الشباب وأيام المرح والمزاح!!
انتشار وخلق أجواء المرح بين جيل الشباب خاصة في هذه الأيام أيام العيد من الظواهر الإيجابية في مفهومها العام، وهي نقطة حيوية لها تأثيرها الكبير في أفراد المجتمع ككل، وعنصر الفكاهة والمرح في العيد خاصة من العادات التي يتم اكتسابها من التربية، وليس بسبب البنية الوراثية، لذا يمكن أن يكون من اكتسب هذه الصفة قادرا على التأثير بها في الغير، فالشاب المرح خفيف الظل يتمتع في الغالب بمزايا مهمة، يشملها سعة الخيال والإدراك والذكاء والثقة وامتلاك أسلوب الإقناع والتحفيز. الشباب بين المغالاة والتجافي ويتفاوت الشباب في تقييم هذه العادة بين مغالين ومجافين، فحين يرى البعض بأن المرح من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها، يرى آخرون هذا الجانب بعين النفور والاشمئزاز. وعندما ننظر إلى الموضوع من زاوية محايدة نجد فعلا أن المزاح والمرح أمر محبذ في وقته وحينه، فالحياة إذا طغى عليها جانب المزاح والمرح فإنها تفقد بلا شك إحدى مقوماتها الأساسية، وهي التفكر والعمل الجاد والحزن لأجل الغير، وإذا كان الشخص يتعامل مع الغير بأسلوب جاف فإنه يساهم في إحباط وتثبيط من يعيشون حوله ومن يتعاملون معه، فالمزاح والمرح في الجملة أمر مطلوب مع الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية، وهذا ما تؤكده الآثار والنصوص المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم، نذكر منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقا). وإذا ما عرفنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله، وأعظمهم خلقا، وأهداهم رشدا.. كان يمزح مع أهل زمانه؛ كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، أبيضهم وأسودهم.. فما المانع من أن نسلك طريقه ونقتدي بسلوكه، وهذا يكشف خطأ البعض في تصورهم أن الإنسان كلما ازداد إيمانا وتمسك بدينه، لا بد أن يبتعد بقدره عن المزاح، فهل من المعقول أن تكون الوجوه المكفهرة دليل الإيمان، والبشر يعلو وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم بين المرح والمزاح والجد والاجتهاد إن النبي صلى الله عليه وسلم ليضرب المثل الأعلى في الوسطية الحقة في كل شيء فهو العبد القانت لله جل وعلا المخبت له وفي نفس الوقت يقبل على المرح والمزاح بما يزيل تعب النفس ونصبها دون أن يطغى ذلك عليه . ولا أدل على ذلك من احتفاله بالعيد وإذنه للأحباش وهو في المدينة أن يقدموا عروضهم ولعبهم بالحراب على طريقتهم وأسلوبهم في مسجده صلى الله عليه وسلم لينظر إليهم هو أصحابه بل وتنظر إليهم عائشة رضي الله عنها وهي مستندة إلى كتفه عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي لكل مناسبة ما يليق بها في الحدود الشرعية الإسلامية . ومن أمثلة مزاحه صلى الله عليه وسلم هو قوله للعجوز الأشجعية: )يا أشجعية؛ لا تدخل العجوز الجنة). فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والأسود كذلك). فجلسا يبكيان، فرآهما العباس فذكرهما له، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والشيخ كذلك). ثم دعاهم وطيب قلوبهم، وقال: (ينشئهم الله كأحسن ما كانوا) وذكر أنهم يدخلون الجنة شبابا منورين، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة جرد مرد مكحلون) ومن ذلك أيضا أنه صلى الله عليه وسلم استدبر رجلا من ورائه، وأخذه بعضده، وقال: (من يشتري هذا العبد؟) يعني أنه عبد الله. وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة قد ذكرت زوجها: (أهذا الذي في عينيه بياض؟) فقالت: لا ما بعينيه بياض!! وحكت لزوجها، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟ وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عجوزا درداء، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه لا تدخل الجنة عجوز درداء، فبكت، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله؛ إني درداء، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لا تدخلين على حالك هذه. نعم؛ كانت لرسول الله لحظات مزاح مع أهل زمانه، لا يمكن إنكارها. وقد سئل ابن عباس: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح؟ فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله يمزح. بل كان يداعب أصحابه إذا رآهم مغمومين، هذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليسر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة). هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح، يمزح ولا يقول إلا صدقا، يمزح ولا يفحش في الكلام ولا رفث في القول حتى إذا ما أتى وقت الجد وجدته القدوة في ذلك. أفلا يكون في هذا الهدي النبوي قدوة لأولئك الشباب الذين صرفوا أوقاتهم كلها في هذه الأيام للمرح والمزاح دون قيد أو ضابط حتى فرطوا في كثير من أحاكم الشرعية وضوابطها محتجين بأن هذه أيام عيد غافلين عن المنهج الصحيح في المرح والمزاح والذي يضمن للشاب الحفاظ على دينه وأخلاقه .