الرجل النباح

قال أبو الحسن: كان عندنا بالمدينة رجل قد كثر عليه الدين حتى توارى من غرمائه، ولزم منزله، فأتاه غريم عليه شيء يسير، فتلطف حتى وصل إليه فقال له: ما تجعل لي إن أنا دللتك على حيلة تصير بها إلى الظهور والسلامة من غرمائك؟ قال: أقضيك حقك، وأزيدك مما عندي مما تقر به عيني. فتوثق منه بالأيمان، فقال له: غدا قبل الصلاة مر خادمك يكنس بابك وفناءك، ويرش ويبسط على دكانك حصرا، ويضع لك متكأ، ثم اجلس، وكل من يمر عليك ويسلم تنبح له في وجهه، ولا تزيدن على النباح أحدا كائنا من كان، ولو كلمك أحد من أهلك أو خدمك أو من غيرهم أو غيره، حتى تصير إلى الوالي، فإذا كلمك فانبح له؛ وإياك أن تزيده أو غيره على النباح، فإن الوالي إذا أيقن أن ذلك منك جد لم يشك أنه قد عرض لك عارض من مس فيخلي عنك. ففعل، فمر به بعض جيرانه فسلم عليه؛ فنبح في وجهه، ثم مر آخر ففعل مثل ذلك حتى تسامع غرماؤه، فأتاه بعضهم فسلم عليه فلم يزده على النباح، ثم آخر وآخر؛ فتعلقوا به فرفعوه إلى الوالي؛ فسأله الوالي فلم يزده على النباح، فرفعه معهم إلى القاضي فلم يزده على ذلك؛ فأمر بحبسه أياما، وجعل عليه العيون، فملك نفسه وجعل لا ينطق بحرف سوى النباح. فلما رأى القاضي ذلك أمر بإخراجه، ووضع العيون في منزله، وجعل لا ينطق بحرف إلا النباح، فلما تقرر ذلك عند القاضي أمر غرماءه بالكف عنه، وقال: هذا رجل لمم؛ فمكث ما شاء الله تعالى. ثم إن غريمه الذي علمه الحيلة أتاه متقاضيا لعدته، فلما كلمه جعل لا يزيد على النباح! فقال له: ويلك يا فلان! وعلي أيضا! وأنا علمتك هذه الحيلة! فجعل لا يزيده على النباح، فلما يئس منه انصرف غير آمل فيما يطالبه به.