مجرم رغم أنفه محور رواية غريبان في قطار!

??اسم الكتاب : غريبان في قطار. ??اسم المؤلف : باتريشا هايسميث . الناشر : دار الهلال، روايات الهلال لشهر أغسطس 2000م الرياض - مها عابد ??رواية ( غريبان في قطار) رواية بوليسية إلا أنها لا تخلو من الإبداع الأدبي الرائع، فطريقة تحليل المؤلفة وتصويرها للأفكار التي تدور في رؤوس الأبطال تدل على عمق المعرفة والوعي بالذات الإنسانية. والرواية جميلة ومشوقة جدا تشد القارئ من أول فصل بها، ويقلب الصفحات يتساءل في كل فصل ما الذي سيحدث وعن الأحداث التالية. جاي هينز بطل الرواية، الشخص المثالي والذي يعمل مهندسا ناجحا هو الوجه الأبيض. أما تشارلس أنتوني برونو، فهو الشيطان الذي يتغلغل في أعماق النفس البشرية بكل سهوله ويقودها كما يريد، نقيضان وضدان اجتمعا كالسالب والموجب. التقى هذان الشخصان في قطار واحد، ولكل منهما قصته، فـجاي رجل متزوج من سيدة تدعى ميريام ذاهب إلى مدينة ميتكالف ليتفق على إجراءات الطلاق مع زوجته، المنفصل عنها منذ ثلاث سنوات ذلك بعد اكتشافه لخيانتها. والآخر شاب فيه قسوة وفساد وجنون ويأس، ويحمل كرها عميقا لوالده يخترق كل جسده، لأن والده الثري يطارد السيدات الجميلات، و يمسك كل الإيرادات السنوية في حسابه ولا يعطيه منها إلا القليل جدا. تحادث الاثنان حديثا وديا عن حياتهما ظنا من جاي أن هذا الشاب سيستمع له وينساه بعد مغادرة القطار، وكأنه يجري حوارا مع نفسه ليخلصها من حمل همومها وللأبد. حدثه الآخر بدوره عن ظلم أبيه وحبه للمال، وكم يكرهه، و يؤكد أنه فكر في قتله، بل إن له نظرية في الدافع إلى القتل ويقول : (أي رجل يمكن أن يقتل، إنها مجرد ظروف ولا دخل للطبع فيها. فإن الناس يتمادون حتى نقطة معينه، ويكفي شيء تافه جدا لكي يطفح بهم الكيل .. أي شخص حتى جدتك). في أثناء حديثه قال إنه فكر في أن يقتل والده ألف مرة، ولمعت في باله فكرة، جعلت جاي يشمئز من الحديث : (إنها لفكرة رائعة حقا اسمع! كل منا يقتل لحساب الآخر، هل تفهم ؟ أنا أقتل زوجتك وأنت تقتل أبي. إننا التقينا في القطار، ولا يعلم أحد أننا نعرف بعضنا البعض، ولدى كل منا دليل على أنه بعيد عن مكان الجريمة، ما رأيك ؟) كانت نظريته تعتمد على القتل بدون دافع، ولكن جاي أصيب بغثيان، وبرونو اعتذر له وانتهى الحديث إلى هنا. وانتهت رحلتهما وانصرف كل منهما إلى طريقه، ونسي جاي صاحبه في القطار إلى أن جاءه بعد أسبوع خبر مقتل زوجته ميريام. فوجئ بالخبر وأخذ يتذكر حديث القطار، ويحاول أن يجد كلمة قالها، أو فعلا أتى به وهو غاضب أو منفعل تدل على موافقته على خطة برونو. وهل هو الذي فعلها ؟ وهل ألقي القبض عليه؟ وهل سيعترف؟ وماذا لو اعترف؟ إنه لم يتفق معه على شيء. واعتقد أن خياله ابتعد به كثيرا واقتنع أن عشيقها هو الذي قتلها. إلى أن وصلته بعد أيام قليلة هذه الرسالة : (أرجو أن لا يثير هذا الخطاب قلقك، سبق أن كتبت لك الكثير من الخطابات ولم أرسلها إليك، واتصلت بأمك تلفونيا لكي أعرف عنوانك ولكنها لم تشأ أن تذكره لي. وصراحة يا جاي ليس هناك أي سبب يدعوك للقلق وإلا ما كتبت إليك، وأنت تعرف تماما أنني أول من يتوخى الحذر، أكتب إلي حالا، فربما أرحل إلى هاييتي قريبا). صديقك الدائم والمعجب الوفي بك ش .أ.برونو . إذن كان برونو، أذهلته الفكرة بعنف لا يمكن إلا لمجنون أن يفعل هذا، لابد أنه يشعر بالزهو الآن لارتكابه الجريمة الكاملة. وقرر أن يسلمه للبوليس لو حاول أن يورطه، نعم قرر أن يواجهه ولكن الأخير لم يأبه لقوله وتهديداته، ويتقابل الاثنان ويدور هذا الحوار بينهما: ماذا تريد يا برونو؟ قال برونو في هدوء: أنت تعرف ما أريد، إننا تحدثنا في ذلك في القطار .. تبادل الضحيتين .. سوف تقتل أبي. كشر جاي في ازدراء. كان يعرف ذلك قبل أن ينطق به برونو. كان يشك في ذلك منذ موت ميريام. وحدق بعينيه في عيني برونو الثابتتين والحزينتين وقد افتتن بجنونه البارد.. فضول يشوبه الخوف. قلت لك إنني أستطيع تدبر كل شيء. ابتسم برونو ابتسامة جانبية ممزوجة بالطرب والارتباك في نفس الوقت وأصر قائلا: هل تعرف ما سوف أفعل إذا رفضت؟ سأضع البوليس في أعقابك بكل بساطه. وأخذ يطارده فمرة ينتظره خارج المكتب على الرصيف ومره يغيب، وتكثر رسائله التي أورد فيها طرقا كثيرة لارتكاب الجريمة. كان بذلك يمارس ضغوطا نفسية عليه، بعده بدأ بالتهديد بإبلاغ حنة وهي خطيبة جاي. ثم يعود ليخبره بأنه يحبه وأنه لم يرتكب هو الجريمة إلا لسعادته وكأنه بذلك يبتزه عاطفيا. إنها قصة رائعة وخاتمة لا يتوقعها القارئ، فالكاتبة تعطي للقارئ خيوطا كثيرة وطرقا عديدة يتوقع أن تنتهي بها هذه الرواية، ولكنها لا تنتهي كما يتوقع. موضوع الرواية ليس بجديد، بل إن رائعة الكاتب الروسي ديستوفسكي (الجريمة والعقاب)، تدور حول نفس الفكرة، لأن المجرم فيها هو إنسان عادي تضطره الظروف لارتكاب جريمة وهو ليس بمحترف، ومن الممكن للظروف أن تهيئ للإنسان أن يصبح مجرما دون مقدمات. الخيال ليس له حدود، وهذه الرواية، من نسج الخيال، ولكن الشيء المؤكد أن هذه الرواية لا تنقصها الحبكة الفنية، بل ترتفع فيها الميلودراما النفسية والقدرة التصويرية، حتى ليجد القارئ أن الصور تتجسد في مخيلته، فهي جاهزة كسيناريو لفيلم سينمائي، لذلك لم يتردد المخرج هيتشكوك إلى تحويل هذه الرواية إلى فيلم. وأن موضوع الرواية تم اقتباسه لأكثر من مرة في السينما المصرية. تعريف بالمؤلفة : باتريشا هايسميث عاشت (1921 1996م) روائية أمريكية الأصل، اشتهرت بكاتبة الروايات البوليسية، مثل ريبلي يتسلى ويوميات اديث والقاتل. معظم رواياتها تحولت إلى أفلام سينمائية . ???