يشتاقون إلى سماع القرآن مع تكذيبهم له!!
كتب الله عز وجل لكتاب من الكتب السماوية حفظا من التبدل وصونا من التغير كما كتب للقرآن الكريم، وحفظ الله للقرآن، من وقت أن نزل به جبريل الأمين على رسولنا الكريم عليهما أفضل الصلوات وأتم التسليمات إلى هذا الوقت وإلى أن تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها، حفظ لغة العرب من الفناء، ويضمن لها البقاء والاستمرار إذ لولا هذا الكتاب الخالد لكانت لغة العرب أثرا من الآثار كغيرها من اللغات وصدق الله العظيم في قوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون القرآن يقع في الصدارة من معجزات خاتم النبيين ويقع القرآن الكريم من معجزات الله لرسولنا محمد-صلى الله عليه وسلم- موقع الصدارة، إذ يعد بلا ريب المعجزة الكبرى له التي عجز الجن والإنس على أن يأتوا بمثله مصداقا لقوله سبحانه قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا يؤكد ذلك أيضا أن الحق تبارك وتعالى تحدى العرب الذي نزل القرآن بينهم وكانوا أهل فصاحة وأرباب أدب وبلاغة. ويذكر أن التحدي في الإعجاز للجميع، لرفع الإشكال، والمعارضة لا تكون لأجل الإعجاز بقدر ما يراد إبراز جماليات القرآن الكريم وبلاغته. المعاندون والشوق إلى سماع القرآن ولم يستطع هؤلاء المعاندون أن يقاوموا إعجابهم بالقرآن، فتشوقت آذانهم لاستماعه ولو خلسة، فخرج أبو سفيان وأبو جهل والأخنس بن شريق، ليلة ليستمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلى من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاقوا، وقال بعضهم لبعض لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض، لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، ثم تعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا ولو لم يتعاهدوا لعادوا. ومن هنا كان اشتمال القرآن للبيان والإعجاز معا في وقت واحد دليلا على صدقه وعالمية رسالته، ولقد كان القرآن وما يزال وافيا بحاجات البشر في الإقناع والتحدي فإنكار إعجازه -على هذا- يعتبر تآمرا على دعوة الإسلام، وعملا رخيصا على انحصار امتدادها، وتجريدا له من سلاحه الهادف الذي زوده الله تعالى به -لا سيما- بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم- بل وإنكارا لما هو واقع ملموس يشهد له العدو والصديق على السواء، والفضل ما شهدت به الأعداء. أئمة الكفر يعترفون بسلطان القرآن على القلوب إن أئمة الكفر أنفسهم شعروا بسلطانه على القلوب وهو القدر المتاح لهم لإدراك إعجازه البياني فقالوا لأتباعهم: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون وذلك خوفا من سريان الروح التي شعر بها الوليد بن المغيرة حين قال: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، وهو نفس الإعجاز الذي أدرك منه عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وجها يناسبه حينما سمع القرآن في بيت أخته، فتهاوى صرح الشرك من قلبه، وشمخ صرح الإيمان في كيانه. وروي عن الطفيل أبي عمرو الدوسي قال: قدمت مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا، لبيبا، فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا (أي أعيانا الحيل في أمره) وقد وفرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمع منه شيئان قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه، حتى أنني جعلت في أذني حين غدوت إلى المسجد كر سفا (أي قطنا من أن يبلغني شيئا من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه...قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، وكنت منه قريبا، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، وما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا، قبلته، وإن كان قبيحا تركته، فسلت حتى انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بيته فاتبعته، حتى دخلت عليه، فقلت يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعت قولا حسنا فأعرض علي أمرك...قال: فعرض علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت، وشهدت شهادة الحق. نسأل الله تعالى أن يثبت في قلوبنا الإيمان، ويجعلنا على ما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.