جابر بن حيان.. مؤسس علم الكيمياء
نشأ جابر بن حيان في مدينة الكوفة، درس العلم والكيمياء على يد أستاذه الإمام جعفر الصادق، وتوفي عام 815 م. _ منهجه العلمي: اعتمد جابر المنهج العلمي وآمن إيمانا عميقا بأهمية التجارب كسبيل علمي لمعرفة الحقائق، فقام بإدخال الكيمياء إلى المختبر لإجراء التجارب العلمية ومراقبة النتائج وتدوينها، وهو نفسه حدد صفات العلم الحقيقي والعلماء الحقيقيين، إذ يعتمد العلم عنده على التجربة التدريب ويجعل من التدريبات التجارب العلمية شرطا أساسيا للعالم الحق، ويقول من كان دربا، كان عالما حقا، ومن لم يكن دربا لم يكن عالما حقا، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، إن الصانع (العامل في الكيمياء) الدرب يحذق، وغير الدرب يعطل. _ يتفق علماء العصر الحديث على أن جابر بن حيان هو أبو الكيمياء، فقد خلص الدراسات القديمة من الغموض والسرية والرمزية التي كانت سائدة ليؤسس منهجا استقرائيا واستدلاليا، فهو من أكد على استعمال الميزان والمكاييل كشرط ضروري للدقة، بالإضافة إلى استعماله لآلات أخرى مع ذكر وصفها ومكان استخدامها كالمبرد والكور والمنفخ والبوتقة والأمبيق والماشة والأقداح والمستوقد والأتون والراط (الذي يفرغ فيه ما يذاب من الذهب)، وكانت هذه وثبة جريئة واعية لوضع مبادئ هذا العلم وأسس البحث العلمي، يقول:يجب أن تعلم أنا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه، بعد أن امتحناه وجربناه، فما صح أوردناه وما بطل رفضناه، ومما استخرجناه نحن أيضا وقايسناه على هؤلاء القوم. ويزاوج جابر ما بين الفكر والتجربة فيقول:قد عملته بيدي وبعقلي من قبل، وبحثت عنه حتى صح وامتحنته حتى كذب، ثم يعود ليوضح بأن التجربة وحدها لا تصنع عالما، إذ يجب أن يسبقها العلم النظري فيقول:إياك أن تجرب أو تعمل حتى تعلم، ويحق أن تعرف الباب من أوله إلى آخره بجميع تقنيته وعلله، ثم تقصد لتجرب فيكون بالتجربة كمال العلم. آثاره: ترك جابر بن حيان موسوعة علمية ضخمة تقدر بألفي كتاب ومقالة أهمها: نهاية الإتقان، الميزان، التجريد، رسالة في الأفران، الرحمة، الخواص الكبير، وقد ترجم معظمها إلى اللاتينية على يد جرار الكريموني وغيره في القرن الثاني عشر، واعتبرت هذه الكتب من أهم مصادر الدراسات الكيميائية في الشرق والغرب. أدرك أن للسوائل درجات غليان مختلفة وهذا هو أساس التقطير، وكذلك طور عمليات التصعيد (تحويل بعض الأجسام إلى بخار دون المرور بمرحلة الصهر)، وفي عملية التبلر (اتخاذ دقائق بعض الأجسام أشكالا هندسية ثابتة تختلف باختلاف هذه الأجسام)، التكلس ( تحويل بعض الأجسام الجامدة بواسطة الإحراق الذي يجعلها تتفاعل مع أوكسجين الهواء إلى مادة كلسية هي أكسيد الجسم المحترق) إضافة إلى تطويره لعمليات التخمير والترشيح والتشميع والتذويب حضر جابر بن حيان مركبات كيميائية وأحماضا لم تكن معروفة من قبله، فهو أول من اكتشف الصودا الكاوية NAOH ، حمض النتريك أو ماء الفضة أو الماء المحللHNO3 ، حمض الطرطير أو القطرون Acide Tartrique ، حمض الكلورديك أو روح الملح HCL ، حمض النتروهيدروكلوريك أو الماء الملكي (HCL+HNO3 )، أوكسيد الزئبق أو الراسب الأحمر Hg2O، وكلوريد الزئبق أو السليماني HgCL2 ، حمض الكبريتيك H2SO4 ، كربونات البوتاسيوم K2CO3 ، وكربونات الصوديوم Na2CO3 ، وكربونات الرصاص القاعدي PbCO3 ، نترات الفضة أو حجر جهنم AgNO3 ، النشادر NH4O3 ، الإثمد Sb _ ANTIMINE الذي يستخدم اليوم لمزج المعادن وصناعة حروف الطباعة ، الزرنيخ ARSERNIC ، ماء الذهب وهو ملح ناجم عن تفاعل حمض الكلور المتوفر في الماء الملكي مع الذهب ، الكحول CH3OH ، ثاني أوكسيد المنغنيز MnO2 وعرف دوره في إزالة اللونين الأخضر والأزرق من الزجاج إبان صنعه، كما أنه أدخل فصل الذهب عن الفضة بواسطة الحامض وإرجاع المعدن إلى أصله بالأوكسجين، كما أنه عمل في دباغة الجلود وصباغتها وفي صناعة الأقمشة وفي تركيب العطور والأدوية والمواد العازلة التي تجعل من الورق والخشب غير قابلين للاشتعال، كما أنه حضر بعض المواد التي تمنع البلل عن الثياب كأملاح الألمنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الوظائف الهيدروكاربونية، وفي تطوير صناعة الورق (العرب هم أول من صنع الورق من القطن)، وفي صناعة الزجاج والمصابيح والمرايا وزخرفتها، وأوجد طرقا لتعيين عيار الذهب في السبائك والحلي، إضافة إلى تحضيره للعديد من المواد القلوية. خاتمة: من هذه المقتطفات نلاحظ بأن العرب وخاصة جابر بن حيان قد أسسوا علم الكيمياء الذي تطور في العصور الحديثة وخير دليل على ذلك المصطلحات العربية التي ما زالت تستعمل حتى الآن في كل لغات العالم منها: النطرون Natron، البورق Borax، بودرة الطلق TALC، الأمبيق ALAMBIC ، الزرنيخ ARSENIC ، الكحول ALCOHOL، الصابون SAVON ، القلي ALCALI ، الأثمد ANTIMOINE ، شراب SIROP ، الأكسير ELIXIR، وغيرها العديد من المصطلحات ذات الأصل العربي. يعتبر العلماء فضل جابر في الكيمياء كفضل أبقراط في الطب وأرسطو في المنطق، وبالعودة إلى بعض آثاره نتأكد بأن العالم الفرنسي لافوازيه ( 1794) ليس هو مؤسس علم الكيمياء كما يدعي البعض، والمنجزات التي قدمها هذا العالم لم تكن لو لم يرتكز على ما توصل إليه أعلام العرب وعلى رأسهم جابر بن حيان والرازي وغيرهم في علم الكيمياء.