التدريب مـن أجــل التوظيـــف..كيف؟!
يشهد المجتمع اليوم تحولا لم يسبق له مثيل في حجمه وسرعته، وهو تغيير يؤثر في كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فالعولمة المتزايدة، والتطور التقني السريع، خصوصا فــي مجال المعلومات والاتصالات خلــق سوقــا دولية شديدة المنافسة. لقد ظهر مصطلح إمكانية التوظيف كعبارة رنانة مضادة لقلق الوظيفة.. فهل هي مجرد مسكن لتهدئة الطلب علــى المزيد والأفضل مــن الوظائف، أم أنها أداة لاستعادة التوظيف الكامل وتحقيق المساواة؟ إن الإجابة تعتمد على النهج المتبع لدعم إمكانية التوظيف وعلى نمط السياسات الاقتصادية والاجتماعية وسياسات العمل وممارساته التي تمكنه من أن يتبلور إلى فرص توظيف حقيقية. ومن الممكن تعريف إمكانية التوظيف بأنها الفرصة والقدرة المتزايدة لبناء المهارات والقدرات البناءة التي تمكن الناس من إيجاد وخلق وإثراء وتغيير الوظائف، والحصول على مكاسب شخصية واقتصادية واجتماعية ومهنية عادلة في المقابل.. ولكل فرد، يعني ذلك إمكانات معززة للتحولات الناجحة أثناء الحياة العملية. أما بالنسبة للمؤسسات فيعني إيجاد قوة العمل الكفؤة والمؤهلة والملتزمة التي تحتاجها لتبقى قادرة على المنافسة ونامية ومربحة. وباختصار، فإن إمكانية التوظيف تدفع الأفراد والمؤسسات والحكومة والمجتمع عموما إلى تقييم الناس والاستثمار كما ونوعا في تدريب وتطوير الإمكانات البشرية، والاستخدام المفيد لهذه الإمكانات. إن الأفراد هم المهندسون الرئيسون المسؤولون عن تحقيق كفاءتهم الخاصة. ورغم ذلك، فإن الأفراد لن يستثمروا في تدريبهم الخاص إلا وفقا لمؤشرات وحوافز سوق العمل. ولذلك يحتاج الأفراد للحصول على مصدر تدريب متنوع ومعلومات وخدمات توجيه ودعم مالي واعتراف بقيمة المهارات وتوثيق رسمي وغير رسمي للكفاءات، وأهم من ذلك كله احتمالات فرص ودخل جيد. لكن الاتجاهات الحالية، بما في ذلك عمليات إعادة التنظيم الصناعي، وتفكيك نظم سوق العمل، وتغير متطلبات المهارات، أصبحت تؤدي إلى تآكل استقرار ونوعية الوظائف. لذلك أصبح التدريب عنصرا حاسما في تحديث المهارات أو إعدادها للتعبئة في وضع آخر. ولم يعد التعليم حدثا يتم مرة واحدة في بداية الحياة العملية، بل أصبح عملية مستمرة مدى الحياة. وهذا بدوره يتطلب إصلاحا عاجلا لنظم التدريب الوطنية. ويتعلق الأمر بثلاث قضايا رئيسة: إقامة نظم تدريب مرنة ومستمرة لمواجهة احتياجات سوق العمل المتغيرة، وضمان الوصول العادل إلى فرص التدريب، وتعبئة المزيد من الاستثمارات لصالح التعليم والتدريب. إن المؤهلات المطلوبة الآن في عالم العمل تتطلب مزيجا من المعرفة العامة والمهارات التخصصية -التقنية، وهي معارف ومهارات ضاربة الجذور في أساس معقول من القيم والمواقف والمواهب. والتدريب المهني والأساسي ينبغي أن يركز على المهارات والقدرات الأساسية التي تسهل الوصول لسلسلة واسعة من الاهتمامات ومزيد من قابلية التدريب بواسطة المؤسسات. وهذه القدرات الأساسية تتكون من العديد من المهارات: فنية، وتقنية ومعلوماتية واجتماعية، وفكرية وشخصية ومؤسساتية. لكن ليت كل قطاعات المجتمع تصل إلى مصادر التدريب، وعليها أن تفعل ذلك. فخلق طبقة دنيا من الأشخاص المعزولين اجتماعيا أو الهامشيين سيؤدي حتما إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويعوق قيام بيئة عمل صحية، وعلى المؤسسات الصغيرة أن تمنح دعما تفضيليا يشمل الخدمات عبر قنوات اتصال صغيرة وكبيرة، وعبر منظمات العاملين وروابط المؤسسات. لكن التدريب وحده لا يمكنه التغلب على البطالة الهائلة وانخفاض الأجور. ولدعم إمكانيات التوظيف والفرص العادلة للجميع، يجب أن يصبح التدريب جزءا وقسما من مجموعة شاملة من إجراءات أوسع نطاقا تستهدف إيجاد وتوسيع التوظيف وتحسين نوعيته. وينبغي النظر للتدريب كاستثمار أكثر من كونه مجرد صرف، ولابد من الترويج لآثاره الإيجابية على نطاق أوسع. ومن أجل إيجابية التدريب لا بد من تفعيل أفضل لكل المصادر الفنية والمادية والمالية المتاحة، وهذا يفترض تسويقا فعالا للتدريب. ونظم التدريب يجب أن تكون مرهونة بالطلب، وتعتمد على تفاعل قوي بين التعليم والتدريب وعالم العمل الحقيقي. والشراكة لها أهمية كبيرة -أي إيجاد أدوار متكاملة للحكومة والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص في مجال التدريب ما قبل التوظيف والتدريب المتكرر. وعلى الحكومة توفير البيئة المناسبة والحوافز الصحيحة للمؤسسات لتلتقط القفاز، وتخطط إلي أبعد من احتياجاتها الآنية. وباختصار، فإن الهدف هو إيجاد مجتمع معرفة المستقبل -وهي ثقافة تعليم تشمل الحكومة والمؤسسات والأفراد وأصحاب المصلحة الآخرين. ولابد من ترسيخ وإدراك قيمة المنافسة، والاعتداد بالتعليم وجرأة وإقدام المؤسسات لأخذ زمام الريادة والمبادرة.