يا بنيتي ماذا أقول؟ لك الله

ساعة يوميا أخصصها لمن يريد عرض موضوع علي. يتصلون بي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأحيلهم لهذه الساعة، وأحيانا أفاجأ باتصالات مباشرة، يعرض المتصلون والمتصلات مشاكلهم، أو يتحدثون عن مشاكل أشخاص يهمهم أمرهم.

معظم الاتصالات بمعدل لا يقل عن 90 في المائة صراخ لإنقاذ أرواح تعذب وتسحق وتذل حتى يصير همهم كيف يتخلصون من الحياة نفسها. إن العنف، وبالذات العنف الأسري لم يعد شيئا نداريه ونهمله، ولا يمكن القول إنه ظاهرة في مجتمعنا الطيب. لا، في مجتمعنا الطيب يعيش كثير من الشياطين، لا يردعهم أي شيء، لا دين ولا أخلاق، ولا خجل، ولا عاطفة. تيبست قلوبهم وصاروا وحوشا في بيوتهم يفترسون أطفالهم، ولا يتجرأ أحد أن يقول لهم شيئا.. لأنهم آباء، أو أمهات، ولهما كل الحق أن يفعلا بأولادهما ما يشاءا. وتتألم ويدمي قلبك عندما يبرر ذلك بالدين، والدين هو الرحمة والرأفة وحسن التربية.. ولكن هذا هو الواقع، يعلم بعض القضاة عن كامل حالة التعنيف ويرونها بأعينهم ثم يقولون: ارجعي لأبيك، ارجعي لزوجك فهو أدرى بمصلحتك.. يعيد الضحية المسكينة لجلادها، يعيدها لمريض سادي يجد متعته الكبرى وهو ينهش لحم وكرامة أبنائه.. ووقفت شخصيا على عدة قضايا آلمتني وأقضت راحة ضميري. في كثير من الأحيان أكره نفسي وأود الخروج منها لما أرى ضعفي وقلة حيلتي، خصوصا لناس يستنجدون بي، يعتقدون أن بيدي حلولا.. يا ليت!

كل يوم نسمع عن مشاهد عنف لم نكن حتى نجرؤ أن نتخيلها أو نحلم بها تظهر في الإعلام، فبدأ تفاعل الناس يضعف من كثرة أخبار التعنيف المعروضة، لولا أن وصلتني أعجب رسالة وهي عندي.

رسالة من 12 صفحة بخط البنط الصغير تحكي فتاة عن ما يفعله أبوها وأمها بهم يوميا من الضرب والحرق والضرب بالسياط والأحزمة، وأجبرت على الالتقاء برجال وهي في عمر المراهقة، وأين؟ داخل البيت، أمام الجميع.. ظنا أن أحدهم سيتزوجها، مجرد مراهقة صغيرة في الخامسة عشرة.

وتتكلم عن جنون أمها السادية وكيف تعتدي عليهم يوميا وأنها مهملة ولا تعمل شيئا ويترك كل عمل البيت على البنات الصغيرات حتى أنهن يربين أخواتهن الأصغر. ثم تخترع للأب أخطاء لهن فيجن جنونه ويضربهن حتى يطيح هو لهاثا من التعب أمام نظر الأم السادية التي تتمتع بكل لكمة أو رفسة أو جلدة تحرق جلد بناتها.

البنت المحروقة ألما تقول لي: "أنقذني مع أخواتي ولن أنسى لك هذا الجميل".. هنا المقتل، ما الذي بيدي ويمكن أن أعمله من أجلهن؟ لا شيء.

الفتاة كانت متفوقة في كلية علمية، وأخرجوها من جامعتها، وتتضرع لي أن أكلم مدير الجامعة لتعود، كيف؟ لا أدري. ربما تخطط لهرب أو شيء من هذا القبيل.

الرسالة ليست عادية لأن الفتاة سجلت لي صوت الصراخ والتوجع، ومشادة وقحة من الأم المتحكمة ضد الأب، لم تترك لفظا خارجا وساقطا لم تنعت الزوج به، وهو بالطبع ينافسها في الردح القبيح. وزودتني بصور آثار التعذيب على لحم أخواتها الصغيرات.. والله بكيت.

إن الله سيسألنا عن هذه الأرواح المعذبة فوق تصورنا، المسحوقة فوق تخيلنا، التي سلبت من داخلها ذؤابة الكرامة واحترام الذات.. وصارت كالهوام والحشرات.

لم يعد يجدي الكلام فقط.. يجب أن تكون هناك عمليات إرشاد أسري واجتماعي ونفسي حقيقية في المدارس والجامعات. ويجب أن تكون عندنا شرطة أسرية تنزع المعنفين من مخالب معنفيهم.. ومراكز بحث حقيقية. وأقترح أن يخصص مركز الحوار الوطني إحدى فعالياته وجلساته لموضوع العنف الأسري وبصراحة على الطاولة.

ويا بنيتي ماذا أقول؟ لك الله..

نقلاً عن جريدة"الاقتصادية"