مكة.. وقمة القمم
في الملمات والظروف الحرجة تتجه بوصلة العالم الإسلامي إلى المملكة، وتحديداً إلى مكة المكرمة، وما زلنا نتذكر القمة الإسلامية التي عقدت فيها عام ١٤٠١هـ واجتمع القادة في رحاب الحرم المكي الشريف، والقمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكة أيضا عام ٢٠٠٥ بمشاركة ٥٧ دولة إسلامية، لكن هذه المرة سوف نشهد حدثاً تأريخياً استثنائيا، فلأول مرة تعقد ثلاث قمم في مكة المكرمة، إسلامية وعربية وخليجية، بدعوة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإذا كان لم يتحقق الكثير من المأمول في القمم السابقة فإن الواقع الراهن، إسلامياً وعربياً وخليجياً، يحتّم أن تكون القمم التي ستعقد غداً مختلفة في تعاطيها مع المواضيع والمحاور والقضايا المطروحة للنقاش.
إسلاميا، لم يتعرض دين الإسلام لمثل التشويه الذي لحق به من جراء التطرف والعنف والاقتتال والإرهاب الذي يتم زوراً وبهتاناً تحت عباءة الإسلام من فرق وتنظيمات مختلفة لا علاقة لها به، ولم تتصاعد وتشتد الخلافات المذهبية كما هي عليه الآن ويتم استثمارها سياسيا لتفتيت الوحدة الإسلامية وتناحر المجتمعات المسلمة. لا نريد الحديث عن مظاهر الضعف المختلفة المخجلة في العالم الإسلامي، اقتصاديا وعلميا وثقافيا وتعليميا لأن ذلك ملف ضخم، وإنما نتحدث عما يجري من ممارسات شنيعة ظالمة باسم الإسلام نفسه من قبل جهلة متطرفين، ما جعل المسلمين عموما محط الشبهة في دول العالم، وجعل دينهم يوصم بما ليس فيه. على القادة المسلمين في هذا الظرف التأريخي الفارق والحساس أن يتحملوا مسؤوليتهم أمام الله والتأريخ والشعوب المسلمة بتطهير دينهم مما حاول المسيئون إلحاقه به، وأن يتم ذلك بأفعال لا أقوال.
عربياً، ورغم القمم التي عقدت منذ اندلاع الزلازل في بعض البلدان عام ٢٠١١ ما زالت الأوضاع لا تبشر بخير كثير في تلك البلدان ما عدا القليل وهو استثناء. اتضح أن الموضوع ليس ثورات من أجل الديموقراطية والحريات والعدالة والتداول السلمي للسلطة وبناء الأوطان على ممارسات سياسية متحضرة وتحقيق التنمية البشرية والمادية، ليس شيئاً من ذلك وإنما مخططات جهنمية لإعادة ترتيب الخارطة العربية جيوسياسياً وديموغرافياً لبدء مرحلة تأريخية جديدة تحقق أهداف من خططوا باستخدام تنظيمات تم تجهيزها استخباراتيا لتلعب هذا الدور في هذه المرحلة. العالم العربي وإن نجت بعض دوله التي تعرضت لرياح الخريف العربي إلا أنه ما زال مستهدفا ولن تغفل عنه عيون من يستهدفونه لتصبح المسألة الآن مسألة مصير ووجود وبقاء، وها نحن نرى ما حدث ويحدث في ليبيا والعراق وسورية واليمن، وكيف يتراخى المجتمع الدولي ومنظماته في القيام بدوره الأخلاقي وتطبيق المواثيق الأممية، لأنهم يريدون أن تمضي الأوضاع من سيئ إلى أسوأ وصولا للأهداف المرسومة. إن الوقت كالسيف على رقاب العرب، فإما أن يلموا شتاتهم ويوحدوا قرارهم بصدق وإخلاص وإلا لن ينفع الندم لاحقا.
خليجيا، تواجه الدول الخليجية التي حققت معدلات تنمية عالية وتتمتع باستقرار سياسي وازدهار اقتصادي عدواً صريحاً هو إيران وحلفاؤها ووكلاؤها. هي الدولة التي أنتجت حزب الله في الثمانينات وأنصار الله في الألفية الجديدة لتهدد الأمن العربي عموما والخليجي خصوصا. منذ بداية حكم الملالي وإيران لم تكف عن ممارساتها العدوانية تجاهنا، من تسييس الحج وإرسال المتفجرات وزرع الجواسيس والعملاء ودعم وتبني وإدارة التنظيمات الإرهابية التي استهدفت أمن المملكة وبقية الدول الخليجية، والتهديدات المتكررة بإغلاق ممرات الملاحة، وصولا إلى إطلاق الصواريخ الباليستية المستمر على المملكة بواسطة وكيلها الحوثي الذي تمده بالسلاح المتطور والخبراء، بعد أن تمكن من بسط نفوذه على اليمن، وبعد أن تحول من فصيل خارج على الشرعية والقانون إلى حاكم أوحد لليمن بسبب تواطؤ الأمم المتحدة التي تتحكم في أدائها الدول العظمى.
الممارسات الإيرانية الخطيرة على الأمن الخليجي والعربي بل والسلم والأمن الدولي تتطلب ضغطاً شديداً وبكل الوسائل على المجتمع الدولي لإيقاف هذا العبث الإيراني الذي أصبح خطراً حقيقيا. أنصاف الحلول لم تعد مجدية مع إيران، وتصديق مزاعمها وقت الشدة بأنها تريد الجنوح إلى السلم نوع من العبث والتمكين لها بالاستمرار إلى ما هو أخطر. على القادة المسلمين والعرب والخليجيين أن يتضامنوا بجدية في موقف موحد تجاه عبث إيران، وأن يتبنوا جميعا ملفها المزعج لإيقافها بكل الوسائل الممكنة. إن المنطقة تشهد توتراً شديد الخطورة، ستكون نتيجته كارثية لو اندلعت حمم الحرب التي لا نريدها، لذلك لا بد أن تكون قمم مكة المكرمة واضحة وحاسمة في قراراتها.
أيها القادة.. أنتم أمام التأريخ في هذه الأوقات الحساسة، ونتمنى أن يكون شاهداً لكم لا عليكم.
بقلم/ حمود أبو طالب-عكاظ