غدا أفضل!!

أغلقت مجلتها المفضلة ووضعتها جانبا على منضدة كانت مجاورة لسريرها، جالت بفكرها وسرحت بخيالها في عالم تملؤه السعادة ويزخر بأحلام وردية جميلة طالما تمنت أن تكون إحدى رواده، رسمت الطريق الذي طالما بحثت عن أولى خطواته بعدما تعبت وذاقت مرارة الخيبة والفشل في حياتها الزوجية التي تسعى لتحقيق السعادة فيها، إلا أنها تاهت وضاعت في تجارب فاشلة كانت لاتحب أن تكون إحداها..، وهاهي مجلتها المفضلة تضيء لها الطريق، وتفتح لها أبواب الحياة، وتظهر لها بيارق الأمل، وتهدي لها شمعة تنير عتمة الدرب. أحست بقوة خفية بين جنبيها ونشوة ساحرة تملأ روحها وتعلو وجنتيها.. هاهو الطريق. نهضت إلى دولابها متسارعة الخطا، فتحته أطلت عليه بابتسامة عذبة، قلبت أثوابه واحدا تلو الآخر، ثم استقرت إلى ذلك الثوب الوردي الذي وافاها به زوجها الحبيب إثر سفر طويل غاب عنها في إحدى السنوات.. كانت هدية غالية.. إذ لم تتوقع أن يذكرها أو يطرأ على باله أن يهديها، فوجومه وصمته وغموضه يكفي أن يطبع على قلبها الأسف والإحباط.. ارتدت ثوبها وانسلت بخفة نحو مرآتها تتزين، ثم تضع عطرا هادئا تفاؤلا بنجاح ماتقدم عليه، جالت بنظرها إلى أرجاء غرفتها المنسقة بأفضل الألوان والمعطرة بأزكى الروائح. طردت أوهام الخيبة وتسلحت بالأمل.. راجعت خطتها وحفظتها عن ظهر قلب لتبدأ صفحة جديدة في حياتها ويكون الغد الأفضل، انتظرت بفارغ الصبر وقت قدومه كالمعتاد، ساعات طويلة تمضيها كل يوم في انتظاره.. ما أطول ليالي الوحشة والوحدة التي تملأ جوانب دارها. والسؤال الذي يلح دائما ويقسم أن يجد الإجابة.. لم الهروب والبعد، رحماك يارب متى تعود الطيور إلى أعشاشها. سمعت دقات قلبها تعلن وصوله، تسارعت أنفاسها وزاد خفقان قلبها، ألحت على بارئها بالعون والتأييد.. نظر إليها بآلاف التساؤلات، رمق بنظره لمح الإصرار والتحدي، تعجب للصبر الأكيد والعزم العتيد رغم مرور السنوات، تجلدت لتطلب سويعات من وقته ليتسامرا معا، فقد طالت الوحشة، وبردت العواطف، وتراكمت السحب حتى كادت تخنقها، فقد ملت الحديث مع النفس، وتعبت من نسج الخيال ورسم زهور الفرح، وانتهت كل العبارات الجميلة في رسائلها الحبيسة. واليوم سوف تسمعه الحديث، وتتلو عليه رسائلها، وتريه زهراتها، وتعرض لوحات خيالها.. لن يمنعها الحياء ولن يثنيها الكبر، وسوف تبدأ هي، لن تنتظر أكثر من ذلك، فالحياة سويعات والأيام تترى والشمس سوف تلملم أشعتها وترحل، ولم تشعر بالوقت الذي مضى، أفاقت على صوته البارد يشكر شعورها النبيل وعواطفها المتأججة وحبها الكبير له، ويأبى غروره إلا أن يدفع دفة الحديث ليعقد اختبارا صعبا لعواطفها وصدق مشاعرها ليثبت لنفسه أولا جهله بأبجديات التعامل الإنساني، فيترنم بحديث الزوجة الثانية ليعزف على أوتار قلبها الحزن والألم، وتأبى آلامها إلا أن تصرخ، فما كاد جرحها يلتئم حتى تعددت الجروح، وأبت الأحزان أن تظهر والجروح أن تنزف والعبارات أن ترضخ، وأصرت على الصمود أمام التيار، أن تحذف من قاموسها الحاضر والماضي الهزيمة والفشل. رفعت بصرها نحوه بعد سيل من الدموع تدفقت عبر عينيها لتمتزج بمرارة الأسى، فانسابت كلماتها مبعثرة بحروف متحجرة يصدع صداها في عالم الحزن والجزع، فتشت أدق العبارات وألطف العتاب لتصوغها نثرا.... لم لم تع كيف تعامل رقيقة تخدشها تلك العبارات؟؟ ألم تفهم أنها سلمت بتشريع ربها فلا اعتراض؟؟ ألم تدرك أنه لابد من قضاء الله وحوله وقوته؟؟ فلم تسبق القضاء وتروع القلوب وتثير المشاعر وترسم الحزن على ليالي كاد السرور أن يحط فيها وسنابل الفرح أن ترقص..! شعر بمرارة ونظر بأسى.. جمع حروفه بل سطور الاعتذار والندم أراد أن ينطق، اعترضته ليبدآ معا غدا أفضل.