ابن زهـر

تعد أسرة ابن زهر من الأسر العربية المشهورة في الأندلس بالأدب والطب والسياسة والفقه والشعر، يعود نسبها إلى قبيلة عدنان التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى الأندلس، وتميز من هذه الأسرة ستة أطباء تعاقبوا في التربع على عرش الطب العربي في مغرب الدولة الإسلامية من أوائل القرن الحادي عشر حتى أواخر القرن الثالث عشر. عبد الملك بن زهر: عمل في الفقه والأدب والشعر، لكنه اشتهر في العلوم الطبية، وأكثر ما تجلت هذه الشهرة في المشرق العربي بعد توليه رئاسة الطب في بغداد، ثم انتقل إلى مصر فالقيروان إلى أن استقر في الأندلس. زهر بن عبد الملك: ابن السابق، والمعروف بأبي العلاء بن زهر، وأشهر أسمائه اللاتينية ( Abulelizor )، درس الفلسفة والمنطق واشتهر بالطب، وذاع صيته في كل أوروبا، وله مدرسة خرجت العديد من الأطباء، استدعاه المعتمد بن عباد إلى إشبيلية وألحقه ببلاطه، وبعد دخول المرابطين ولاه ابن تاشفين منصب الوزارة. عبد الملك بن أبي العلاء: ابن السابق، والمعروف بأبي مروان بن زهر، ولد في إشبيلية سنة &# 1633;&# 1632;&# 1640;&# 1639;م ويعتبر من أشهر أبناء هذه الأسرة، ويعرف في الغرب باسم ( Avenzoar)، وتوفي في إشبيلية سنة &# 1633;&# 1633;&# 1638;&# 1632; بعد إصابته بورم خبيث حاول معالجته، وراقب تطوره بشجاعة فائقة وصبر، ترك ابنا شاعرا وطبيبا وابنة طبيبة نسائية. آثاره: له في تاريخ الأدب الطبي إضافات مهمة وملاحظات وتجارب هامة، منها: وصفه لأورام المنصف (منصف الصدر)، وخراج التأمور (غشاء ما حول القلب)، وهذه المجموعة من الأمراض لم يصفها أحد من قبله، وهو أول طبيب أشار بعملية شق الحجب، وكذلك شروحه الدقيقة لطرق التغذية الاصطناعية بواسطة أنبوب عبر الفم إلى المعدة مباشرة بحالات عسر البلع وصعوبته، وكذلك في التغذية عبر الجلد أو عبر الشرج. ترك أبو مروان عدة مؤلفات أشهرها (كتاب التيسير في المداواة والتدبير)، ألفه بناء على طلب من ابن رشد الذي كانت تربطه به صداقة وثيقة، انتشر كتابه انتشارا واسعا في القرون الوسطى، ونقل إلى اللاتينية، وبقي يدرس في الجامعات الأوروبية حتى بداية القرن الثامن عشر، ويعتبر من أوائل الكتب التي عرفت الطباعة، (طبع في البندقية سنة &# 1633;&# 1636;&# 1641;&# 1632;م وفي ليدن &# 1633;&# 1637;&# 1635;&# 1633; ثم توالت طباعاته تباعا، وعرف هذا الكتاب في الغرب بأسماء عديدة منها:(Tajassir&# 1644; Teicsir&# 1644; Taysir ). ويلاحظ من خلال إنتاجه الكبيرأنه اتبع منهجا علميا رائدا يعتمد فيه على محاربة الخرافات والأباطيل ومكافحة المنجمين، وكان يعتبر في زمانه مثال الرجل الذي يحطم قيود التقاليد، ويحكم المنطق في تفكيره، ويعتمد في أعماله على التجربة والقياس، لذلك نراه يقدم توصيفا رائعا لكثير من الأمراض الصعبة وخاصة التي تصيب الجهاز العصبي، فقد درس شلول الحنجرة وأمراض الدماغ والشقيقة والصرع والرجفان والاختلاجات والسبات والسكتة وحساسية العظام والأسنان والكسور وأورام النخاع الشوكي واستسقاء الرأس، كما كتب عن معالجة السل والخناق وفقد الصوت، كما أثبت أن الجرب مرض سار ومعد، ووصف الطفيلي المسبب له. ومن آثاره المشهورة أيضا: كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد، كتاب الزينة، كتاب الأغذية، كتاب الجامع في الأشربة والمعجونات، رسالة في علتي البرص والبهق، مقال في علل الكلى. قالوا فيه: وصفه ابن رشد بأنه أعظم طبيب بعد جالينوس، ولوكليرك قال: إن ابن زهر لا تجوز مقارنته إلا بابن سينا والرازي لأنه تفرغ تماما للطب دون سواه، وأوجز سارتون ما قيل في ابن زهر فقال: إنه أعظم طبيب في العالمين الإسلامي والمسيحي، وذلك لثلاث صفات رئيسية: انقطاعه للطب دون غيره من العلوم، وتجرده من قيود التقاليد، واعتماده على دقة الدراسة السريرية في التشخيص والمداواة. أهلته شهرته هذه للاستئثار بالكنية (أبو زهر)، فإذا قيل ابن زهر دون اتباعها باسم أو بكنية أخرى، كان المقصود عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر أبو مروان. أبو بكر محمد بن زهر: ابن السابق والمعروف بالحفيد ابن زهر، ولد وتوفي في إشبيلية، ونال شهرة واسعة في الأندلس والمغرب العربي، كان الطبيب الخاص ليعقوب المنصور الموحدي في مراكش الذي منحه لقب الوزارة، وأجزل له العطايا مما دفع ببعض الحساد إلى دس السم له. له في علوم الطب كتاب (في طب العيون) علما أن شهرته التي حظي بها لا تعود إلى إنجازاته في حقل الطب فقط، إنما إلى شعره ولا سيما موشحاته الرائعة وإلى ثقافته الفقهية واللغوية العميقة، وله الموشح المشهور ( أيها الساقي) الذي انتشر في المشرق والمغرب ومطلعه: أيها الساقي إليك المشتكى وقد دعوناك، وإن لم تسمع ومن موشحاته المغناة: هل تستعاد أيامنا بالخليج وليالينا ومن لطيف شعره في شيخوخته: إني نظرت إلى المرآة، إذ جليت فأنكرت مقلتاي ما رأتا رأيت فيها شييخا لست أعرفه وكنت أعهده، من قبل ذاك فتى كان الغواني يقلن يا أخي، وقد صار الغواني يقلن اليوم يا أبتا ومن آخر أشعاره التي أوصى أن تكتب على قبره: تأمل بحقك يا واقفا ولاحظ مكانا دفعنا إليه تراب الضريح على وجنتي كأني لم أمش يوما عليه أداوي الأنام حذار المنون وها أنا قد صرت رهنا لديه - كما واشتهر من هذه الأسرة العربية العريقة الطبيب أبو محمد عبد الله بن زهر، وأبو مروان عبد الملك، وأبو العلاء محمد.