تقدم ثلاثة من طلاب الأستاذ الفيلسوف، وقالوا له على استحياء: تعلمنا الكثير منك، وحفظنا كل الكتب، واستوعبنا الكثير من الأفكار، غير أننا لا نزال نحتاج إلى مزيد من المعرفة والعلم. أدرك الفيلسوف بحدسه وخبرته في الحياة أن تلامذته تعلموا أن يقرؤوا الحروف فقط، دون أن يعوا ما تعني كلماتها، لذلك فهم بحاجة إلى الانتقال من المعرفة العلمية المجردة إلى المعرفة في الواقع وفي الحياة اليومية، وأمرهم إذا كانوا جادين فعلا في زيادة المعرفة بأن يلجوا الأسواق، وفي أي قرية يفضلون، ولكن شريطة أن لا يتكلموا مع كائن من كان لمدة ستة أشهر.. فقط عليهم ملاحظة الناس وما يفعلون وما يقولون وما يلبسون وكيف يتصرفون. الناس مذاهب عاد إليه التلاميذ، فقال لهم هاتوا ما تعلمتموه في هذه الأشهر الستة التي قضيتموها في وسط الحياة الحقيقية وبين الناس، بعيدا عن حيطان المدارس وأبراج التعليم المحصنة النقية. أجابه التلميذ الأول: لقد وجدت الناس في كل قرية زرتها هم نفس الناس يشترون البضائع التي يحتاجونها، ويتحدثون إلى أصدقائهم نفس الهيئة وذات عمليات البيع و الشراء، الحوارات عينها في كل مكان، فعلمت أن كل الأشياء هي نفسها في كل مكان لا يوجد فيها تغيير ولا تبديل. أما الثاني فقال إنني ألفيت الناس في الأسواق أكثر حركة ونشاطا، فهناك الغادون وهناك العائدون، ورأيت أن أهم ما يبيعون ويشترون هو الطعام وأساسيات الحياة، وأدركت من خلال ذلك بساطة حياة الناس. لم أتعلم شيئا!! أما الثالث فقال: رأيت ما رآه أصحابي في السوق، غير أني لم أدرك ما أدركوه، ولم أعلم ما علموه، فطوال الوقت كنت أسأل نفسي من أين جاء هؤلاء الناس، وإلى أين يذهبون؟ ما هي مشاعرهم؟ هل فعلا كانوا مسرورين أو أن الحزن طحن حياتهم؟ وهل أصبحوا على ما أمسوا عليه أم أن ثمة جديدا ينتظرهم؟ من أين جاءت بضائعهم وهل هم يربحون؟ ماذا يفعلون بما لديهم من نقود وهل هي لهم؟ وكان لدي الكثير من الأسئلة، ولكني ممنوع من الحديث معهم، لذلك أشعر بأني لم أتعلم شيئا من هذه التجربة. أجابه المعلم الكبير: أنت الوحيد الذي تعلمت، فقد عرفت كم هو مهم أن تعرف ما ذا يريد الناس وماذا يفكرون؟ أنت تبحث عن المعرفة. اذهب واسأل ما تريد، اسأل واسمع لتتكشف لك الكثير من أسرار الحياة، فكل إنسان تسأله سيغني رصيدك من المعرفة، ويطلعك على أمر جديد في هذه الحياة، فالإنسان الذي يتساءل دائما وينصت للآخرين تكون الحياة أمامه دائما، وأمام كل سؤال يطرحه سيعرف ما كان يجهله.