجدت الكلمات المعبرة عن الفكرة الدنيوية، سبيلها للوجود بتأثير من الأفكار والمؤسسات الغربية، لينتقل من ثم إلى اللغة السياسية. ورغم أن الكاتب يعيد جذور اللغة السياسية، كجذور غيرها من المظاهر الإسلامية، إلى القرآن وأحاديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وممارسات أوائل المسلمين، لكنه يرى أن انتشار الدولة الإسلامية الكبير ساهم في دخول تشكيلة مختلفة من التأثيرات عليها، وبحكم مرونة اللغة العربية، فقد استثمرت هذه اللغة الكثير من المفردات الدخيلة، واستعارت من ترجمات العبارات الفارسية واليونانية واللاتينية، ومن ذلك جذور مفردات الشرطة، الديوان، الوزير، المحتسب..، واستطاعت استيعاب الاستعارات الثقافية، وأخرجتها بقالب سياسي جديد صفته الغالبة إسلامية. وحتى بعد انهيار الدولة العباسية، ووقوع منطقة الشرق الأوسط الإسلامية العربية، تحت هيمنة سلالات غير عربية، أقامت علاوة على سيطرتها، نمطا جديدا من الحكم، وجلبت معها مفردات جديدة، فقد توا لفت اللغة العربية مع اللغات الفارسية والتركية لتشكل ثقافة عامة، وثقافة سياسية عامة على نحو خاص.(ص21). ويتوقف الكاتب عند الاستعارات في اللغة السياسية السائدة آنذاك، مثل الاستعارات المستمدة من الأسرة والمنزل والموطن، منها الأخ، والآغا التي تعني الأخ الأكبر، والراعي =الحاكم، والشريعة = الطريق إلى مورد الماء، المرشد= الذي يهدي الناس سواء السبيل، والاستعارات المكانية: الباب العالي، الحاجب. الفصل الثاني من الكتاب يتناول الجماعة السياسية ويبحث في المهمات التي تناط بالحاكم، وفي الشكل الذي تأخذه الوثيقة السياسية التي تعنى بأمور (الأمة)، وصولا إلى البحوث الفقهية، التي تتضمن كلها دون استثناء فصولا عن الحكومة، علاوة على أن بعض الكتاب يكرسون أعمالا بأكملها لهذا الموضوع، فهذه الكتابات من وجهة نظر فقهية، لا تعنى بالتأمل الفلسفي،.. ولا بالناحية العلمية لإدارة شؤون الدولة، بل تعنى بالشريعة الدستورية، فالشريعة الإسلامية تضم مجمل الأنشطة البشرية..(ص51). وبعد استعراض المفردات الدالة على الجماعة السياسية، ينتقل الكاتب إلى الفصل الثالث الذي يفرده للحكام والمحكومين، ويدرس فيه ألقاب الزعامة الإسلامية، وأصولها وتطوراتها وتحولاتها، والتداعيات التي كانت تثيرها في أذهان المسلمين في زمانها هي (ص75)، بدءا من مفردة الخليفة والخلافة، التي امتدت إلى العثمانيين، ثم السلطان التي يقال إن هارون الرشيد أول من استخدمها، حين أطلق هذا اللقب على وزيره(ص87)، وهو ما لم يعتمد رسميا كلقب شخصي إلا لدى السلاجقة، ثم انتهى مع انهيار دولتهم، وبعد لقب سلطان يتطرق الكتاب إلى لقب ملك، والمؤسسة الملكية، وما نشأ بعدها. الفصل الرابع يتعرض لفكرة الحرب والسلم، كما يراها الإسلام، مرورا بالأماكن المقدسة، ومفردات الجهاد، غزوة، مقاتل، ومن ثم السلام وجذوره ودلالاته، وصولا إلى الاتفاقيات والمفاوضات، والتعددية السياسية. ويعرض الكاتب لمفردات مرتد، وضال، وكافر..الخ، كما يراها، وكما يتلمس نشوءها، لينتقل من ثم إلى فصل كتابه الأخير حدود الطاعة. ينطلق لويس من قاعدة أن الحاكم والمحكوم كلاهما مقيدان بفرائض الشريعة المقدسة، فكلاهما مسؤولان مسؤولية مشتركة أمام الله، وأمام بعضهما بعضا في آن، مع الإشارة أن الواجب الأساسي لأفراد الرعية هو واجب الطاعة (ص149)..لكن سلطان الحاكم وطاعة المحكوم كلاهما تحت حكم الشريعة، التي لا يحق للحاكم تبديلها، كما أن الطاعة تشترط أن يكون حكم الحاكم شرعيا وعادلا، وفي هذا السياق يورد الكاتب العديد من المفردات المتعلقة بالطاعة والعصيان، من قبيل: الفتنة، المعصية، الانقلاب، الثورة، الطاغية.. ليصل الكاتب إلى المفردات التي دخلت الحياة السياسية الحديثة، من قبيل الحرية، المستشار، القانون، دستور العمل.. ومرجعياتها القديمة، والحديثة المرتبطة بالتطورات العالمية، والأحداث التي نشرت تأثيراتها على كامل الكرة الأرضية. لغة الإسلام السياسي كتاب غني، لا يمكن قراءته قراءة عجولة، بل لعل د.طيب تيزيني لا يجانب الصواب حين يقول: يتعين على قارئ الكتاب أن يمتلك قدرة التبصر فيه، والتدخل في بنائه، بنحو يجعل منه نصا مثمرا.. تلك المهمة تستدعي القيام بعملية مركبة تنطلق من تقويض البناء الاصطلاحي للنص بمعنى تفكيكه، ومن ثم إعادة تبنيه في ضوء مقتضيات سياق العملية التاريخية للفكر السياسي الإسلامي (العربي).. ???