داء الدرن يزداد انتشارا!

عرف الأطباء المسلمون داء السل منذ زمن وأسهموا إسهاما فعالا في كشف هذا المرض المعدي منذ قرون عديدة. ويصف أبوعلي الحسين بن عبدالله بن سينا مرضى السل فيقول عنهم إنهم طويلو الأعناق، ضيقو الصدر وأكتافهم خالية من اللحم. ويصف أعراض المرض وعلاماته فيقول السعال الذي كثيرا ما يستبد بهم يؤدي إلى نفث الدم أو السدة، وحمى رقيقة لازمة تشتد عند الليل، ويفيض العرق منهم كل وقت ويأخذ البدن في الذبول والأطراف في الانحناء والشعر في الانتشار وتبطل الشهوة للطعام . واليوم ومع كل التقدم الذي حصل في مجال مقاومة الأمراض ورغم الجهود التي تبذلها المنظمات العالمية للقضاء على هذا الداء، إلا أنه ما زال يفتك بالآلاف وخصوصا في البلدان النامية. حول هذا الموضوع تحدث في البداية د. فهد بن عبدالعزيز الربيعة استشاري الباطنة والأمراض المعدية والفيروسات بمستشفى الملك فيصل التخصصي حيث قال: السل هو المرض نفسه الذي يطلق عليه الدرن أو التدرن وهو عبارة عن بكتيريا تنتقل عن طريق رذاذات الهواء من شخص لآخر عبر الجهاز التنفسي، وتظهر أعراض المرض ما بين أسابيع إلى سنوات وفي كثير من الأحيان ربما لا تظهر أبدا، وتختلف أعراض المرض على حسب العضو المصاب بجرثومة المرض وهناك أنواع كثيرة، فإذا أصاب الجهاز التنفسي يسمى المرض الرئوي، وإذا أصاب الغدد اللمفاوية يسبب تدرن الغدد اللمفاوية. وجميع هذه الأمراض تسببها جرثومة واحدة، لكن هناك أنواعا من البكتيريا المشابهة لبكتيريا الدرن ولكن طرائق الإصابة بها والعدوى تختلف عن مرض السل ويطلق عليها Atypical Mycobacteria، وهذه الأنواع تكثر لدى الأشخاص الذين لديهم ضعف في المناعة، أو يتناولون أدوية خافضة للمناعة، كذلك فإن طرائق علاجهم تختلف عن مرضى السل. وعن تزايد الحالات بعد محاربة المرض لسنوات طويلة يقول د. عادل فهد العثمان استشاري الأمراض المعدية بمستشفى الملك فهد بالحرس الوطني إن أهم أسباب تزايد حالات الإصابة بالدرن في دول العالم الثالث مشكلة الفقر والجوع اللتان عادة ما تكونان مصحوبتين بمشكلة الزحام، سواء على مستوى المنزل أو على مستوى الحي بأكمله. والتزاحم يعتبر من أهم العوامل المساعدة على انتقال جرثومة الدرن Mycobacterium Tuberculosis من الشخص المصاب إلى الشخص السليم، بالإضافة إلى هذا فإن تدني مستوى التعليم وارتفاع نسبة الأمية في الدول الفقيرة من عوامل انتشار المرض حيث قلة الوعي بالمرض، أما في دول العالم الغربي مثل أمريكا الشمالية وأوروبا فإن من أسباب انتشار المرض كثرة المهاجرين من آسيا وأفريقيا، إضافة إلى وجود مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز. أضف إلى ما سبق أن تزايد السفر والانتقال بين البلدان سهل انتقال المريض من بلد إلى بلد.ويضيف د. فهد الربيعة: كان هناك أمل كبير في المجتمع الدولي للقضاء على السل خصوصا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث لوحظ انخفاض في حالات المرض وهبوط في معدل انتشاره، لكن في بداية التسعينيات لوحظ تزايده بشكل لافت للنظر ومقلق في جميع بلدان العالم، مما اضطر منظمة الصحة العالمية في عام 1994 إلى جعل يوم مخصص لمرض الدرن والذي يوافق شهر مارس من كل سنة لتوعية الناس وتوجيههم لمحاربة المرض. أما تشخيص المرض فيقول د. عادل العثمان: يجب أن يكون لدى الطبيب الخبرة والدراية إضافة إلى الحس الطبي لتوقع المرض على حسب الأعراض المصاحبة والقصة المرضية والتي تشمل عادة حمى، هزالا، نقصا في الشهية، نقصا في الوزن، تعرقا في الليل وإرهاقا عاما. أما الفحوصات فيتحدث د. فهد الربيعة عنها حيث يقول إنها تعتمد على موقع إصابة المريض، فمثلا إذا كان المرض في الجهاز التنفسي تؤخذ عينة من البصاق أو البلغم وتفحص بالصبغة الخاصة بالبكتيريا المسببة للمرض، ثم عمل الزراعة المناسبة لمعرفة الجرثومة وعمل حساسية للأدوية التي تستخدم لعلاج هذا المرض. الزراعة تستغرق من أربعة إلى ستة أسابيع لمعرفة البكتيريا، أما الصبغة فلا تأخذ أكثر من يوم واحد. بعد ذلك تعمل أشعة للصدر وقد تؤخذ في بعض الأحيان عينات عن طريق المنظار من القصبات الهوائية أو الغدد اللمفاوية إن كانت مصابة. ويضيف د. الربيعة أن من ضمن الاختبارات عمل حساسية للجلد لاختبار الدرن ومعرفة ما إذا كانت إيجابية أو سلبية وهذا يساعد في التشخيص، وليس بالضرورة إن كانت إيجابية أن المريض مصاب بالمرض، بل يعني ذلك أن المريض تعرض لجرثومة الدرن من قبل وربما تكون كامنة أو أنه مصاب بالمرض. وعن الأدوية المستخدمة في العلاج وأضرارها الجانبية يقول د. الربيعة: العلاج الأمثل للسل في العادة يتكون من 3 إلى 4 مضادات لبكتيريا الدرن، وتستغرق المدة من 6 إلى 9 أشهر وفي بعض الأحيان يلجأ الطبيب إلى إعطاء العلاج مدة أطول في حالات معقدة أو وجود مضاعفات معينة، مثل إذا أصاب الدرن الجهاز العصبي والمخ، وفي الغالب لا توجد مضاعفات للأدوية، لكن الآثار الجانبية موجودة خصوصا تأثير الأدوية على الكبد، وتزيد هذه التأثيرات مع زيادة العمر، لذا ننصح المريض بأنه إذا ظهر له اصفرار في بياض العين أن يوقف العلاج ويذهب الى الطبيب فورا. وغالب الأعراض رجعية بمعنى أنه إذا توقف العلاج زالت الأعراض، كذلك قد يحدث غثيان وطفح جلدي لكنه قليل ويتغير لون البول إلى الأحمر الغامق. وللوقاية من المرض يقول د.عادل العثمان إن طرائق الوقاية تبدأ بمحاربة العوامل التي تساعد على انتشاره ومنها التوعية بخطورة المرض ومعرفة أعراضه وتجنب الازدحام والاهتمام بالتغذية والصحة بشكل عام، كذلك المحافظة على استكمال شهادة التطعيم للأطفال، ولقاح الدرن يعطى في اليوم الأول من حياة الطفل وقد أثبتت الدراسات المختلفة أن لقاح الدرن يقي الإنسان من الإصابة بالدرن في 60 إلى 80? من الحالات. وهذا اللقاح الذي يسبب تكون المناعة ضد جرثومة المرض وجد أنه يفقد تأثيره خلال 8 إلى 10 سنوات، وللأسف أيضا أن تأثير اللقاح يكون مفيدا للأطفال وليس للبالغين. وأخيرا أود أن أؤكد على أهمية التثقيف الصحي وعدم إهمال علاج المرض نظرا لأن العلاج قد يستمر شهورا.