حب الوطن لا يموت بالغربة

??اسم الكتاب: الحب في المنفى (رواية ) ??اسم المؤلف : بهاء طاهر. الناشر : دار الهلال أبريل 2001م . الرياض مها عابد ??هذه الرواية كما يقول المؤلف في خاتمتها، أساسها الخيال، ولكن هناك مع ذلك أشياء حقيقية. إنها رواية جميلة كتبها أديب مبدع وحصلت هذه الرواية على جائزة أحسن رواية وطبعت للمرة الثالثة عام 2001م، ونادرا ما نجد رواية تأخذ هذا الاهتمام والقبول عند القراء. كتبها الروائي المصري بهاء طاهر، وسجل فيها الوقائع الكبيرة التي عاشها ويعيشها العالم العربي فى هذا الزمان . بطل الرواية صحفي ثوري، مقتنع جدا بالثورة المصرية، ونجح كثيرا في عمله الصحفي، وأصبح مستشارا كبيرا له مكانته وله كلمته، تزوج من زميلته منار التى تعمل في الصحافة أيضا بعد قصة حب قوية، وأثمر هذا الزواج أبناء يعيشون عيشة هانئة مع والديهم، ولكن كل هذه الحياة الجميلة لم تعمر طويلا، ويأتي الطلاق نهاية لحب قوي وجارف، ولا يعرف لماذا ؟ وما هو السبب؟. الكاتب هنا يرمز إلى الحياة في مصر، ومنار هي مصر في هذه الرواية، فهو يقول عن منار: إنها تغيرت بعد الانفتاح، بعد أن كانت ذات مبادئ،. المال لم يكن الشيء المهم في حياتها، ولكنها أصبحت انتهازية، فيما بعد وبدأت كما يروي الكاتب ( مشاريعها الخاصة، حيث بدأت تدخر لحسابها الخاص وتشتري الفضة من خان الخليلي ثم تعيد بيعها عندما ترتفع الأسعار. وقالت لي ذات يوم بطريقة عابرة إنها اشترت (ربع تاكسي)، وكانت تلك أول مرة أعرف فيها أن الإنسان يمكن أن يشتري كسور التاكسي، وذلك قبل أن يصبح التاكسي كله ملك لها، وقبل أن تشتري من النقابة بالتقسيط قطعة من الأراضي التي أعلنوا عنها في الغردقة وقطعة أخرى في الهرم ). بعد ذلك تغيرت الأحوال، وأصبحت الحياة في بلده صعبة جدا بعد طلاقه، وبعد تجوال وجد فرصة للعمل في أوروبا كمراسل صحفي، فانتقل للعيش هناك لعله يجد فيه ما يعوضه عما فقده في بلده، ويعيش في الجو العربي فى أوروبا مع المنفيين والسياسيين والمهاجرين العرب، يعيش معهم أحلامهم وآمالهم ومخاوفهم، يعيش معهم ولكنه يعيش عيشة القلق، وكمراسل صحفي كانت أخبار العالم العربي هي محور عمله، يعيش منها ويعيش فيها، يصف الحالة في لبنان كما يراها في الصحف الغربية والتلفزيون الغربي، ويجد نفسه مرة أخرى في معمعة الهموم العربية وهو بعيد عنها ( لاشيء غير الدبابات والقنابل تطير وتدك، والطائرات تقصف وجنود إسرائيل الأصحاء يبتسمون على الشاشة وهم يرفعون رشاشاتهم بعلامات النصر، وفي المخيمات يجري الأطفال عرايا والأمهات بالشباشب البلاستيك وهن يلطمن وجوهن وسط أكواخ انزلقت أسقفها على جدرانها لتصنع أكواما مهووشة من التراب والطوب وأسياخ الحديد الملتوية وسط دخان أسود ودخان أبيض. ينتهي به الأمر في غرفة في صالة من طابق مخصص لحالات القلب والأوعية الدموية، ليمنع من متابعة الأخبار . في خضم هذا اليأس الذي كان يغمر حياته في غربته، وشعوره أنه فقد وهج الحياة في خريف عمره، وفقد ثمرة زواجه ابنيه اللذين قررا العيش مع والدتهما، كل هذا جعله بعد التقائه بـجولييت الحسناء النمساوية والتي تعمل مرشدة سياحية يتمسك بها وكأنها ترمز لحلمه الضائع، بشبابها وروحها رغم فارق السن بينهما. ويتضح نشوء علاقة حب بينهما وتطورها دون إدراكه أو وعيه لما يحدث، يقول الكاتب: (ولكي أطمئن نفسي أن هذا الذي يحدث بيننا ليس هو الحب، كنت أردد في داخلي أشياء كثيرة ....إن ما يجمعنا حبنا للشعر في وقت لم يعد فيه للشعر مكان، إنني في وحدتي البعيدة أتخذها بديلا عن أولادي ... ... كان يجد فيها منفسا له من حياته المضطربة، يقابلها كما يقول بطل الرواية ليتدفق شلال الثرثرة اليومية وهي تنصت وأنا خائف أن أصمت، وأظن أيضا أني كنت أخاف أن تسأمني فظللت أسليها كطفلة بالحكايات، ولم أكن أعرف قبلها أني أستطيع أن أتكلم كل هذا الوقت، أو أن عندي مثل هذا الرصيد من الذكريات ). انتهى عمله كمراسل وضاع كل شيء، وأصبح المستشار الذي لا يستشيره أحد. وهاهو الآن بعيد .. بعيد عن كل شيء، حلمه ضاع بيته وأولاده وعمله، لم يبق شيء سوى هذه الصغيرة التي ستعيد انتعاش الأمل في حياته الرتيبة والتي أصبحت بلا معنى. ولكن هل يستمر هذا الحب؟ هناك قدر مخبأ لكليهما، لا نريد أن نفصح عن النهاية لتبقى الرواية مشوقة لقارئها كما كانت لي. رواية رائعة تحمل الكثير من فلسفة الحياة وتغير الحياة وعدم الأمان لها، وكأنها سنة الحياة هو أن لا نفهم الحياة : ( أريد أن أفهم، من أكثر من خمسين سنه أحاول أن أفهم، حاول الطفل وحاول الرجل ورجع الطفل ومات الرجل وكله دون فائدة .. مائة سنه لا تكفي. حقيقة عمر كامل نحياه ولا نستطيع أن نفهم الحكمة والحقيقة. الأمور تختلط رغباتنا ومبادئنا علاقتنا بالآخرين وذاتنا والأهداف والسبل). تعريف بالكاتب: بهاء طاهر كاتب مصري حاصل على ليسانس التاريخ (كلية الآداب ـ جامعة القاهرة ) ودبلوم دراسات عليا في التاريخ الحديث والإعلام. كاتب يكتب القصص القصيرة والرواية من أهم أعماله شرق النخيل بالأمس حلمت بك قالت ضحى و خالتي صفية . له دراسات في الأدب والفكر وتعتبر روايته هذه الحب في المنفى من أجمل أعماله التي كتبها. ???