المسلمون في البرتغال بين آثار الماضي وأمل المستقبل
تقع البرتغال غرب قارة أوربا، يحدها من الشمال والشرق إسبانيا، ومن الجنوب والغرب المحيط الأطلنطي، وعاصمتها مدينة لشبونة التاريخية، أما عملتها فتسمىأسكودو، هذا وتبلغ مساحة البرتغال
1641;
1634;
1632;
1640;
1634; كيلو متر مربع يسكنها ما يقارب من عشرة ملايين من البشر.
وقد افتتح المسلمون البرتغال على يد القائد المسلم موسى بن نصير، ثم أكمل ابنه عبد العزيز الفتح من بعده، وتوالت فتوحات المسلمين للبرتغال الحالية، وبنهاية القرن الهجري الأول كانت البرتغال بأكملها تقريبا خاضعة لحكم المسلمين، وهم الذين أطلقوا عليها اسم (برتغال).
ومن الملاحظ أن المسلمين بعد أن أتموا فتح البرتغال هجروا المناطق الجبلية الباردة في الشمال وانحدروا إلى الجنوب الدافئ ذو الأراضي الخصبة والطبيعة الجميلة، فكانت مناطق الشمال المهجورة من المسلمين هي أولى المناطق التي لجأ إليها النصارى واتخذوها مركزا يغيرون منها على المسلمين كما سيأتي.
اشتهرت البرتغال إبان حكم المسلمين بعدد من العلماء
وقد ذكر بعض المؤرخين أن جميع سكان مدن وقرى البرتغال من غير المسلمين كانوا يتحدثون باللغة العربية، ومنهم الإدريسي فقد ذكر أثناء حديثه عن (شلب) أن سكانها والقرى من حولها يتكلمون اللغة العربية.
وقد نبغ من العرب المسلمين الذين سكنوا البرتغال عدد كبير في مختلف العلوم والآداب ومن أشهرهم: ابن بسام الشنتويني المتوفي عام
1633;
1633;
1636;
1639;م، وأبو الوليد الباجي، وابن عمار الشاعر، وأبو القاسم أحمد بن قيسي الذي ولي (شلب) لعبد المؤمن التوحيدي، ومنهم المؤرخ المعروف أبو بكر بن محمد بن إدريس الفارابي العالوسي صاحب كتاب ) الدرة المكنونة في أخبار لشبونة) وكانت لشبونة ومدينة (شلب) في الجزء الجنوبي من البرتغال من أبرز المدن التي ازدهرت في عهد المسلمين آنذاك.
المسلمون وآخر أيامهم
ذكرنا أنه لما فتح المسلمون البرتغال تركوا المناطق الجبلية فلم يسكنوها وهي الواقعة في الشمال وذلك نظرا لوعورتها وبرودتها، وكان ذلك سببا في اجتماع النصارى فيها شيئا فشيئا، ولم يلتفت المسلمون إليهم في بادئ الأمر حتى استفحل أمرهم، وأصبحوا يشكلون قوة خطيرة على المسلمين، وقد جعلوا هذه المناطق مركزا لانطلاقهم في حربهم مع المسلمين لمحاولة استرداد البلاد مرة أخرى، وقد جرت حروب كثيرة بينهم وبين المسلمين حيث كانت الحرب سجالا بين المسلمين والنصارى، إلى أن سقطت لشبونة بيد (الفونسو هنريك) الذي أعلن نفسه ملكا على البرتغال، وذلك في عام
1637;
1636;
1633; هـ /
1633;
1633;
1636;
1639; م. وتبع ذلك سقوط عدد كبير من المدن والقرى، وشيئا فشيئا أصبحت البلاد تسقط في أيدي النصارى حتى كان عام
1638;
1636;
1639;هـ
1633;
1636;
1634;
1641;م حيث كان سقوط شلب التي تعد مركز الجنوب في البرتغال، وهي آخر حصون المسلمين هناك. فأصبح ذلك يمثل نكسة كبيرة للمسلمين في الأندلس الذين استمر وجودهم في تلك البلاد مئات السنين ثم اضطروا للخروج منها بعد ما خسروا آخر معاركهم مع النصارى سكان البلاد.
المسلمون والعودة من جديد
وقد بدأ المسلمون في العدوة من جديد خلال القرن الماضي على شكل هجرات من بلاد كان بعضها مستعمرا من قبل البرتغال مثل موزمبيق من إفريقيا ومن ماكاو ومن جزر (غوا) في الهند ومن تيمور في إندونيسيا ومن غينيا بيساو، ومن بعض البلاد العربية أيضا مثل مصر والمغرب والجزائر وغيرها وكلهم جاؤوها لأغراض متعددة للعمل أو للدراسة أو الهجرة.
وهكذا عاد المسلمون إلى هذه البلاد حاملين معهم عقيدتهم ودينهم الذي بدؤوا بنشره بين سكان تلك البلاد، ولكن ببطء وحذر شديد، فالذين اعتنقوا الإسلام منهم لا زالوا قلة ولكنهم يمثلون اللبنة الأولى في صرح الإسلام المتجدد هناك.
أما باقي المسلمين في البرتغال فهم من المهاجرين الجدد ويبلغ عددهم قرابة ثلاثين ألف مسلم من أعراق مختلفة
الجمعيات الإسلامية والحفاظ على الهوية الإسلامية
استطاع المسلمون في البرتغال إنشاء جمعيات إسلامية لكي يحافظوا على هويتهم، وكانت أول جمعية رسمية في البرتغال الحديثة قد تأسست في مدينة لشبونة عام
1633;
1641;
1638;
1640;م باسم الجماعة الإسلامية للشبونة، وقد كانت في البداية عبارة عن شقة مستأجرة في لشبونة جعلت مقرا للجماعة ومكانا لأداء الصلاة جماعة، وبعد تزايد عدد المسلمين القادمين إلى البرتغال من مستعمراتها السابقة، وبعد مطالبات كثيرة وافقت بلدية لشبونة على منح المسلمين أرضا لبناء مسجد ومركز إسلامي وذلك في عام
1633;
1641;
1639;
1639;م، وهكذا عاد نداء الله أكبر يدوي من فوق مئذنة أول مسجد إسلامي في البرتغال منذ زوال حكم المسلمين عنها منذ أكثر من خمسمائة سنة، حيث افتتح المسجد والمركز الإسلامي عام
1633;
1641;
1640;
1637; م
ويرأس المركز الإسلامي حاليا الشيخ عبد المجيد وكيل وهو في نفس الوقت رئيس الجالية الإسلامية في البرتغال.
مساجد ومدارس دينية للمسلمين
بالإضافة إلى هذا المركز يوجد في البرتغال حاليا مسجدان جامعان وسبعة عشر مصلى معظمهما في العاصمة لشبونة عدا أربعة منها تقع في مدن (كويمبرا) في الوسط و(فيلادوكوندة) في الشمال و(أيفرورا) في الجنوب، و(بورتو) التي تعتبر من أقدم المدن البرتغالية، والتي تنتشر فيها حلقات لتحفيظ القرآن الكريم إضافة إلى وجود فصول لتعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
وفي عام
1633;
1641;
1641;
1637;ن تقريبا أنشئت مدرسة دار العلوم الإسلامية حيث يدرس فيها الآن قريبا من سبعين طالبا وطالبة يقوم على تدريسهم سبعة معلمين وهي تشكل المرحلتين الإعدادية والثانوية.
المسلمون يشاركون في الإعلام
نظرا لأهمية الإعلام وقوة تأثيره على الأفراد والجماعات وإدراك المسلمين هناك لأهمية هذا الأمر، لم يكتفوا بإنشاء المركز الإسلامي والمدرسة، بل دخلوا مجال الإعلام فأصدروا عددا من الدوريات باللغة البرتغالية والعربية منها مجلة (إسلام) الفصلية التي تصدرها الجماعة الإسلامية في لشبونة، ومجلة (القلم)، كما أصدرت الجماعة الإسلامية في (لارانجيروا) مجلة (النور) باللغة البرتغالية عددا كل شهرين.
وما زالت جهود المسلمين هناك للنهوض بأنفسهم وإثبات هويتهم قائمة، فهم لم ينسوا تاريخهم هناك منذ مئات السنين عندما فتح المسلمون هذه البلاد في القرن الهجري الأول والذين غرزوا راية التوحيد لأول مرة هناك، وظل الناس ينعمون بحكم الإسلام العادل قرابة ستة قرون .