المسجد الأقصى .. تاريخ وذكريات
للمسجد الأقصى مكانة في قلوب المسلمين، كيف لا وهو مسرى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث التقى فيه بالأنبياء جميعا فصلى بهم ركعتين كما ورد ذلك في السير، ثم عرج منه إلى السماء ليخاطبه ربه جل وعلا، ثم هو مع ذلك أولى القبلتين وأحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وإن المسلم إذ يحزنه عدم استطاعته الصلاة في هذا المسجد المبارك ليكاد يقطع قلبه ما يرد إلى أذنيه من أنباء وأخبار عن انتهاك اليهود للحرم الأقصى وسعيهم فيه بالفساد والإفساد، فيعود بذكراه إلى المسلمين الأوائل يوم كانت لهم العزة والغلبة، وكان المسجد الأقصى مكرما بأيديهم لا يمنع من زيارته أحد مهما كانت ديانته، ولعلنا في هذه العجالة نسرد تاريخ المسجد الأقصى سائلين المولى جل وعلا أن يعيده للإسلام والمسلمين. المسجد الأقصى ثاني بيوت الله في الأرض المسجد الأقصى بني قديما في عهد الأنبياء، ولكن بناءه كان بعد بناء المسجد الحرام فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم قال حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد. هذا ويرى الإمام ابن الجوزي والقرطبي وابن حجر أن إبراهيم وسليمان عليهما السلام قد قاما بتجديد بناء المسجد الأقصى وإلا فقد كان موجودا قبلهما وإن كان لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تعيين بنائه. المسجد الأقصى وأنبياء الله ومما لا شك فيه أن المسجد الأقصى كان موجودا من عهد إبراهيم عليه السلام، وكذلك الأنبياء من بعده، كما قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام يخاطب قومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم وقوله تعالى إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم وقوله تعالى بعد ذلك هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين. فالنذر كان لخدمة بيت المقدس ، ولكن جاء المولود أنثى هي مريم عليها السلام ، وكفلها زكريا (عليه السلام) الذي كان القائم على بيت المقدس حينئذ. ثم جاء عيسى ابن مريم عليه السلام وبيت المقدس موجودا على حاله يدل على ذلك ما ثبت من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يبطئ بها، فقال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم. فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب ، فجمع الناس في بيت المقدس ، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف ، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن.. أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.. إلى نهاية الحديث. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى أثناء مقامه بمكة ومنه عرج به إلى السماء كما ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة . ومن المعلوم أن القبائل العربية سكنت بيت المقدس منذ عهد بعيد فقد استوطنها العموريون والآراميون والكنعانيون، وكان اسمها آنذاك يبوس نسبة لليبوسيين وهم بطن من بطون العرب الكنعانيين لذلك تسمى فلسطين: أرض كنعان. ثم بعد ذلك أصبحت في يد الفرس ثم انتقلت إلى الروم وسيمت إيليا . حيث اعتنى به النصارى عناية عظيمة. فتح بيت المقدس فلما كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وانتشرت الفتوحات تم فتح بيت المقدس عام 1633; 1637;هـ وكان من الشروط أن يتم تسليمها لعمر بن الخطاب نفسه فقدم من المدينة ودخلها من الباب الذي دخل منه رسول الله ليلة الإسراء فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد فقرأ في الأولى بسورة ص وسجد فيها والمسلمون معه وفي الثانية بسورة بني إسرائيل ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار فأخذ في نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود حتى إن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة وذلك انتقاما من اليهود لإلقائهم القمامة في المكان الذي صلبوا فيه المصلوب والذي زعموا أنه عيسى عليه السلام فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة، وانسحب الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك. وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود قال لهم إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم أمروا بإزالتها فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها عمر بن الخطاب وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتابه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى. والله أعلم بيت المقدس بين المسلمين والصليبيين فلما كان في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أمر ببناء المسجد الأقصى وتجديده وذلك في الفترة ما بين 1641; 1632;- 1641; 1638; هـ. وقد اعتنى به عناية عظيمة حتى صار من المساجد المشهورة بحسن العمارة ودقتها . بقي المسجد في أيدي المسلمين حتى ضعفت الدولة الإسلامية والأمراء فقدم الصليبيون بجيوشهم فاحتلوا المسجد الأقصى واستولوا على كثير من بلاد المسلمين في الشام، وذلك عام 1636; 1641; 1634;هـ، وظل في أيديهم يعيثون فيه فسادا حتى أصبح صلاح الدين الأيوبي سلطانا على الشام ومصر، فعند ذلك جهز الجيوش الإسلامية وأعلن عزمه على تحرير بلاد المسلمين من الفرنجة واسترداد المسجد الأقصى فخاض مع الفرنجة معارك عديدة وكان النصر فيها بإذن الله عز وجل له على الصليبيين، حتى كانت موقعة حطين تلك المعركة الفاصلة التي كان على إثرها استرداد بيت المقدس فرجع إلى المسلمين في عام 1637; 1640; 1635; هـ بعد أن بقي في أيدي الصليبيين قرابة التسعين عاما، فصلى فيه الملك صلاح الدين ومن معه من جيوش المسلمين ووضع فيه المنبر الذي كان قد أعده السلطان نور الدين زنكي، واستمر توافد المسلمين له حتى تولى الملك الكامل من الأسرة الأيوبية الحكم فحصلت بينه وبين بعض الفرنجة معارك وبينه وبين الأمراء فخاف على ملكه فعقد مع الفرنجة صلحا على أن يسلمهم بيت المقدس في مقابل الكف عن قتاله ومناصرته ضد أعدائه من أمراء الشام وغيرهم، وكانت كارثة حلت بالمسلمين إذ سلم بيت المقدس لهم دون قتال، وقد ظل هذه المرة في أيدي الفرنجة حتى كان الملك الناصر سنة 1638; 1635; 1639;هـ فاسترده منهم ، ثم إنه سلمه لهم مرة ثانية سنة 1638; 1636; 1633;هـ ثم عاد إلى المسلمين سنة 1638; 1636; 1634;هـ على يد الخوارزمية جند الملك نجم الدين أيوب. توافد اليهود على فلسطين واستيلائهم على القدس فلما آل ملك الشام ومصر إلى المماليك دخلت القدس في حوزتهم وذلك عام 1638; 1637; 1633;هـ وظلت بأيديهم إلى أن قامت الدولة العثمانية فدخلت في ملكهم سنة 1641; 1634; 1634;هـ وفي عهد السلطان عبد الحميد كثرت هجرة اليهود إلى فلسطين. ثم جاء الاستعمار الإنجليزي فاستولى على فلسطين وقد استطاع اليهود في عهدهم السيطرة على أكثر الأراضي الفلسطينية سواء عن طريق شراء الأراضي من أهلها أو غير ذلك وقد أبرموا مع الإنجليز بما عرف بوعد بلفور وذلك عام 1633; 1641; 1633; 1639;م والذي كانت خلاصته إعطاء اليهود حق إقامة دولة إسرائيلية في فلسطين. وعند ذلك لم يكتف اليهود بتملك الأراضي بل قاموا بتجميع أنفسهم وتنظيم صفوفهم بمعاونة الإنجليز وتملك الأسلحة والعتاد وبدؤوا بشن حرب شعواء على المسلمين بما عرف بحرب العصابات وقد تظاهر الإنجليز وقتها بعدم مناصرتهم لليهود وبمحاولة إنهاء الصراع بينهم وبين المسلمين كما يدعون فقاموا بمنع المسلمين من القتال ومن تملك الأسلحة ثم قاموا بتقسيم المنطقة بينهم وبين المسلمين، وأصبح أكثر الأراضي بحوزة اليهود كل ذلك تمهيدا لسيطرتهم وإعلان دولتهم. ثم غادر الإنجليز فلسطين بعد أن مكنوا فيها اليهود وسلموهم الكثير من العتاد والسلاح وذلك عام 1633; 1641; 1636; 1640;هـ حيث أعلن اليهود وقتها قيام دولة إسرائيل ليخوض معهم المسلمون معارك عدة انتهت بسيطرة اليهود سيطرة فعلية على دولة فلسطين خاصة عام 1633; 1641; 1638; 1639;م لم يكتف اليهود بالسيطرة على المسجد الأقصى وانتهاك حقوق الإنسان فيه وتشريد الشعب الفلسطيني، بل انتهزوا كل فرصة لانتهاك حرمة المسجد الأقصى سواء كان ذلك بمحاولة هدمه أو إحراقه أو دخوله.