المعالجون بالرقية .. والمخالفات الشرعية
أصبحت الرقية تحتل مكانة عند العديد من الناس خاصة في الفترة الأخيرة، وهي وإن كانت ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها من الفوائد العظيمة ما لا يمكن لأحد إنكارها، إلا أنها أصبحت بوابة يدخل منها أصحاب الأهواء، حتى أصبح كثير من الناس لا يستطيع أن يميز الرقية المنضبطة بضوابط الشرع، بل يظن بعضهم أن كل من تصدر للعلاج القرآني أنه أهل له، وأن كل ما يفعله جائز، ولذا فإن من اللازم التنبيه إلى بعض المخالفات والملاحظات حتى يتميز الراقي الواقف عند الحدود الشرعية من غيره. التفرغ للرقية وجعلها مصدر رزق أولى هذه الملاحظات هي قيام بعض المعالجين بالتفرغ للرقية، بل وجعلها مصدر رزقه وعمله وكسبه، وهذا أمر لم يفعله أحد من السلف لا من الصحابة ولا من التابعين، وحديث الرقية على قطيع من الغنم الذي يحتج به بعضهم ليس فيه دليل على تصرفهم هذا، لأن هذا الصحابي لم يجعل الرقية مصدر رزقه بحيث يتفرغ لها وإنما جاءت عرضا. تقسم الرقية إلى خاصة وعامة يقوم بعض المعالجين، خاصة أولئك الذين جعلوها مهنة للتكسب، بتقسيم الرقية إلى رقية خاصة ينفرد بها المريض ولا يشاركه فيها أحد، ورقية عامة يشترك فيها عدد من المرضى قد يصلون إلى العشرات، وجعلوا لكل رقية سعرا محددا، وهذا من التلاعب بالمرضى ومحاولة استنزاف أموالهم، وإلا فإن الأصل أن يقرأ الراقي على المريض بمفرده كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الجزم ببعض الغيبيات من الملاحظات التي نراها منتشرة بين بعض المعالجين هي الكلام في بعض الأمور الغيبية والجزم بها، فنراه مثلا يجزم بأن هذا المريض مصاب بالعين مثلا أو بالسحر أو نحو ذلك، بناء على بعض الأسئلة التي يوجهها إليه، وبعضهم يذكر ذلك جزافا ليرى أنه مطلع وعنده علم ودارية. وكل ما يذكره هؤلاء لا دليل يقيني عليه وإنما هو نوع من التخمين، والأولى بالراقي أن يقرأ على المريض دون أن يحدد شيئا، فإن ظهرت له بعض القرائن فيقول قد يكون ذلك عينا، وليس هذا جزما أو نحو ذلك وينسب العلم لله وحده، وأسوأ من ذلك أن يذكر بعضهم صفات الجنس المتلبس به كما يزعم، فإذا قرأ على مريض ولم تظهر عليه علامات المس قال له إن هذا الجني أبكم، ومثل هذه الترهات التي تدل على جهل قائلها وقلة عقل مصدقها، فمن أين علم أن هذا الجني أبكم أو متكلم. سؤال الجن وكثرة الكلام معهم ومن الملاحظات، سؤال الجن المتلبس في حالة تكلمه وكثرة الخوض معه في أمور كثيرة، فتجد بعضهم يسأله عن سبب هذا السحر أو المرض أو نحو ذلك، فيبدأ هذا الجني في الكذب والتلاعب بهم ويوقع الفتن والشحناء والبغضاء بين الناس، بل ربما أدى ذلك إلى طلاق البعض. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجن كذابون، كما في قصة أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال له صدقك وهو كذوب، أي أنه صدقك هذه المرة وهو في الأصل كذوب. الاستعانة بالجن وهذا قد يكون منتشرا عند بعض الراقين على أشكال متعددة، فبعضهم قد يطلب من الجني المتلبس بأحد المرضى أن يساعده في الحالات الأخرى ليعالجها، وبعضهم قد يكون على علاقة أصلا بالجن ويطلب منهم المساعدة، إما في تحديد المرض أو في العلاج أو غير ذلك. وهذا كله منهي عنه كما نبه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. عدم تعليق القلوب بالله إن الواجب على الراقي أن ينبه المرضى الذين يقرأ عليهم إلى أن الشافي هو الله تعالى، وأنه لا يملك من هذا الأمر شيئا لأن كثيرا من المرضى يتعلقون بالأشخاص أكثر من تعلقهم بالله جل وعلا، فإذا غفل الراقي عن تنبيههم لمثل هذا الأمر زاد عندهم هذا التعلق مما يوقعهم في المحرم. المبالغة في الضرب والأذى يبلغ بعض المعالجين بضرب المريض ضربا مبرحا ظنا منه أن هذا يقع على الجن فقط، وقد يكون المريض ليس به شيء أصلا، فيقع الضرب كله عليه، مما يؤدي إلى إيذاء بدنه ونفسه، والواجب أن يتوكل على الله ويكثر من القراءة ولا يستخدم الضرب، وإن اضطر إليه فليكن خفيفا ويلحق بذلك أيضا الخنق والضغط على الأوداج. مطالبة المريض بقراءة ما قد يعجز عنه يقوم بعض الراقين بتحديد برنامج للقراءة يقوم به المريض، وهو لا يستطيعه لكونه مبالغا فيه مما يؤدي بالمريض إلى ترك القراءة واستحواذ اليأس عليه، والناظر في الشريعة الإسلامية يجدها تأمر باليسر والسهولة والواجب على الراقي أن يحرص على أن تكون القراءة بخشوع وتدبر وصادرة من القلب مع استحضار النية. الخلوة بالنساء بدون محرم من الملاحظات أيضا خلوة بعض المعالجين بالنساء أثناء العلاج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم فإن الشيطان ثالثهما ومما يلحق بذلك وضع المعالج يده على المرأة أثناء القراءة عليها، بل ويطلب منها تحديد مكان المرض ليضع يده عليه أثناء القراءة مدعيا أن ذلك يعين على إيذاء الجن ونحو ذلك، وهذا كله مخالف للنصوص الشرعية. هذه بعض المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض المعالجين والتي يجب تجنبها والحذر منها وليعلم أنه كلما كانت الرقية موافقة للشريعة الإسلامية كلما كانت أنفع .