مع بدء العام الدراسي .. رسالة عاجلة إلى المربين
إن العمل التربوي - على اختلاف مستوياته - ضرورة لا تستغني عنها الأمة الإسلامية، فهو الوسيلة لنقل الأحكام الشرعية من الحيز النظري إلى العمل والتطبيق، ولقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه بأنه مرب فقال هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين والتربية واجب الأب والمعلم والأستاذ، وواجب كل من ولاه الله مسؤولية أحد من الناس، وواجب على مستوى الأمة أجمع. التربية والضوابط الشرعية ولعل من منجزات الصحوة المباركة إيجاد المحاضن التربوية التي أخذت بأيدي شباب الصحوة وناشئتها، وساهمت في حمايتهم من أبواب الشر والفساد. وثمة اعتبارات عدة تؤكد على أن تحاط الجهود التربوية بسياج ضوابط الشرع منها:- أولا:- إن التربية عمل شرعي، وعبادة لله عز وجل، فلابد لها أن تحاط بسياج الشريعة، وتضبط بضوابطها، وإن سلامة المقصد، وحسن النية، ونبل العمل ليست مسوغا أو مبررا لتسور السياج الشرعي وتجاوز الضوابط. ثانيا:- التربية شأنها شأن سائر الوظائف الشرعية الأخرى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحكم بين الناس، الجهاد....) وهذه الوظائف لا يجادل مجادل أنها لابد أن تضبط بالضوابط الشرعية. التربية في الحقيقة قدوة ثالثا: التربية قدوة قبل أن تكون توجيها، وعملا قبل أن تكون قولا، والمربي ينبغي عليه أن يربي الناس بفعله قبل قوله، فحين يجاوز حدود الشرع فكيف سيربي على الورع والتقوى ورعاية حدود الله؟ وهو يرى المخالفة الشرعية ممن يربيه ويقتدي به. بل إنه من خلال عمله هذا يربي من وراءه على الاستهانة بالضوابط الشرعية، ويغرس لديهم الجرأة على ارتكاب الحرمات وتجاوز الحدود. رابعا:- وكما أن المربي ينظر إليه بعين القدوة فهناك عيون أخرى ترقبه وتنظر إليه، فينظر إليه من الخارج باعتباره واحدا ممن يعمل للإسلام، وعمله يمثل السمت والهدي الشرعي، وربما ينظر إليه بعين تبحث عن الخطأ وتفرح به؛ وذلك كله يدعو المربي إلى أن يتقي الله ويتحرى الضوابط الشرعية فيما يأتي ويذر. خامسا:- إن التوفيق والنجاح ليس مرده إلى الجهد البشري وحده، بل قبل ذلك كله توفيق الله وعونه وتأييده؛ وهذا التوفيق له أسباب من أعظمها وأهمها رعاية العبد لحرمات الله، وما أحرى أولئك الذين يتجاوزون الحدود الشرعية بالبعد عن توفيقه سبحانه وتأييده. بعض التجاوزات في العمل التربوي والمتأمل في الساحة الإسلامية يرى أن هناك تجاوزات عدة في ميدان العمل التربوي للضوابط الشرعية تستوجب الوقوف والمراجعة. ولعل أهم أسباب هذه التجاوزات ما يلي:- أولا:- ضعف العلم الشرعي وقلة العناية به، فكثير من العاملين في الساحة الإسلامية يأخذ الجانب العلمي الشرعي مرتبة متأخرة ضمن برامجهم، ولعلنا نتساءل: ماذا قدمت فصائل العمل الإسلامي لأتباعها في ميدان البناء العلمي الشرعي؟ بل إن الأمر تجاوز مجرد إهمال العناية بالعلم الشرعي إلى تهميش دوره والتقليل من شأنه؛ فهو في زعمهم- يشغل عن الدعوة إلى الله وهمومها، أو هو شأن الخاصة والمهتمين، أو أن العناية باستراتجيات الدعوة وقضاياها الفكرية الساخنة أولى وأصدق دلالة على عمق صاحبة!... هذه حجج يواجه بها من يدعو البعض من العاملين للإسلام لإعطاء العلم الشرعي دوره اللائق به ضمن برامجهم الدعوية. ونحن إذ نقول ذلك لا ندعو أيضا إلى أن يكون الجانب العلمي هو وحده الهم الأوحد للدعاة، وأن يهمل ما سواه، ولا إلى أن يكون الدعاة فقهاء ومحدثين ومجتهدين. الغلو والمبالغة وعدم الوسطية ثانيا:- الغلو والمبالغة في دور المربي وواجباته وتعظيم ذلك، وهذا يؤدي إلى نقل كثير من المناهي الشرعية إلى دائرة الضرورة؛ إذ لا تتم التربية إلا بذلك، فهو بحاجة لمعرفة معلومات دقيقة عمن يربيه، والاطلاع على كوامن في نفسه، وإلى أن لا يقف عند حدود الظاهر... وحين يعطى هذا الجانب أكثر من حقه فسيشعر المربي أن الضوابط الشرعية ستقف عائقا دون تأدية أدوار كثيرة فيضطر لتجاوزها. ثالثا:- ضعف الورع والانضباط الشرعي وهو باب بلي به الكثير من الناس في هذا الزمان. ومن يضعف ورعه ويرق دينه ربما تجرأ على ما يعلم علم اليقين أنه محرم، أو تهاون فيما يستريب منه، أو غلبه هواه. رابعا: الإغراق في التنظير والأسباب المادية والغفلة عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى، واستحضار النية، والشعور بأن العمل عبادة لله وحده. ولا نعني أن يهمل الدعاة إلى الله الأخذ بهذه الأسباب فهي مما لابد منه، لكنها ينبغي أن لا تنسينا استحضار النية والعبادة في هذا العمل.