تركيا لا تزال رجل أوروبا المريض

??اسم الكتاب : تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد ?? اسم المؤلف : هاينتس كرامر ?? تعريب : فاضل جتكر ?? الناشر : مكتبة العبيكان الرياض طبعة أولى 2001م ??كانت تركيا، الإمبراطورية العثمانية ومركز الخلافة الإسلامية توصف في أوائل القرن الماضي بأنها رجل أوروبا المريض، وقد أجريت عملية كبيرة لهذا الرجل المريض، وقطعت أطرافه جميعها ولم يبق سوى الرأس، وهو الباقي حيا إلى الآن ولكنه المخلوق المشوه، الذي ينتسب إلى الشرق تاريخا وجغرافية ولكنه يطلب الانتساب والبقاء مع الحبيب الأوربي الذي يرفضه. هذا الكتاب وضعه هاينتس كرامر وهو أحد كبار محللي صندوق العلوم والسياسة المرموق في ألمانيا، برلين، وهو الخبير بالشئون التركية، يضع تركيا تحت المجهر في هذا الكتاب المفصل، والذي يحتوي على أربعة عشر فصلا كلها عن القضايا والمشاكل والواقع التركي، فلتركيا موقع جغرافي خاص، وأوضاع اقتصادية واجتماعية خاصة أيضا، تجعلها دائما أحد الإطراف أو شريكا في كثير من أحداث التاريخ الحديث في الشرق الأوسط، أو في حوض البحر الأبيض المتوسط. ان موقع تركيا جعلها جزءا من الشرق الأوسط بأحداثه الساخنة، مما جعلها طرفا فيه وفي مشاكله المزمنة من القضية الفلسطينية وإسرائيل، إلى مشكلة العراق، وهو جار لها وبينهما صداقات في أزمان وحروب في أزمان أخرى، ولديها مشكلة قومية عرقية يتبناها الأكراد في رغبتهم في الانفصال عن تركيا وتكوين دولة مستقلة لهم مما جعلها ترتبط بعلاقات مشدودة مع جاريها العراق وإيران اللذين يؤيدان الأكراد في انفصالهم. وهناك أهمية أخرى لموقع تركيا الجغرافي الذي يربط بين أوروبا وآسيا وتملك وتشرف على ممرات مائية هامة لروسيا، وهما مضيقا الدردنيل والبسفور، جعلتها خط الدفاع الأول وخط الهجوم الأول للحلفاء الغربيين الذين احتضنوا الدولة التركية النامية لغرض رئيسي وهام وهو أن تكون قاعدتهم القريبة والملاصقة لروسيا الشيوعية (سابقا). وبقيت أهمية تركيا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحلله، حيث قامت دول جديدة شرق وشمال تركيا تجمع بين هذه الشعوب قوميات ولغات تشترك فيها تركيا معهم، مما أعطى تركيا ثقلا جديدا لها عند حلفائها الغربيين، الذين لا تربطهم بتركيا سوى مصالح سياسية، وليست قومية أو أيديولوجية.. في هذا الكتاب نجد ان المؤلف يوزع اهتمامه فى الوضع التركي بين التحديات الداخلية ويجعلها في قسم منفصل ومفصل بشروحات كثيرة، والقسم الثاني من الكتاب يجعله للبيئة الخارجية لتركيا وارتباطاتها الخارجية العالمية. الجبهة الداخلية في تركيا في الفصل الرابع الذي حمل عنوان خرافة التجانس القومي جعله المؤلف خاصا بمشكلة الأكراد، وهي إحدى المشاكل المستعصية على الحل في تركيا، ويتطرق لها المؤلف بتوسع كبير ويتابع تاريخ الأكراد وحركاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويوضح فهمه للقضية التركية بقوله ان جزءا كبير ا من السكان (نحو عشرة ملايين نسمة) يعتبرون أنفسهم أكرادا، وقد أصبحوا يزيدون من المطالبة بالاعتراف بحقهم في التعبير عن هويتهم وفي الوقت نفسه بات واضحا أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء الناس ليست عازمة على تقسيم تركيا .. فالمطلوب هو الحصول على اعتراف الدولة بهويتها وامتلاك القدرة على التعبير عن هذه الهوية داخل حدود تلك الدولة. وأما عن الشق الثاني للمشاكل الداخلية التى تعصف بتركيا فهي قضية الصحوة الإسلامية، ويقول المؤلف في الفصل الخامس وهو بعنوان انتعاش الإسلام السياسي : أحدث وصول حزب الرفاه وزعيمه نجم الدين أربكان إلى السلطة في شهر يونيو 1996م موجة من الصدمات هزت المؤسسة التركية وحلفاءها الغربيين شكل صعود حزب الرفاه إلى السلطة المؤشر الأبرز الدال على انبعاث الإسلام السياسي في تركيا وصحوته اللذين تما منذ أواسط الثمانينات. غير أن الإسلام السياسي بحد ذاته، ليس، على أي حال، ظاهرة جديدة بالنسبة إلى تركيا الجمهورية، على الرغم من أن الدولة كانت تأسست في تناقض صارخ مع الماضي العثماني، الذي كان يتسم بوجود تأثيرات دينية قوية على كل من السياسة والمجتمع. فالعواطف والكيانات الدينية ظلت فعالة سياسيا على الدوام تحت السطح العلماني الخارجي للجمهورية. ويرى المؤلف أن مستقبل تركيا لتكون أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي غير وارد حاليا، لوجود تناقضات كبيرة بخصوص قبولها عضوا في هذا الاتحاد، فهناك اليونان التي لها حق النقض في هذا الاتحاد وهي لا تزال تنظر إلى تركيا كعدو طالما لم تحل مشكلة قبرص، كما أن المشكلة الكردية وغياب الديمقراطية، ومشاكلها الصعبة مع جيرانها العرب بالمياه والحدود تجعل قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي أمرا صعبا، وعلى تركيا أن تضحي بالكثير من مواقفها الصلبة تجاه بعض القضايا. كتاب شامل عن تاريخ تركيا الحديث وهو مرجع لكل الاطروحات التركية والكردية وعلاقات تركيا مع العرب وإسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكلها عناصر هامة ومؤثرة في السياسة الخارجية والداخلية لتركيا.