شرقي يحاور الفكر الغربي في حكاية حب

?? اسم الكتاب : قصة حب ??اسم المؤلف: غازي عبد الرحمن القصيبي الناشر : دار الساقي للنشر 2001م ??رواية جديدة يكتبها لنا الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي الذي مد المكتبة العربية بالعديد من الروايات الشيقة، وكان آخرها كتابه أبو شلاخ الذي يتميز بالأسلوب الساخر، وينتقل بنا هنا في هذه الرواية إلى العقلانية والجد والدراما في الحياة في آخر مشوارها، إنها قصة حب غير عادية. ولكن ما هو الجديد في هذه القصة ؟ يقول أحد إبطال رواية قصة حب : آه قصة مألوفة، تجربة تتكرر كل يوم. لكنها لا تفقد جدتها. ما يهم في الأدب هو طريقة المعالجة. المواضيع في العادة، هي المواضيع ذاتها. من هذه الجملة تنطلق فكرة المؤلف في الرواية، وهي أن الموضوع ليس بجديد، ولكن هناك رؤية جديدة في هذا الحب الذي سجله أديب وشاعر عربي كتب العديد من كتب الأدب والشعر وكتب في الإدارة أيضا. أي إننا أمام عقلية تجمع بين الفكر العملي و الفكر الأدبي في الوقت نفسه، لذا كانت الرؤية تحمل واقعية الحب، والنظر إليه على أساس أنه جزء من مكونات الحياة البشرية، ولا يمنع الحب مرض ولا كبر. شخصية بطل الرواية يعقوب عريان ثري عربي يحمل الشهادات العليا وكان يعمل محاميا في أول حياته، واشتغل في التدريس الجامعي، ويكتب الروايات الجميلة للتسلية، لا للاحتراف. ينتهي به الأمر في مشفى قرب لندن للعلاج من مرض يعلم أنه مرض الموت، لأن هذا المشفى هو لمثل حالاته الصعبة، ونزلاؤه يأخذون دورهم فيه للرحيل الأبدي، وفي هذا المستشفى يتعرف ويتقابل مع مجموعة من الشخصيات. الرواية تحمل وجهة نظر وفلسفة شرقية وغربية و نقطة نقاش بينهما ونقطة التقاء في نفس الوقت، فهذا البطل العربي هو شرقي في كل المواصفات التى تجعل منه شرقي من تاريخ وتنشئة ولغة، وثري بالمال وبالفكر والثقافة أيضا، ينتقل الى بيئة جميع عناصرها هي الفكر الغربي فهناك القسيس جورج الذي يحاور ويجادل ويقدم وجهة نظر المقدس، وهناك الطبيبة النفسية هيلاري لنعرف منها ما هو التفكير العقلي، وهناك البروفيسور ميدلاند الذي يقدم لنا العلم ونأخذ رأيه على أنه يمثل العلم والمعرفة، فكل من حواليه هم أرباب الفكر الغربي، هذا الرجل الشرقي يطرح أسئلة هامة وصاعقة على زملائه نزلاء هذا المصح أو المحطة الأخيرة في الحياة لهم جميعا. وفي هذه المرحلة البرزخية التي يعيشها البطل في انتظار الموت تعود له ذكريات حياته السعيدة مع حبيبة العمر التي تعرف عليها في محلها في الفندق الذي تعمل فيه، وتعرف عليها لأنها كانت تقرأ إحدى مؤلفاته، ومن هذا اللقاء نشأت علاقة حميمة تولد عنها حب ملك فؤاده .. أعادت له هذه المرأة حياة السعادة التي فقدها .. وينتج هذا الحب طفلة، يظل الشك يراود هذا الحبيب، فالحبيبة تنسب هذه الطفلة إليه، وهو يشك في هذا الأمر، ويحاول أن يقطع الشك باليقين، ويطلب إجراء فحوص على دم البنت ليعرف هل هي تنتسب إليه فعلا؟ هذه الشك جزء من روعة الرواية، فإننا هنا أمام حبيبين جمعتهما ظروف حب طبيعي، يعرفانه حق المعرفة لأن لكل منهما تجاربه الفاشلة في الزواج والحب. فهنا نحن أمام قلبين حب كل منهما الآخر. ولكن هل هناك مجال للشك في الحبيب وما يقوله؟ وتصله نتيجة الفحص، وهنا يراجع نفسه، ويجعلنا الكاتب نتجول في فكر هذا الرجل في تلك اللحظات! هل يفتح الظرف ويعرف ما إذا كان هناك خداع من هذه المرأة ؟ أم يترك الأمر مجهولا ويعيش على الظاهر الذي قيل له وأسعده أيضا ؟ بعد تفكير عميق وتردد وحيرة !! اختار أن يقذف بنتيجة الفحص في النار، لأن الانكسار الذي سيصيبه أكبر من جمال الحقيقة لو عرفها. فهو سعيد بواقعة الحب والطفلة، والحياة مع هذه الحبيبة! وماذا تفيد معرفة نتيجة الفحص، ستأخذ منه الحب والحبيب، لو اكتشف أن الطفلة لم تكن ابنته، إنه سيكتشف خداعا، ولكن هذا الخداع خداع الحبيب، إنه سيفقد هذا الحبيب. وهذا هو الأمر الصعب. وهنا يطرق الكاتب على وتر إنساني هام في حياتنا! وهي أن الحقيقة قد تكون مؤلمة، وقد تكون المنغص الكبير على الحياة. وأخيرا ينتصر الحب، وتبقى المرأة هي الحبيبة، وتكون هذه الطفلة هي اهتمامه الأخير في حياته التي أصبحت تتسارع للانتهاء. اختار المؤلف أوضاعا وظروفا أوجدها في الرواية، ليناقش المعايير الأخلاقية السائدة ويقدمها بقصة الحب غير العادية هذه، فهو يطرح في هذه الرواية أفكارا أخلاقية ويقدم نظرات دينية عميقة، ويناقش مشاعر الضمير مكشوفا للقارئ ليكتشف فيه جزءا من السرائر الإنسانية، التي كان من الصعب الحديث فيها مباشرة، ولكن من خلال الحوارات يمكن أن تصل الرسالة إلى القارئ. الرواية مملوءة بالإسقاطات والتورية والرمزية التي يجيدها الكاتب، فاسم البطل، وهو يعقوب العريان تحمل مغزى خاصا بكلمة عريان وهو الإنسان المكشوف الواضح. وقدم لنا حبيبته باسم روضة الحبيبة الغامضة والتي تعرف عليها عندما كانت تقرأ كتاب روايته التي أسماها النوم في السراب. فالنوم غياب العقل والسراب هو الوهم والحقيقة الكاذبة. وعلى القارئ أن يفهم الرسالة حسب هواه. ???