الشيخ الرئيس ابن سينا.. مبدع في مجالات كثيرة

ولد ابن سينا في قرية أفشنة ( في منطقة بخارى ) في عصر كثرت فيه مذاهب الفلسفة والحكمة، ونشأ في بيت عريق بخدمة الدولة،حيث كان والده معتمد الضرائب في خزينة الدولة، فتعهد ابنه باكرا بتعليمه وإحاطته بالمربين لينهل معارف زمانهم. كان الصبي ابن سينا موهوبا ذكيا ذا عقل خصب وذاكرة قوية، فبدت عليه ملامح النبوغ منذ صغره، واتسم بنزعة علمية متقدة، تجلت بقوة الملاحظة والميل إلى الاستقراء، فحفظ القرآن قبل بلوغه عشر سنوات، وشغفه لعلم الطب جعله من أعلامه وهو في السابعة عشرة من عمره. يعتبر ابن سينا من العباقرة الذين قلما تجود بهم الطبيعة، فهو من أعلام جبابرة الفكر بشتى مظاهره، نبغ في الفلسفة وفي الطب، ألف في الفقه واللغة وفي المنطق والنفس والأخلاق، تعمق في الإلهيات والعلوم الماورائية ودرس الطبيعيات والكيمياء والهندسة وعلم طبقات الأرض، كتب في السياسة والاقتصاد، نظم الشعر وفسر القرآن، كتب في الموسيقى وأحسن الضرب على العود، وألف فيها كتابا سماه المدخل إلى صناعة الموسيقى أبدع في الأدب وفي الفلك والأرصاد وكان على وشك بناء مرصد في أصفهان. ورثت البشرية عن ابن سينا تراثا غنيا يفوق تعداده (276 كتابا ) أشهرها: كتاب الإرشادات في المنطق، الشفاء في الحكمة، لسان العرب في اللغة (وهو غير لسان العرب لابن منظور)، كتاب القانون في الطب وهو من أعظم وأشهر كتبه على الإطلاق. فاق ابن سينا من سبقه وأعجز من لحقه، شغل الناس بعبقريته الفذة وإطلاعه الواسع، وما يدل على علو شأنه وتقدير معاصريه له، كثرة الألقاب التي أطلقوها عليه، منها حجة الحق، شرف الملك، الحكيم الوزير، الدستور، حكيم الشرق والغرب، ويبقى أشهرها الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا. عاش أبو علي في عصر اشتد فيه الصراع على الحكم في المنطقة الشرقية من الدولة العباسية ودخل في منازعات الأمراء وتقلبت عليه الأحوال، فتعرض للسجن مرارا وذاق حلو الحياة ومرها، وكان عليه أيضا أن يتحمل ما تجلبه الشهرة من غيرة ومتاعب خاصة، وأنه كان فخورا بنفسه، الأمر الذي أثار عليه غضب المسؤولين ومكيدة الحساد فأصبحت حياته سلسلة من الأحداث المتتالية. انغماسه بالحياة العامة ورحلاته الكثيرة أثرت على نظرياته فكانت فلسفته أقرب إلى الناحية العقلية منها إلى الروحية والتصوفية، وكان للتجربة والقياس مكانا عظيما عنده، فنراه يحارب التنجيم وبعض نواحي الكيمياء بحجج العقل والبرهان، وكان يقدس العقل ويعتبره أعلى قوى الإنسان، وقال بسلطان العقل الذي يتغلب على سلطان النفس، هذا ما نلاحظه بقوله حسبنا ما كتب من شروح لمذاهب القدماء، فقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا، ونراه يخالف أفلاطون وأرسطو وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء، وبالرغم من هذا التقديس للعقل يؤكد ابن سينا محدودية العقل الإنساني وبالتالي حاجة الإنسان إلى القوانين المنطقية، لهذا يعتبر أن المنطق من الأبواب التي يدخل منها إلى الفلسفة كما أنه الموصل إلى الاعتقاد الحق. كتب كثيرا في فضائل الأخلاق ورذائلها مؤكدا على فضائل القوة الشهوية وهي:العفة، القناعة، السخاء، والقوة الغضبية وهي:الشجاعة، الصبر، الحزم، وفضائل القوة النطقية وهي:الحكمة، البيان، وجود الحس، أصالة الرأي، الحزم، الصدق، الرحمة، حسن العهد، التواضع . وهو القائل بأن السعادة القصوى لا تأتي إلا عن طريق العلم، وأفضل الحركات الصلاة، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وتشبع ابن سينا بأعلى القيم الأخلاقية والروحية فنراه يقول في النفس : هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع كذلك قال: هذب النفس بالعلوم لترقى وزر الكل فإن للكل بيت فإن أشرقت فإنك حي وإذا أظلمت فإنك ميت ويضيف: ليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خرابا ويقول في العمل:إن خير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما صدر عن الحكمة، ومعرفة الله أول الأوائل. كثيرا ما كان ابن سينا يعطي من أوقاته لتدبير شؤون الدولة خدمة منه لعامة الناس، ويعبر عن هذا بقوله: عندما تلتقي السلطة بالحكمة، وتخضع السياسة للقيم الأخلاقية وإلى بعد النظر الفلسفي، فيخف عنها القهر ويبتعد الظلم وتعم النعم على البشر، لهذا نراه يجمع ثلاث صفات قلما تجتمع برجل واحد: السياسة والكتابة والصناعة. كان الشيخ الرئيس كثير الحركة غزير الحيوية لا يستقر على حال، يقضي الليالي بطولها ما بين القراءة والكتابة، وعندما تتعقد مسألة معه كان يذهب للمسجد ليعود منشرحا صدره ليستكمل رائعة من روائعه. تمتاز مؤلفاته إجمالا بالوضوح في البيان والدقة العملية وحسن التبويب والتصنيف ما يثير في النفس الإعجاب والتقدير، ويعتبر من أعظم أطباء الحضارة العربية الإسلامية، ومؤلفاته الطبية جعلته من عباقرة التاريخ الخالدين، وكتاب القانون في الطب أكبر موسوعة طبية وصلت إلينا من القرون الوسطى دون فيه معارف القدماء والمعاصرين إضافة إلى تجاربه وآرائه حتى استغنى الأطباء به عن أي كتاب آخر، وقد فاق القانون كتب جالينوس وأبقراط لذلك اعتمدت دراسته في جميع كليات الطب في الجامعات الأوروبية حتى مطلع العصر الحديث ونجده كثيرا ما ينافس من سبقه مرددا: وأما الحكيم الفاضل جالينوس قد قال ونحن نقول . يقول مايرهوف أن أهمية هذا الكتاب تتضح من شدة الطلب عليه، الأمر الذي جعل طبعاته وترجماته متتالية، ويقول أوسلرOSLER : إن كتاب القانون عاش مدة أطول من أي كتاب آخر ككتاب مقدس أوحد في الطب. يشتمل كتاب القانون على خمسة كتب: الأول مخصص للعلوم الكلية من علم الطب، ويبحث في وظائف الأعضاء وعلم تصنيف الأمراض وعلم الأمراض والأمزجة والأخلاط وأسباب الأمراض بصفة عامة من جهة النبض والهضم وتدبير الصحة ومبادئ المعالجات : حمامات، مسهلات الكتاب الثاني خاص بالأدوية المفردة، وهو قسمان الأول درس دقيق في ماهية الدواء: صفاته، مفعوله، طريقة حفظه، مع بيانات تشرح أثر كل دواء في كل عضو، والقسم الثاني يحتوي على المفردات الطبية نفسها مرتبة ترتيبا أبجديا. الكتاب الثالث يهتم بالأمراض الموضعية لكل عضو بشكل منفصل، ومصنفة من شعر الرأس حتى أخمص القدم . الكتاب الرابع يدرس الأمراض التي تصيب الجسم عامة ولا تختص بعضو واحد مثل: الحميات، السموم، القروح، الأورام، الجذام، الكسور، وخصص بابا فيه للزينة. وأخيرا وضع ابن سينا في الكتاب الخامس من القانون الأدوية المركبة أو الأقرباذين، وشرح فيه كيفية تركيبها وكيف يمكن للصيدلي أن يصنعها، وحدد فيه خمسة مقاييس غير التأثيرات العلاجية يجب أن تؤخذ بالحسبان أثناء تصنيع الدواء، وهي: سرعة استحالته وبطؤها، سرعة جموده وبطؤها، طعم الدواء، رائحته، لونه. لخص ابن سينا كتاب القانون في قالب شعري بكتاب آخر سماه (الأرجوزة في الطب) يشمل على 1329 بيتا هي بمثابة دستور للطب بكافة أقسامه، ويشغل القسم الخاص بالأدوية على الأبيات من رقم 997 إلى 1119 وقد ترجمت هذه الأرجوزة وأخذت اهتماما واسعا. طبع كتاب القانون في القرن الخامس عشر 16 مرة وفي القرن السادس عشر 20 مرة، وبقي يدرس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر وفي الشرق الإسلامي حتى القرن التاسع عشر، وأكثر ما يثير قارئ القانون المنهجية التي اعتمدها ابن سينا في كتابه، فنراه يبدأ بتشريح العضو، يذكر العضلات والعظام واحدا واحدا تماما كما هي معروفة اليوم، ثم يتكلم عن وظيفة العضو وكيفية وقايته من الأمراض وأخيرا يذكر الأمراض التي تصيبه فيتحدث عن أسبابها وطرق الاستدلال عليها وكيفية علاجها. في علم التشريح لم يترك عضوا إلا وتكلم عنه حتى عن تشريح الأسنان، وفي كلامه عن الأعصاب والعضلات يتناول أعصاب الوجه والجبهة والمقلة والجفن واللسان والشفة فضلا عن أعصاب النخاع الشوكي والصدر. اهتم ابن سينا كثيرا بفحص البول ويؤكد على قوامه، رائحته، صفاته، كدرته، زبده، رواسبه، مقداره، كذلك إلى لون البراز وقوامه ورائحته ولونه، وأعطى للنبض عناية خاصة واعتبر أن له أهمية شديدة بالتشخيص وقال أن له توازنا موسيقيا. يعتبر ابن سينا أول من وصف مرض الفيلاريا داء الفيل انتشاره وطرق علاجه، وهو أول من وصف داء الجمرة الخبيثة وقال أنها تنتقل بالماء والتراب، وأيضا هو أول من وصف مرض دودة الأنكلوستوما وسماها كما تعرف اليوم بالدودة المستديرة. علل الميول الشاذة عند بعض الأشخاص، وتكلم عن الخنثى وأوصى فيها بقطع العضو الضعيف الخفي. كشف ابن سينا قبل ألف عام وبدقة متناهية السرطان ووصفه بأنه الورم الذي ينتقل من عضو إلى عضو، وحدد السبيل لعلاجه يكون بالجراحة المبكرة في أطوار الورم الأولى، وأوصى بأن الاستئصال يجب أن يكون واسعا وعميقا وكبيرا، وأن يعقم الطبيب حواف المنطقة الباقية بعد الاستئصال بالكي، ويقول: مع هذا فإن الشفاء منه ليس أكيدا. برع بدراسة أحوال العقم وتحدث عن أسبابه العضوية منها والنفسية وذكر أن إحدى مسبباته عدم التوافق النفسي والجنسي بين الزوجين. عالج ابن سينا منذ عشرة قرون داء الصرع وبعض الأمراض العصبية والعقلية بما يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية، وذلك بواسطة نوع من السمك يعرف بالرعاد، حيث يوضع في الماء شريطان من المعدن، ويمسك بهما المريض، فيحدث هذا النوع من السمك أثناء حركته الفجائية نوع من الموجات تؤدي إلى رعشة تصيب المريض مما يجعله لا يقوى على مسك الشريطين مدة طويلة، فيلقي بهما أرضا ومن خلال عدد من الجلسات يحدث لديه الشفاء. يبدع الشيخ الرئيس في وصف الأمراض وتبويبها، من ناحية أعراضها وعلاماتها وعلاجها، فيصف القرحة الدرنية السلية والتهاب السحايا البدئي والثانوي وأنواع الحميات المختلفة وفي تصلب الرقبة وسرطان الكبد وسرطان الثدي عند النساء وأمراض الغدد وأحيانا كثيرة يصعب إضافة أي جديد على وصفه رغم تقدم الزمن ووسائل التشخيص والعلاج، وأكثر ما تتجلى عبقريته قدرته على التشخيص التفريقي للأمراض المتقاربة في أعراضها، فمثلا يميز بين التهاب الحجاب الحاجز وذات الجنب وذات الرئة والتهاب السحايا، وما بين حصى المثانة وحصى الكلية ويفصل بين المغص ( الكولنج ) المعوي والمراري والكلوي، أو ما بين الشلل النصفي واللقوة والشلل التالي لسبب محيطي أو بسبب مركزي في الدماغ، وكذلك ما بين السكتة الدماغية واحتقان الدماغ وما بين الصرع ونوبات الهستيريا وشرح لألم العصب مثلث التوائم . أما في السل الرئوي فنراه يفصل الكلام عن مراحله الثلاث في جسم الإنسان قبل هذه السنين بدون توفر أجهزة التصوير والأشعة وما ذكره لا يختلف عما تذكره كتب اليوم، كما أنه يوصي لعلاجه بمواد مأخوذة من التربنتين والعفص والجوز لأن هذه الأدوية الثلاثة مضادة للسل وقد كانت لفترة قريبة، بل وحتى اليوم متداولة بين الناس . أورد ابن سينا ما يزيد عن سبعمائة وستين دواء في كتابه، مع طرق تحضيرها واستعمالها مرفقة بملاحظاته الشخصية عليها، ولا تزال معظم هذه الأدوية تحتفظ باسمها العربي حتى الآن، منها: المسك، العنبر، الكافور، الصندل، الزعفران، الحشيش، . التزم ابن سينا في كل مؤلفاته بالاتجاه العلمي السليم القائم على تقديم اليقين على الظن والتجربة على الخيال، وابتعد عن البحث في الأمور الغيبية وتتجلى هذه الاتجاهات خاصة عندما يشرح مرض المالينخوليا الذي كان ينسبه البعض إلى قوى غيبية أو إلى الجن. ويعتبر أبو علي ابن سينا المبتكر الأول للتحليل النفسي والعلاج النفساني الذي يقول بالتلقين والإيحاء وله نوادر طبية رائعة جدا في هذا الاختصاص من الطب. يرى ابن سينا أن وضع الطبيب وحالته المعنوية أمام مريضه هامة جدا وتترك أثرا عظيما في شفاء المرض فيقول:ينبغي على الطبيب أن يكون دائما مبشرا بالصحة، فان للعوارض النفسانية تأثيرات عظيمة. كما أوصى بالرضاعة من الأم لأنها أفضل غذاء للطفل، وبحال تعذر ذلك لأي سبب يوصي بأن يعهد الطفل إلى مرضعة أخرى، ويصل به الأمر بمطالبة الدولة أن تشرع قوانين تلزم الرضاعة من الأم. اعتبر أن الرياضة إحدى الأركان الهامة لسلامة الصحة، ومن الغريب فعلا أن نجد شرحا لمختلف أنواع الرياضات التي تناسب الإنسان في كافة مراحل حياته مع تأكيد على الأثر الجيد الذي تتركه الرياضة في الوضع النفسي وفي الحياة الروحية، وكان يحض دائما على الالتزام بقواعد حفظ الصحة والوقاية ويفضلها على العلاج الدوائي، وإذا أمكن تدبير بعض الحالات بواسطة الأغذية فلا داعي للجوء إلى الأدوية، ويوصي بشرب مياه الينابيع لأنها الأفضل للصحة. لا بد من الإشارة إلى لغز يحير الباحثين في شخصية هذا العالم العملاق وحياته الخاصة، وهو التوفيق بين فلسفته وإلهياته، وبين تصوفه وخمرياته، وكيف أنه يوصي الناس أحيانا بأمر ما لا يلتزم هو به، حيث يقال بأن ابن سينا لم يعرف الاعتدال في حياته، بالقدر الذي كان مفرطا به في التنقيب والكتابة والإبداع، كان بنفس النسبة مفرطا بمواصلة النساء ومخالطا في الطعام ومكثرا من الشراب مع العلم بأنه هو القائل: ثلاث هن من شرك الحمام وداعية الصحيح إلى السقام دوام مدامة ودوام وطء وإدخال الطعام على الطعام هكذا نرى من خلال شيخنا الكبير وغيره من أعلام العرب أنهم حملوا الشعلة بعدما التقطوها مطفأة من العصور السالفة، فأوقدوا نارها، ونفخوا فيها من روحهم لتشع وتشيد بمجد الحضارة الإنسانية. اهتم العلماء المعاصرون في الشرق والغرب بتحقيق كتب ابن سينا ونشرها، فوضعوا الدراسات عنها وأقاموا المهرجانات والندوات إحياء لذكراه الألف، إن كان في الدول العربية أو في إيران وتركيا وأوزبكستان أو في منظمة اليونسكو كذلك في بعض الدول الأوروبية والأمريكية، إضافة إلى الفاتيكان الذي أسهم بتخليد ذكراه بأن فتح مكتباته أمام الفيلسوف المصري محمود الخضيري لمدة عام كامل للإطلاع على آثار ابن سينا العربية منها واللاتينية، هذا ولم تزل جامعة باريس، وعرفانا منها بالجميل، تحتفظ بصورتين كبيرتين في قاعتها الكبرى، واحدة لابن سينا والأخرى للرازي، كذلك هو الحال في الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومؤخرا وأثناء ترميم مكتبة بودليين الأثرية في مدينة اكسفورد وبعدما أزيل طلاء قديم عن جدار إحدى القاعات، تبين للمهندسين وجود ثلاث صور كانت تزين الجدار، اثنتان لأرسطو وأفلاطون والثالثة لابن سينا . ابن سينا ذاك العملاق الذي تخاطفته الأمم وتسابقت في نسبته إليها، كان صنيع عصره وبيئته، فهو قمة من قمم الثقافة العربية الإسلامية، أدى رسالته في الشرق كما في الغرب، وشغل الأذهان في العصور الوسطى كما في الحديثة، ولسوف يذكر دائما وأبدا في طليعة علماء العالم الذين مهدوا الطريق أمام مسيرة العلم والمعرفة، وهو بلا ريب حلقة هامة من حلقات تاريخ الفكر الإنساني. خاتمة: صحيح أن ابن سينا تمتع بذكاء وقاد، لكن الصحيح أيضا أنه حظي مبكرا بمحيط أنعش ذكاءه وساعد على تنمية عبقريته، وأن إمكانيات المعرفة والإطلاع مع التربية الواعية كانت متوفرة له، فقضى عمره في البحث والتنقيب لإسعاد البشرية وتطورها، فلتكن سيرته دعوة للالتزام بخصال الجد والاجتهاد الحق في سبيل تقدم المعرفة الإنسانية ولرفع رواسب الجهل والكسل، أيضا فلتشكل ذكراه صحوة للأولياء (أهل ومسؤولين) بأن يولوا العناية اللازمة برجال الغد، وأن يوفروا لهم البيئة الصالحة والقوانين المنفتحة لتنمو عقولهم بالاتجاه الصحيح، لكي يفجروا طاقاتهم، إن كان داخل البيوت أو في أروقة المدارس والجامعات، لتزيدهم تبصرا بتراثهم الفكري والحضاري، ولفهم القدرة على استلهام واكتشاف هذا التراث وبالتالي العمل على تطويره، لكي نكتشف ابن سينا في كل جيل لأنه حتما موجود..