أخوة فقط

هذه دعوة لبث روح الإخاء وتأكيد أواصر المودة، دعوة للنظر لهذه النعمة المسماة أخ أو أخت.. وشكر لله عليها ودعوة للتواصل والاتصال. الأخوة رباط وثيق وعلاقة أبدية نسج وشائجها أم وأب فأثمرت تراحما ومودة وقربى لاتكون أبدا بدونها، علاقة حب وانتماء ورحمة وائتلاف ولو عد وسطر ماتثمر من مشاعر وعواطف بين الأخوة ماكفى بسطرها مداد قلم. قال بعض النحويين: سمي الأخ أخا لأن قصده قصد أخيه، وأصله من وخى أي قصد. حتى أطلق على الأصدقاء المقربين لفظ إخوان دلالة على قربهم من القلب حتى صاروا بمنزلة الأخ في المودة والمحبة، ومنه أن النبي عليه الصلاة والسلام آخى بين المهاجرين والأنصار: أي ألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان. فحب الأخ يصل بأخيه لدرجة أن يحب له من الخير والسعادة مايحب لنفسه، بل يسأل ذلك له، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري طه 31. روى ابن كثير عن عائشة رضي الله عنها أنها خرجت فيما كانت تعتمر فنزلت ببعض الأعراب فسمعت رجلا يقول: أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه؟ قالوا: لاندري. قال: أنا والله أدري! قالت: فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه. قال: موسى حين سأل لأخيه النبوة. فقلت: صدق والله. ويوضح هذا الشعور الأخوي في حب الخير للأخ أو الأخت إقدام أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي عليه الصلاة والسلام على عرض أختها على النبي عليه الصلاة والسلام ليتزوجها قالت: قلت: يارسول الله، هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ قلت: تنكح. قال: أتحبين؟ قلت: لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي، قال: إنها لاتحل لي متفق عليه. فحين تعجب عليه الصلاة والسلام من عرضها أختها عليه ليتزوجها مع ماجبلت عليه النساء من الغيرة، أوضحت رضي الله عنها أنها ليست تخلو من ضرة وأحب من تشاركها في الخير- وهو صحبته عليه الصلاة والسلام المتضمنة سعادة الدارين والانتفاع بخيرات الدنيا والآخرة- أختها لما جبل عليه الأخ من محبة الخير لأخيه ودفع الضر عنه بكل مايستطيع وما لايستطيع، فهذا أنس بن النضر عم أنس بن مالك رضي الله عنهما تأخذه الشفقة على أخته ويحن عليها ويرأف لما قد يصيبها فيقسم أن لاتكسر ثنيتها فيبر الله بقسمه: عن أنس أن الربيع كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي عليه الصلاة والسلام فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يارسول الله؟! لا والذي بعثك بالحق لاتكسر ثنيتها، فقال: ياأنس كتاب الله القصاص. فرضي القوم وعفوا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره رواه البخاري. فلمنزلة الإخوة كانوا من أحق الناس صلة وبرا بعد الوالدين، قيل: الأدب مع الإخوة كالأدب بين الآباء والأبناء سواء، فعلى الإخوة الصغار من الأدب نحو إخوتهم الكبار ماكان عليهم لآبائهم وعلى الإخوة الكبار نحو الصغار ماكان لآبائهم عليهم من الحقوق والواجبات لما رواه ابن عبدالبر: حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده. عن كليب بن منفعة عن جده أنه أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يارسول الله من أبر؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة رواه أبوداود بسند صحيح. وروى النسائي عن طارق المحاربي قال: قدمت المدينة فإذا رسول الله عليه الصلاة والسلام قائم على المنبر يخطب الناس ويقول: يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك. إذن مودة الأخ والإحسان إليه وبره من الواجبات في الدين التي أجرها مقدم على ماهو مستحب ومسنون من الإحسان للأصدقاء والصحبة، فأين نحن من ذلك. وفي زماننا يصل المرء صديقه ويقطع أخاه ويذكر حق صاحبه وينسى حق ابن أمه وأبيه. ولنبحر سويا مع أخوين ضربا مثلا رائعا في الأخوة الحقة لايزال يذكر رغم تطاول العهد وبعد الزمن، جاء في العقد الفريد أن الخنساء دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها صدار من شعر (لباس مما يلي الصدر) قد استشعرته (لبسته مباشرة) إلى جلدها، فقالت لها: ماهذا ياخنساء؟ فوالله لقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام فما لبسته. قالت: إن له معنى دعاني إلى لباسه، وذلك أن أبي زوجني سيد قومه وكان متلافا (كثير النفقة حتى أتلف) فأسرف في ماله حتى أنفذه ثم رجع في مالي فأنفده أيضا ثم التفت إلي فقال: إلى أين ياخنساء؟ قلت: إلى أخي صخر، قالت: فأتيناه فقسم ماله شطرين ثم خيرنا في أحسن الشطرين فرجعنا من عنده، فلم يزل زوجي حتى أذهب جميعه ثم التفت إلي فقال: إلى أين ياخنساء؟ قلت: إلى أخي صخر، قالت. فرحلنا إليه ثم قسم ماله شطرين وخيرنا في أفضل الشطرين فقالت له زوجته: أما ترضى أن تشاطرهم مالك حتى تخيرهم بين الشطرين؟! فقال: والله لا أمنحها شرارها فلو هلكت قدت خمارها واتخذت من شعر صدارها وهي حصان قد كفتني عارها فآليت ألا يفارق الصدار جسدي مابقيت. فهذه القصة مع مافيها من جاهلية إلا أنها مثال رائع لتفاني الأخ لسعادة أخته حتى يعطيها نصف ماله وليس مرة واحدة بل مرتين وهي تذكر له هذا وتبر في قوله فتلبس خشن اللباس بعد موته. فالإخوة تجمعهم ذكريات وآمال وحدت المواقف بين المشاعر لحظات فرح وأوقات لعب وهموم متجانسة ودموع واحدة فلا غرو إن كان أقرب شيء لنفس المرء أخاه. فما أجمل منظر إخوة اجتمعوا وقد تصافت القلوب وطافت الذكريات السعيدة وملأت الجو المحبة وارتسمت بالشفاه البسمة. فلا عدمنا جمعا على طاعة، فهلا أمسكنا بسماعة الهاتف إن لم يكن لزيارة فأقلها السلام.