سحر الجوائز لم يستفد منه الناشرون العرب!!

??النشر العربي يفتقد إلى الإثارة وإلى التحفيز على متابعة أنشطته، وجعلها من اهتمامات المواطن العادي، والناشرون العرب لا يسعون لأن تكون أخبارهم مساوية أو موازية أو متوفرة للمواطن العادي كأخبار الفن والفنانين ومهرجاناته العديدة، ولا نسمع عن أخبار النشر في أي نشرة أخبار إلا في حالات نادرة جدا. ويحرمنا الناشرون العرب ( نحن القراء) من متعة الترقب والحماس التي يتمتع بها محبو الرياضة وعشاقها، فهناك مهرجانات تعقد لأجراء القرعة بين الفرق، وتسبقها بأسابيع لحظات الانتظار وإعلان النتائج وما فيها من تشويق، وهناك احتفالات تصاحب الألعاب والأحداث الرياضية العادية. إنه الإعلام سيد الترويج، الذي تفتقده دور النشر العربية، ولا تستغل سحره المؤثر في الحصول على الجوائز وتوزيعها، فالجوائز المخصصة للكتب قليلة جدا وغير فعالة، بل لا يعلم عنها إلا المتخصصون والمتابعون، وكأن هذه الجوائز أمر ثانوي، أو نوع من الرفاهية التى لا تستحق الاهتمام. على الرغم من أنها وسيلة هامة جدا عند الناشرين في الغرب، فحالما يفوز كتاب بإحدى الجوائز المخصصة فإنه يصبح من اليوم التالي من أحسن المبيعات وأكثر الكتب رواجا، وقلة نادرة جدا من الكتب التي تحصلت على جوائز لم ينل أصحابها الشهرة والمال، حيث يستغل الناشر السعيد هذه المنحة السماوية ويجعل منها موردا دائما ومفخرة لداره. واتحاد الناشرين في الغرب وفي الولايات المتحدة يقدمون العديد من الجوائز لكل فرع من فروع المعرفة ولكل تفريعة من هذه الفروع، فهناك جوائز للقصة القصيرة وجوائز للروايات بأنواعها، ويوجد جوائز للروايات التاريخية، وجوائز لروايات الجرائم، وجوائز لقصص الخيال العلمي، وجوائز لقصص الأطفال، وجوائز للكتاب الناشئين، وجوائز للتأليف الأول، وجوائز للكتب المترجمة، وهكذا تتوالى الجوائز، وتتنوع لما للجوائز من فوائد عديدة ومفيدة للجميع. و يعلن عن الجوائز في كل حقل أو فرع من فروع المعرفة أو الإبداع في موعد سنوي، بتاريخ معروف ومعلن، يتم الإعداد لها وإخراجها بإعلانات مكثفة ويتخذ كمناسبة كبيرة لترويج النشر والكتب والكلمة المطبوعة، وتسبق إعلان النتائج أيضا التنبؤات الخاصة بكل فرع زيادة في التشويق والمتابعة. وقيمة الجائزة ليست في مبلغها النقدي، فهي جائزة رمزية ومعنوية، وعادة يرصد للجائزة مبلغ متواضع، فليست الجائزة هي مكافأة للكاتب أو المبدع بل إنها تقدير معنوي، لذا فان المال لا يأتيه من حصوله على الجائزة مباشرة بل مما تمنحه الجائزة له من شهرة وانتشار. كيف يتم الاختيار بين مئات العناوين؟ يتم اختيار الكتب للترشيح للجائزة بأسلوبين مختلفين، فهناك في الولايات المتحدة الأمريكية لجان غير معروفة، ولا يعلن عن أفرادها، يتم منها ترشيح الكتب للجوائز، وأما في أوروبا فهي لجان معروفة، تطلع على الكتب الجديدة في كل الحقول ثم تعلن عن قائمة مرشحة للفوز، ومن هذه القائمة يتم اختيار الفائز، لذا تجد أن هناك محاولات شرسة من الناشرين فى دفع كتبهم للمقدمة، والكتابة عنها ونشرها، لكي تجعل من ذلك ضغطا على لجنة الحكام في اختيار مطبوعاتها ومنشوراتها، ولا يحدث ذلك في الولايات المتحدة حيث لا يعلم أحد بعدد أفراد لجان التحكيم، فلا يعلم الناشرون بما يدور خلف الكواليس إلا عند الإعلان. لذا فإن إعلان النتائج في كل من أوروبا وأمريكا ينتظره الجميع: فالناشرون يرون في الجائزة هدية من السماء تمنحهم الغنى والشهرة. والمؤلفون يرونها فيها شهادة إبداع لهم تدخلهم سجل الخالدين وتعطيهم شهرة في مجال تأليفهم وتجعلهم بين ليلة وضحاها من المشهورين المرموقين اجتماعيا وفكريا. والجوائز تثري الفكر بالمناقشات التي تصاحب ظهور الجوائز، ونوعية الاختيارات، وما يطرح حول حيثيات اختيار ذلك الموضوع أو ذلك الكاتب، والمناقشات عادة يشترك فيها النخبة من أصحاب الاختصاص لذلك الحقل المعرفي، الذين يطرحون الرؤية أو الأفكار التي قدمها المؤلف في كتابه أو كتاباته، وما يتبع ذلك من نقد للنقد. والجائزة أفضل ناصح للقارئ الذي يجد تزكية جاهزة لكتاب، وتعريف بكاتب، يغنيه عن التساؤل والتخبط، الذي يصاحب كل محاولة من القارئ الجاد في بحثه عن الجيد والجديد، فهذه الجوائز تعطي القارئ الشجاعة التامة والتشجيع على قراءة هذا الجديد والجيد أيضا. دور الناشر! الاستفادة من الجائزة وتحويلها إلى كنز يعتمد على الناشر فقط، وليس المؤلف، فالمؤلف على الرغم من أنه صاحب الإبداع الذي نال الجائزة إلا أن الشهرة والانتشار والتعريف به وبأعماله التي تنال الجوائز لا تتم إلا بالناشر النشيط، الذي يستغل هذه الفرصة ويرى أن لديه حكما من محكمة مشهود بنزاهتها وخبرتها أيضا، تقول للقراء خذوا هذا الكتاب واقرؤوه، فهو يستحق القراءة. الناشر المحظوظ الذي تفوز إحدى منشوراته بجائزة يسهل عليه ترويج الكتاب، ويستغل نظريات علم النفس التي تقدم له نظريتين هامتين تخدمانه في تقديم بضاعته: الأولى هي أن الكثير من الناس يحبون أن يقتنوا أو يشاهدوا أو يقرؤوا ما فضل على البقية، وامتاز عن غيره، وخاصة إذا كان هذا التفضيل صادرا من جهة تعتبر مرجعا في ذلك الحقل أو في ذلك المجال، فعندما يعلن عن فوز الرواية (+++) بجائزة الدولة أو بجائزة نجيب محفوظ أو بجائزة نادي الرياض أو جدة، فهذا يعني مرور هذه الرواية على أهل الاختصاص، ونالت منهم الإعجاب والشهادة بذلك. فإن الناشر يبيع هذه الرواية لأنها تحمل وثيقة وشهادة تضعها في خانة المقتنيات النادرة. الأمر الثاني الذي يستفيد منه الناشر بحصول كتاب على جائزة ما، سهولة إقناع القارئ باقتناء هذا الكتاب وسهولة تصريف أعداد كبيرة منه، لأن القارئ لا يستطيع أن يطلع على كل ما يصدر من كتب ولا يعلم عن محتوياتها وما فيها من مادة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يطبع ما يزيد عن120 ألف عنوان سنويا أو ما يعادل 14 كتابا كل ساعة، وفي فرنسا تخرج المطابع كتابا واحدا كل ربع ساعة، مما يجعل الأمر صعبا على القراء ليختاروا من هذه الآلاف من العناوين ما يعجبهم، فإن الجوائز تعين القارئ وتوجهه. والناشرون في الغرب يتمنون فوز كاتب مغمور ممن ينشرون لهم لأن فوز المغمور يصاحبه عادة مبيعات هائلة لأن القراء يبحثون عن الفكر الجديد والأقلام الجديدة فهي التي يجب التعرف عليها، خاصة إذا فاز الكتاب بجائزة قيمة، فهذا معناه عند القارئ أن هذا الكتاب وهذا الكاتب لديه الجديد الذي نال به الجائزة. وعندما يفوز كاتب قديم ومشهور بجائزة فإن القراء يعلمون عنه سابقا فيجد الناشر أن الجائزة أقل تأثيرا. ويفتقد النشر العربي إلى الجوائز، فهي جوائز محدودة جدا، وكان بالإمكان نشر الكتاب والإعلان عنه بوسيلة الإعلان عن الجوائز ونقلها حية على التلفزيون، وكان من الواجب على اتحاد الناشرين العرب أن يعمل على وضع جوائز عديدة ومتنوعة، وأن يصاحب هذه الجوائز صخب إعلامي مما يجعلها مناسبة ينتظرها الجميع، وتكون احتفالات فكرية سنوية لكل فئة ونوع من التأليف. ???