معاناته المرض والمنفى يمنحانه جائزة نوبل في رحلته إلى جبل الروح

?? الكتاب: جبل الروح Soul Mountain ?? المؤلف: غاو زنغجين(Gao xingjian) الناشر : هاربر كولنز Harper Collins الطبعة : في أكثر من 500 صفحة. ??لم يكن الكاتب الصيني غاوز نغجين المحسوب على النظام الشيوعي يدري أن كتاباته المسرحية ستغضب السلطة الشيوعية عليه فيؤدي ذلك إلى إصدار حكم عليه بالنفي لمنطقة نائية في الصين ومنعه الكتابة!! بينما مرضه بالسرطان و امتطاؤه ظهور البغال والحمير في رحلة قام بها بين غابات وبراري الصين سجلها في كتابه (جبل الروح) سيمنحانه جائزة نوبل لعام 2000م!! بيد أن المؤلف الذي امتدحته الأكاديمية السويدية وامتدحت كتاباته الأدبية وقالت عن كتابه السابق إنه نموذج رائع متفرد فى نوعه وليس له مثيل، كان يعلم أن الرحلة التي قام بها البطل في الرواية إلى نفسه والتي أبدع فيها في تجواله بين الخيال وحقيقة الحياة وبين الخيال والذاكرة من تأليفه لهذا الكتاب أنها قصة معاناته. كان المؤلف أحد كتاب الصين الذين بلغوا شهرة كبيرة في الصين وخارجها، خصوصا بكتاباته وأغلبها مسرحيات كانت تمثل على المسارح في الصين مثل مسرحية محطة الأتوبيس ومسرحية رجل البراري ومسرحية الإشارة الكاملة. أثارت كتاباته المسرحية جدلا كبيرا في الصين، مما أدى إلى غضب السلطة الشيوعية عليه، فنفته إلى منطقة نائية ومنعته من الكتابة، لكن الكاتب الصيني- بعد النفي ومنعه من الكتابة- صار يكتب سرا، وكان يعلم أنه تحت المراقبة الدائمة، وأحرق صناديق من مسودات كتاباته خوفا من الوشاية عليه، ويقول في مقابلة معه بعد حصوله على الجائزة إنه كان يخفي كتاباته عن الكل حتى عن أهله، فالنظام الشيوعي جعلهم مجتمعا كله عيون بعضهم على بعض. والمؤلف هاجر الى فرنسا في عام 1987م بحكم معرفته باللغة الفرنسية، فقد درسها فى الصين أيام دراسته الجامعية، وبعد مجزرة ميدان بكين فى عام 1989م التي راح ضحيتها عشرات من الطلاب المطالبين بإصلاحات سياسية، ومزيد من الحرية الفردية، أعلن انسحابه من الحزب الشيوعي، فردت عليه الحكومة الصينية وأعلنت انه رجل غير مرغوب فيه، وطلب اللجوء إلى فرنسا، وقبلت لجوءه على أساس عداء الحكومة الصينية له، ومزاولاتها غير الإنسانية تجاهه. ومنح الجنسية الفرنسية وبدأ يؤلف باللغة الفرنسية والصينية وهو في فرنسا، ولكن أعماله لم تعرف فى الغرب على الرغم من كتاباته الرائعة وسهولة اللغة التى يتعامل بها، وكتاباته المملوءة بالأحاسيس الإنسانية التى أبدع فى تصويرها من سخرية أو مآس أو أمراض أو اجتماعيات . وللمؤلف كتب أخرى شهيرة غير المسرحيات، منها كتابه المسمى الشاطئ الذي ألفه عام 1986م وكتاب بين الحياة والموت ألفه عام 1991م، ومن مؤلفاته أيضا الادعاء والبينة وكتاب متجول الليل وغيرها. ونال جوائز أدبية كبيرة، منها جائزة فرنسا للكتابة في عام 1992م، ومن بلجيكا نال جائزتها فى عام 1994م، ونال جائزة الرواية فى عام 97م عن روايته جبل الروح. واحتجت الصين، وأنكرت حقه بالجائزة، وادعت ان منحه جائزة نوبل ليس إلا رسالة سياسية عدائية للصين، فالبيان الصيني يقول إن الكاتب غاو زنغجين ليس كاتبا موهوبا أو شهيرا بل إن هناك كتابا صينيين يفضلونه بالفكر والأدب والكتابة، ولكنه لم يمنح هذه الجائزة إلا لأنه معاد للحكومة الصينية التي يعاديها الغرب. وقد أجاب هو بنفسه على هذا الاعتراض قائلا إنه فعلا غير مشهور فى الصين ليس لأنه غير مبدع، بل لأن أعماله جميعها ممنوعة فى الصين، بل إن كتبه المطبوعة فى الصين الوطنية وفى هونج كونك غير مسموح بدخولها للصين الشعبية. ولد الكاتب في يناير عام 1940م وعاش فى كنف أسرة متعلمة فأبوه كان موظفا في بنك حكومي وأمه كانت تعمل فى التمثيل كهاوية، ومن هنا ظهر اهتمامه فى الكتابات المسرحية، ونال شهرة فائقة بها، وألف العديد من المسرحيات التي كانت تمثل على مسارح الصين، وبعد هجرته إلى الغرب قامت فرق مسرحية أوروبية فى فرنسا والسويد بعرض مسرحياته. ولا يتوقف إحساس هذا الكاتب الكبير عند فن الكتابة والتأليف المسرحي، بل هو أيضا رسام كبير ومشهور، وتم عرض رسوماته فى أكثر من 30 معرضا عالميا. وهو الذي يصمم ويختار الرسومات التي تظهر على أغلفة كتبه. وحين عانى الكاتب من مرض أصيب به في عام 1983م، وتم تشخيص مرضه بأحد أمراض السرطان القاتلة، وقضى فترة ستة أسابيع يعتقد ان نهايته اقتربت، ثم اكتشف أنه لا يحمل المرض الخبيث، وشفي تماما، عادت إليه روح الأمل من جديد وشعر بحب الحياة والبقاء، وقام برحلة مغامرة وهي هجرة إلى نفسه، قام بها لشعوره بالضغوط والمطاردة له ولفكره الإنساني المنطلق والمتحرر. قام المؤلف برحلة راكبا البغال والحمير والقوارب والقطارات وراجلا ولمدة عشرة أشهر كاملة، بين غابات وبراري الصين متتبعا نهر الصين العظيم من منبعه إلى مصبه، في مشوار طويل أكثر من خمسة عشر ألف كيلو متر متعرجا مع النهر والسفح والجبل، وبين القرى والمدن، وبين أجناس البشر المختلفين الذين يتكون منهم المجتمع الصيني، وكتب كتابه الشهير الذي أظهر فيه جودة وصناعة الكتابة الإنسانية ذات الفكر الواسع والنظرة العميقة التي نالت إعجاب اللجنة المانحة للجائزة. ووضع كتابه جبل الروح ليحكي حكاية رحلته التي قام بها في الصين، وملأها برؤيته وحكمته وفلسفته فى الحياة، فهي مملوءة بالحقائق والخيال والقصص والأساطير، فجعل من كتابه رواية إنسانية شيقة أظهر فيها قدرته على سلب لب القارئ، وامتلاكه له بمتابعته الكتاب والقصص والأساطير التي تحوي كل واحدة فيها رسالة أو فكرا جديدا، ونسوق الحوار التالي والذي يدور بين اثنين من الركاب في القطار، ليستكشف القارئ جوانب الإبداع والفكر لدى الكاتب الصيني، وفيما يلي نصه: - إلى أين أنت ذاهب ؟ - إلى لنغ شان ! - ماذا ؟ - لنغ معناها روح وشان معناها جبل - زرنا العديد من الأماكن والعديد من الجبال ولكننا لم نسمع بمثل هذا المكان . ونام المتحدث وكان الراكب الآخر يرغب فى مزيد من معرفة الأماكن المجهولة فلديه رغبة فى معرفة المجهول فقال لصاحبه وأين هذا الجبل ؟ - فتح النائم عينيه وقال له إنه عند منبع نهر يو - لم يكن يعلم أيضا شيئا عن هذا النهر ولكنه خجل من أن يظهر ذلك فإجابة إجابة مبهمة بهز رأسه التي قد تعني للآخر أنه يشكره أو أنه يعرف المكان. - يعود يسال زميله في القطار وكيف يصل إلى هناك وما هو الطريق إلى الجبل ؟ - عليك أن تأخذ القطار إلى ويزهنز، ومن ثم خذ القارب باتجاه منبع النهر!! - وماذا هناك؟ مناظر؟ معابد ؟آثار تاريخية ؟ يسأل بعدم اهتمام مداريا جهله!! - إنه بر مجهول وأرض غير موطوءة . - غابات قديمة ؟ - طبعا ولكنها ليست جميعها غابات قديمة!! - وماذا عن الرجال المتوحشين؟ يقولها ضاحكا! - يضحك الراكب الآخر ولكن بدون سخرية، ويبدون أنه لا يرغب في أن يكون هو أيضا موضع سخرية، فيرغب في معرفة من هذا الراكب!! - هل أنت رجل بيئة ؟ أم عالم أحياء أو خبير أجناس؟ أم انك خبير آثار؟ - يهز رأسه فى كل مرة ويقول إنه مهتم بالأحياء من الناس! - هل يعني هذا أنك تعمل بحثا عن الملابس المحلية ؟ أم انك باحث اجتماعي؟ دارس العادات المحلية والأعراف؟ أم انك صحفي ربما؟ أو مغامر؟ - أنني هاو ومبتدئ في كل ما ذكرت!! - ويضحك الاثنان معا - أما أنا فأنا هاو وخبير في كل ذلك !! - ويضحك الاثنان ويبهجهما الضحك ويشعل الراكب سيجارته ويبدأ يحكي عن عجائب جبل الروح! ???