هذا الشهر لماذا غفل عنه الناس؟
من كرم الله جل وعلا ورحمته بعباده أن وضع لهم مواسم خير ورحمة يتعرضون فيها لنفحات ربهم وتزداد صحيفة أعمالهم وتكثر فيها أجورهم. من هذه المواسم شهر شعبان ذلك الشهر الذي غفل عنه كثير من ا لناس كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ومع غفلة الناس عن هذا الشهر وما صح منه من فضائل إلا أنه في المقابل نسب كثير من الناس بدعا عديدة لهذا الشهر تاركين العمل بما صح عنه صلى الله عليه وسلم. شعبان شهر الصيام شعبان هو اسم للشهر الواقع بين رجب ورمضان وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنه شعب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان، ويجمع على شعبانات وشعابين. والمتتبع للنصوص الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان حريصا على صيامه فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان:رواه الإمام أحمد. هل صام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله؟ ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن إنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان فعائشة رضي الله عنها تقول: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله رواه النسائي والترمذي وفي رواية لأبى داود قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان. وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. مع أن الثابت أنه عليه الصلاة والسلام لم يصم شهرا كاملا إلا رمضان ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان وعنها قالت: ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان. وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان أخرجه البخاري ومسلم. ولكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شبعان ظنتا رضي الله عنهما أنه أكمله أو وصله برمضان وهذا دليل على مدى حرصه عليه الصلاة والسلام على الاستفادة من هذا الشهر المبارك. أيهما أفضل صيام المحرم أو شبعان؟ ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وهذا القول يمكن لو لم يرد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين خلافه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل رواه مسلم. وبذلك يتبين أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر المحرم والظاهر أن بعده شهر شبعان كما يظهر ذلك من تتبع النصوص الشرعية. قال ابن حجر رحمه الله: كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان. لماذا خص النبي صلى الله عليه و سلم شعبان بهذا الصيام؟ الإجابة على هذا السؤال وردت صريحة في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما حيث قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائي فمن هذا الحديث يظهر أن سبب تفضيله صيام شعبان على غيره أمران: الأول: يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان فهو يشير إلى أن الناس قد أصابتهم غفلة عن فضل هذا الشهر واستغلاله بسبب وقوعه بين شهرين فاضلين هما رجب ورمضان فأراد عليه الصلاة والسلام أن يحيي هذا الشهر الذي غفل فيه كثير من الناس. الأمر الثاني: أن هذا الشهر من الأوقات التي تعرض فيه أعمال بني آدم على الله جل وعلا وهو عليه الصلاة والسلام يحب أن تعرض أعماله على الله وهو صائم فلذا حرص على صيامه كما حرص على صيام الاثنين والخميس وعلل ذلك أيضا بكون الأعمال تعرض على الله فيهما. حديث أسامة وفوائد أخرى وحديث أسامة المتقدم فيه عدة فوائد أخرى بالإضافة إلى ما سبق، فهو يدل على أن كون بعض الأزمان يفضل على غيره بشيء من الفضل لا يعني تفضله عليه من جميع الوجوه، والعبرة في ذلك بالنصوص الشرعية، فإذا كان شهر رجب قد فضل على غيره باعتباره من الأشهر الحرم، فليس معنى ذلك تفضله على غيره في كل شيء، فلا شك أن شعبان أفضل منه من ناحية الصيام وهكذا. وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، شهر شبعان كالمقدمة لرمضان ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، قال سلمة بن سهيل كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. قال ابن رجب رحمه الله: صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد عنه.