آفاق العمل الدعوي في إفريقيا.. حوار مع الشيخ محمد بن عبد الله الدويش
أحد رجال الصحوة المعروفين، تلقى أصول العلم الشرعي على يد كبار العلماء، ولما رأى الحاجة الماسة إلى العمل الدعوي والتربوي كرس جهده فيه، زار العديد من الدول الغربية للدعوة والتوجيه، وتنقل في إفريقيا من شرقها حيث كينيا وأثيوبيا إلى غربها في السنغال وغانا ومالي ونيجيريا، وأولى العملية التعليمية وإعداد الدعاة عناية خاصة، فشارك في أكثر من ملتقى، وأقام العديد من الدورات وأبدى الكثير من الآراء والمقترحات ولإلقاء الضوء على العمل الدعوي في إفريقيا -الواقع والأمل- كان هذا الحوار مع الشيخ محمد بن عبد الله الدويش. احتل العمل الدعوي في إفريقيا في الآونة الأخيرة حيزا كبيرا من الاهتمام، وكرست كثير من الجمعيات الخيرية جهودها في تلك القارة، فهل لكم أن تبينوا العوامل التي أسهمت في ذلك؟ تختلف طبيعة الدعوة في بلدان إفريقيا عن غيرها من أمصار العالم نظرا للطبيعة المختلفة التي تتميز بها هذه القارة بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى، وأولى هذه المميزات الجذور الإسلامية المتأصلة في إفريقيا، وكما هو معروف، فإن الكثير من تلك الدول كانت إما إسلامية أو تعيش تحت حكم إسلامي، فالإمبراطوريات الإسلامية حكمت أجزاء عديدة من إفريقيا، وهذه ولا شك كان لها تأثير واضح، فلم يعد الإسلام بالشيء الغريب. ثم إن إفريقيا تعتبر من أكثر بلدان العالم التي تنتشر فيها الوثنية، ولذا فإنها تعتبر بيئة جيدة للعمل الدعوي، باعتبار أن سكانها أكثر استجابة من غيرهم نظرا لهشاشة الديانة الوثنية وعدم استنادها إلى أي كتاب سماوي أو رسل. ومن العوامل التي تميز الدعوة في إفريقيا عن غيرها من البلدان الفقر المدقع الذي تعيشه معظم دول إفريقيا، وما يترتب على ذلك من مشكلات عدة تجعلها بحاجة دائمة إلى الإغاثة والمشاريع الخيرية، وهذا له أثر فعال في الدعوة إلى الله، ذلك أن العمل الإغاثي له مردود نفسي إيجابي على أولئك الذين يتلقون تلك المساعدات، ومن أسباب تأليف قلوبهم، إذ أنهم يبدؤون في التساؤل عن القائمين بهذه الأعمال الإغاثية وحقيقتهم والدوافع لمثل هذه الأعمال، وعندما يعرفون أن هذا العمل من توجيهات دين فاعلي هذا الخير يبدؤون في التساؤل عن حقيقة هذا الدين. أضف إلى ذلك أن هذا الأمر أعني الفقر - من أسباب تيسير العمل الإغاثي والدعوي بشكل عام، فكثير من الحكومات لا تمانع بصفة عامة من قيام المشاريع الدعوية، ولا تعارض جهود المؤسسات الدعوية على اعتبار أن المؤسسات الدعوية توفر خدمات اجتماعية وإنمائية تدعم الاقتصاد، وتسهم في حل بعض المشكلات لهذه البلدان. وينبغي ونحن نتحدث عن المميزات الدعوية في إفريقيا ألا نغفل دور الطلاب الأفارقة الذين درسوا في الجامعات الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي عامة، فهذه الجامعات خرجت عددا من الدعاة من أبناء تلك القارة، وهم وإن كانوا ليسوا على المستوى المطلوب كما ومستوى وكيفا، لكن لا شك أنهم يمكن أن يمثلوا منطلقا جيدا للدعوة وهمومها، ولا شك أن هذا له أثر كبير في تقليل التكاليف، والتخاطب مع المجتمعات والبيئات التي ينتمون إليها دون مشقة أو عناء. وأخيرا فإن وجود جهود كبيرة وعديدة من المنصرين في تلك القارة كان له أثر واضح في انتشار العمل الدعوي الإسلامي في تلك البلاد، نظرا لحصول رد فعل لدى كثير من المسلمين من خارج إفريقيا وغيرتهم على الدين وشعورهم بالمسؤولية، مما يدفعهم إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي للبرامج والأعمال والمشاريع الدعوية. من الملاحظ سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه بدرجة كبيرة في إفريقيا مقارنة بغيرها من بلدان العالم خاصة الغربية منها، فهل هذا راجع إلى عوامل تتعلق بطبيعة العمل الدعوي أم أن اختلاف البيئة هو المؤثر؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد أن ندرك الفروق في طبيعة المنطقتين، فطبيعة البلدان الغربية واختلافها عن البلدان الإفريقية له أثر كبير في مدى تقبل الدعوة الإسلامية أو رفضها، وخذ مثالا على ذلك: التفوق الحضاري الذي يتمتع به الأوروبيون جعلهم ينظرون إلى المجتمعات الإسلامية على أنها مجتمعات ضعيفة متخلفة، وهذا يجعلهم يحجمون كثيرا عن الاستجابة للدعوة الإسلامية، خاصة وأن كثيرا من الناس يصعب عليهم الفصل بين الإسلام كدين سماوي وبين واقع المسلمين وحالهم، ويتوهمون أن ضعف المسلمين وتخلف دولهم كان بسبب الدين الذي يدينون به. وإذا طبقنا هذا ا لمثال على واقع الدول الإفريقية فإنك تجد العكس، فإفريقيا من أكثر الدول تخلفا تقنيا وماديا، وكثير من الدول الإسلامية تتفوق عليها في هذه المجالات، وهذا يجعلهم في موقف الأضعف، أما الغربيون فهم في موقف الأعلى والأفضل. وأيضا فإن سيطرة المادية والإلحاد على الغرب، وانتشار الفساد والحملة الشعواء التي تشنها وسائل الإعلام، كل ذلك يقلل فرص استجابة الغربيين للإسلام، وهذه الأمور تقل حدتها في إفريقيا، خاصة السيطرة المادية وأثر وسائل الإعلام نظرا لضعف موارد القارة كما أسلفنا. ثم لا بد أن ندرك أن نوعية العمل الدعوي الموجه إلى أوروبا مختلفة تماما عن نوعية العمل الدعوي الموجه إلى إفريقيا، فعموم البيئة الغربية بيئة مثقفة تحتاج إلى عناصر دعوية متميزة، عناصر مدربة عناصر مثقفة، بخلاف البيئة الإفريقية فكثير من الناس أميون، حتى أولئك الذين يقرؤون ليس عندهم مستوى ثقافي راق وعال، مما يجعل خطاب هؤلاء وإقناعهم فيه سهولة بخلاف البيئة الغربية. لا شك أن كل عمل له مشكلاته ومعوقاته، ولا ريب أن العمل الدعوي الإسلامي يواجه الكثير من المعوقات سواء من الداخل أو الخارج، فما هي أبرز المعوقات التي تقف أمام العمل الدعوي في إفريقيا؟ رغم أن إفريقيا تعتبر بلادا خصبة للدعوة الإسلامية، إلا أن العديد من العقبات تواجه العمل الدعوي هناك، ومن أبرزها الوضع الاقتصادي السيئ، فهو وإن كان يفسح المجال للعمل الدعوي الإغاثي كما ذكرنا من قبل، إلا أنه من جهة أخرى يعتبر من عوائق سرعة انتشار العمل الدعوي، لما يترتب عليه من مشكلات عدة، فنظرة سريعة في تلك البلاد نجد أن مؤسسات البنية التحتية والاقتصادية غاية في الضعف والتخلف، فالمطارات غير مهيأة على مستوى يليق بها، ولذا كثيرا ما يحتاج المسافر إلى ثلاث أو أربع محطات في ا لمطارات ليصل إلى المكان الذي يقصده، مما يعني استغراق الرحلة وقتا أطول وجهدا أكبر. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالطرق معظمها غير معبدة، والمواصلات الداخلية غير متوفرة، وهذا كله مع عدم وجود الأمن في بعض المناطق يقف حجر عثرة أمام العمل الدعوي، ويمنعه من المضي قدما إلى حيث يريد. أضف إلى ذلك ضعف التقنية الحديثة، كخدمات الاتصال العامة كالهاتف والخاصة كالإنترنت ووسائل الإعلام وغيرها، يقف عائقا أمام استفادة المدعوين واستغلال العمل الدعوي لها إلا في إطار محدود جدا ويبقى أثره محليا. من العوائق كذلك عائق اللغة، فكثير من المدعوين لا يجيد اللغة العربية ولا حتى اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية، مما يتطلب ضرورة مخاطبتهم باللغة المحلية، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق أناس من البيئة نفسها، خاصة وأن هناك كثيرا من اللغات واللهجات المحلية السائدة حتى في الدولة الواحدة مما يزيد الأمر صعوبة. ثم تأتي مشكلة جهود النصارى الذين سبقوا إلى القارة بإمكانات هائلة جعلت الكثيرين يقيسون البعد الدعوي الإسلامي الموجه لهم من خلال الإمكانات التي يرونها عند المنظمات التنصيرية التي سبقت إليهم، وهم وإن كانوا لا يستجيبون لتلك المنظمات بنفس القدر الذي يستجيبون به للمسلمين، إلا أن وجودها بهذه الكيفية أوجد مشكلة في سرعة التكيف مع العمل الإسلامي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن سيطرة المنظمات التنصيرية على الكثير من المواقع، جعلها تسهم في عرقلة العمل الدعوي الإسلامي والوقوف أمامه بكل الوسائل والطرق، فتارة عن طريق تشويه صورة المسلمين، وأخرى عن طريق تحريض الحكومات عليهم وهكذا. النظام القبلي ما يزال موجودا في كثير من مناطق العالم، إلا أنه يلاحظ وجوده بكثافة وصرامة في إفريقيا ..ترى في أي اتجاه يمكن تصنيف هذا النظام، و هل يعتبر عاملا إيجابيا للعمل الدعوي في إفريقيا أم ترونه عائقا يقف أمام الدعاة؟ النظام القبلي يدور بين كونه نظاما يخدم الدعوة الإسلامية، وبين كونه معوقا رئيسا لها، فهو مفيد إذا أحسن العمل الدعوي استثماره، ذلك أن الإحسان إلى بعض زعماء القبائل يؤدي إلى إسلامهم، وبالتالي إلى إسلام القبيلة أو معظمها، مما يعني الكسب السريع للعمل الدعوي، وهو وإن كان في نفس الوقت يؤدي إلى دخول عناصر كثيرة في الإسلام تبعا دون قناعة وإيمان، فإن هذا في نظري لا يسبب مشكلة كبيرة، بشرط متابعته وعدم إهماله أو التغافل عنه، ولو نظرنا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن أعدادا كبيرة جدا كانت تدخل في الإسلام دون قناعة منهم مع قبائلهم أو عندما يؤلفون على المال، خاصة في آخر العهد المدني، ثم بعد ذلك حسن إسلامهم وقوي إيمانهم. يواجه العالم الإسلامي على وجه العموم والدعاة على وجه الخصوص حملة شعواء من قبل الغرب، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد صرح عدد من الدعاة بالآثار السلبية التي لحقت بالعمل الدعوي نتيجة لهذه الأحداث، إلى أي مدى أثرت هذه الأحداث على العمل الدعوي في إفريقيا؟ لا شك أن الأحداث الأخيرة كان لها آثار على العمل الدعوي، ومن أبرز هذه الآثار ما يتعلق بتمويل العمل الدعوي، فالغرب يشن حملة كبيرة جدا على المؤسسات الدعوية، سواء ما كان مصدره الشك في هذه الجمعيات لكونه لا يملك المعلومات الكافية عنها، أو كان مصدره استغلال هذا الحدث كجزء من الحرب على الإسلام، فالجمعيات الدعوية تعاني حاليا من قضية الدعم المالي، وهي كما نعلم تعتمد في الدرجة الأولى على التبرعات، وتبع هذا الأمر قضية تحويل الأموال حال توفرها إلى مناطق العمل الدعوي ومشروعاته، فلم يعد الأمر بتلك السهولة كما كان قبل هذه الأحداث. وبخلاف التبرعات المالية وتحويلها، أصبح هناك صعوبة في تنقل العاملين في الحقل الدعوي بين البلدان، خاصة وأن مظهر كثير من الدعاة باعتباره متدينا يوحي لبعض أجهز الأمن ومسئولي المطارات بضرورة التحري والتثبت، فيتعرض للكثير من المضايقات والمتاعب وربما تلفيق التهم وإلصاقها به. أما من جهة تأثير الأحداث على عامة الناس، فهي وإن كانت قد تركت أثرا سلبيا على فئات معينة في الغرب، فإن هذا الآثار تبقى محدودة في إفريقيا، بل على العكس من ذلك، فكثير منهم مستبشرون بما حدث بسبب التجبر الأمريكي والظلم الذي لحقهم من النظام الأمريكي، بل حتى بعض النصارى من أبناء هذه القارة أصبح يفرح بمثل هذه النكبات، ليس لأجل قناعتهم بأشخاص من قام بهذا العمل، وإنما شعورا بأنها موجهة نحو عدو يكرهونه. ظاهرة اقتصار كثير من الدعاة على مجرد دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وعدم متابعتهم بعد إسلامهم أخذت تطفو على السطح، ما هي نظرتكم تجاه هذه القضية؟ لا شك أن هذا الأمر من سلبيات العمل الدعوي، ذلك لأن الداخل في الإسلام بحاجة فعلا إلى معرفة أحكامه وزيادة إيمانه وثباته على الدين، ولذا فهو بحاجة ليزداد تواصله مع الدعاة وطلبة العلم، خاصة أولئك الذين أسلموا وبقيت بيئتهم التي ينتمون إليها على معتقداتها من نصرانية أو وثنية، وهي لا شك تعمل على إرجاعه إليها، وكلما كانت صلة المسلمين الجدد بالدعاة المسلمين دائمة وقوية كلما كان أدعى إلى ثباتهم على الدين. ومما يزيد الأمر تعقيدا في البيئة الإفريقية عدم التواصل الإعلامي، سواء كان إذاعة أو تلفازا أو وسائل الاتصال الأخرى كالإنترنت مثلا، لضعف الإمكانات عندهم، مما يفوت على هؤلاء الفرص التي يمكن من خلالها التواصل المستمر مع الدعاة والاطلاع على توجيهاتهم ونصائحهم، وتبقى الوسيلة الأكثر تأثيرا هي الوسيلة المباشرة. ولذا أرى أن من الضروري أن يصحب العمل الدعوي مشروعات تعتني بالمسلمين الجدد، تشد من أزرهم وتوضح لهم أحكام دينهم، وتعينهم على مواجهة الإغراءات والشبهات المثارة حول الإسلام، وهذا الأمر وإن كانت بعض الجمعيات قد تنبهت له فبدأت بعقد الدورات الخاصة والبرامج النافعة والنشاطات المتعددة، إلا أن هذا العمل ما زال يكتنفه القصور وبحاجة إلى مزيد من الاهتمام. ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الجمعيات الإسلامية، وبدأ نشاطها يعم العديد من الأقطار، وكما تعلمون فإن للتقويم المستمر لمثل هذه الجمعيات ونشاطاتها عامل مهم في رقيها.. من خلال اطلاعكم على هذه المؤسسات ما تقييمكم لها؟ هناك جهود كبيرة ومميزة تقوم بها هذه الجمعيات، خاصة ما تميزت به هذه المؤسسات من العمل والاجتهاد مع ضعف الإمكانات، فإمكانات المؤسسات الدعوية ضعيفة جدا بجانب الإمكانات المتوفرة للمؤسسات الأخرى المنصرة. الأمر الثاني الذي يذكر لهذه الجمعيات هو سعة التأثير وقوته، فبالرغم من ضعف الإمكانات وقلة الموارد، إلا أن الذين يدخلون في الإسلام أكثر من الذين يدخلون في النصرانية مع كثرة مواردهم وإمكاناتهم والوسائل المتاحة لهم. أيضا مما يذكر لهذه الجمعيات كثرة الجانب التطوعي فيها، فكثير من الدعاة وكثير من الذين يسافرون في المشروعات الدعوية يسافرون تطوعا وقت إجازتهم التي من المفترض أن يستمتعوا بها، وغاية ما يتاح للكثير منهم تكاليف التذكرة والسفر لا غير. ومع هذا كله هناك الجانب الإغاثي لهذه الجمعيات، وهو جانب هام له أثره في الدعوة، وقد اعتنت به عناية جيدة وبذلت فيه جهدا متميزا. ومع تلك الإيجابيات، إلا أن هناك بعض الثغرات في الجمعيات الدعوية كأي عمل بشري، ومن أهم هذه الثغرات عدم وجود توازن بين الجانب الإغاثي والدعوي عند بعض الجمعيات، فهناك من المؤسسات من يستهلكها العمل الإغاثي على حساب العمل الدعوي، بحيث يطغى عليه مما يقلل من النتائج المرجوة من خلاله، ومع أهمية العمل الإغاثي إلا أنه يجب مراعاة التوازن بينه وبين العمل الدعوي الذي هو ا لغاية منه. أيضا يلاحظ أن بعض الجمعيات تركز على الانتشار الكمي أكثر من الانتشار الدعوي، وأعتقد أنه لا بد أن يكون هناك استراتيجية واضحة تفترض أن لا تستمر المؤسسات الدعوية في التواجد في المنطقة لأي أسباب تطرأ، وهذا يحتم أن تركز الجمعيات على تخريج طاقات محلية تعتمد على البناء الجيد والإعداد المتميز لتحل محل هذه المؤسسات الدعوية حينما تترك البيئة الإفريقية، بحيث لا يوجد فراغ كبير في الساحة الدعوية، وإن كان لا بد أن يكون هناك فراغ. من السلبيات أو الثغرات في هذه الجمعيات أيضا الضعف الإداري وطغيان الجهود والقرارات الفردية على كثير من هذه المؤسسات، مع أن المفترض أن ا لعمل واتخاذ القرار في هذه المؤسسات يكون جماعيا، وكثيرا من هذه المؤسسات يحتاج إلى الضبط الإداري والمالي، لا أقول إن هناك فوضى أو ضياعا، لا، ولكن تحتاج إلى الضبط الأكثر ومراعاة القوانين والأنظمة وحسن الترتيب والتنظيم، وهي بهذا الضبط تجيد إدارة مواردها إدارة جيدة، وتسلم من التهم والافتراءات التي لم تعد قاصرة على قطر وإنما أصبحت تمثل جزءا من اهتمام العالم. ويلحق بهذا أيضا قضية الترشيد، فبعض المؤسسات تقوم بجهود كبيرة وضخمة لكنها غير مرشدة، فهي أحيانا تنفق بسخاء على أعمال لا تستحق هذا القدر، فينبغي على الأقل يكون هناك توازن في هذا الإنفاق. مما يلاحظ أيضا عند بعض المؤسسات الدعوية عدم استيعاب الآخرين، نظرا للمخالفة في بعض الاجتهادات الشخصية، والحقيقة أنه عندما نعمل في قارة أو دولة ما في عمل دعوي يجب أن نستوعب من يخالفنا في بعض الاجتهادات، وأن لا نصر على آرائنا الشخصية في قضايا كثيرة، وأن نراعي المصالح العامة بصورة أشمل. ما نظرتكم للخطاب الدعوي الذي يمارسه الدعاة مع غير المسلمين؟ مما هو معروف أن الخطاب الدعوي لا بد أن يتلاءم مع احتياجات البيئة والمنطقة التي تمارس فيها الدعوة، وحين ندرك أن من الضروري اختلاف الخطاب الدعوي من مكان لآخر سيكون من السهل الوصول إلى المدعوين بيسر وسهولة، وهذا يتطلب أن يكون هناك توازن في الخطاب الدعوي، فيراعي احتياجات الناس وحل مشكلاتهم، وفي المقابل أيضا، ينبغي التركيز على التسليم لله عز وجل في هذه القضايا، دون إفراط في جانب على حساب جانب آخر. ولا بد كذلك في الخطاب الدعوي من ملاحظة حساسيات البيئة، فكل بيئة لها حساسيات معينة يجب أن يراعيها العمل الدعوي، فلا ينقل الداعية مشكلات بيئة لبيئة أخرى، حتى لا تستورد تلك البيئات مشكلات من مشكلات العالم الإسلامي الكثيرة ليست في صلبها وليست في بيئتها، بل لا بد من معالجة مشكلات كل بيئة على حدة. أكدتم في حديثكم على ضرورة وجود استراتيجية واضحة ومنظمة للعمل الدعوي، من وجهة نظركم، ما هي الاستراتيجية التي ترونها مناسبة للنهوض بالعمل الدعوي واستمراره؟ الحديث في هذا الموضوع يطول جدا، ولا يغني فيه جهد فرد واحد، بل هو بحاجة إلى تضافر جهود العديد من المهتمين بالعمل الدعوي، لكن أحب هنا أن أنبه إلى أمرين أساسيين، أرى أنه لا بد من توافرهما وهما: ضرورة تفعيل الناس في البيئة الدعوية المحلية، وذلك بالإسهام في النشاط الدعوي ماديا ومعنويا دون انتظار العطاء أو الجهد من الآخرين، والعمل على إيجاد أعمال ذاتية في نفس البيئة الدعوية، بحيث يستغني بها العمل الدعوي عن المساعدات المتقطعة. وثانيا: لا بد كذلك من دفع الدعاة إلى تقديم أفكار عملية يمكن من خلالها انتشار العمل الدعوي بتكاليف أقل، خاصة وأن العمل الدعوي يعاني من قلة الإمدادات والإمكانات.