تعلم استخدام الحاسب: دعوة للحاق بركب التقدم!
في مطلع الفصل الدراسي الحالي سألت الطالبات كم واحدة تملك أو يوجد في منزلها جهاز حاسب، فكان عددهن لا يتجاوز 20? من العدد الكلي، وأتبعت ذلك بسؤال آخر كم واحدة تملك أو يوجد في منزلها هاتف جوال؟ كانت الإجابة 100? قلت لهن ما رأيكن في فكرة للاستثمار المجدي خصوصا وأنتن على وشك التخرج؟ إذا باعت إحداكن الجوال واشترت بقيمته جهاز حاسب وطابعة وحضرت دورة مجانية في الجامعة فإنها حتما ستسترجع الجوال خلال عام واحد فقط! وذات مرة سألت إحدى طالباتي المنتسبات وبهدف التعرف عن مدى إمكانيتها لتعليم نفسها متطلبات المادة التي أدرسها إياها وهو استخدام برنامج إكسل أو ما يناظره في حل التمارين الخاصة بأساليب بحوث العمليات: هل لديك جهاز حاسب في البيت؟ أجابت بنعم. سألتها: ما هي أوجه استخدامك له؟ تلعثمت بعض الشيء وقالت: في الحقيقة لا أستخدمه أنا ولكني أعرف تشغيله فقط وتشغيل بعض الألعاب ليتسلى بها ولدي. وأصابتني حال من الشفقة عليها وقلت لها: وأنت؟ قالت: لا وقت لدي فهناك الكثير من المواد التي يجب علي مذاكرتها. وعدت أسألها بإلحاح: ولكن متى ستتعلمين استخدام الحاسب؟ ألا تدركين أنه ضروري لحصولك على وظيفة بل قد تكون معرفتك الجيدة باستخدامه أهم من حصولك على الدرجة العلمية. قالت وكأنها تطيب خاطري: أعدك بأن أتعلم استخدام الحاسب بعد التخرج! يتكرر هذا الحوار مع الكثير من طالباتي المنتسبات بل ويتجاوزه إلى المنتظمات. ولأزيدكم من الشعر بيتا لاحظت أن خريجات قسم الرياضيات يتخرجن وهن لا يعلمن شيئا عن استخدام الحاسب ولا أملك لهن إلا الحث والنصح وإرشادهن إلى الجهات التي تعقد دورات مجانية أو بمقابل ليلحقن بالركب. وكثيرا ما عرضت على الطالبات تعليم بعضهن مقابل درجات تشجيعية. وفي سبيل حث الطالبة على الإلمام باستخدام الحاسب بلغ الحد بأحد أعضاء هيئة التدريس في القسم أن يمنح الطالبة درجات تشجيعية في المادة التي يدرسها لهن عبر الشبكة المغلقة إن هي حضرت دورة في برنامج مايكروسوفت أوفيس واجتازتها بنجاح. هذه أمثلة لجهود فردية تعكس محاولات عضو هيئة التدريس في تغيير أولويات الطلاب والتي تظهر أن أولوياته في واد والعالم من حوله في واد آخر، ولا يفكر في تغيير أولوياته إلا حين تصطدم آماله على صخرة الواقع وهو يبحث عن عمل عقب تخرجه. إذا أدركنا أن المعرفة باستخدام الحاسب ستكون الحد الفاصل بين التقدم والتخلف في القرن القادم وذلك على مستوى الشعوب والدول. أعتقد أننا كمجتمع قطاع عام وقطاع خاص وأفراد بحاجة إلى مضاعفة الجهد وتوجيهه وجهة سليمة نحو محو أمية العصر وهي الجهل باستخدام الحاسب. نحن بحاجة إلى حملة توعية شاملة ومخلصة بعيدة عن التهريج التجاري. كلنا يعلم أن أجهزة الحاسب وبرامجه تتقادم بسرعة جنونية تفوق جنون الموضة ودور الأزياء. إذن من غير المجدي شراء الأجهزة وتأثيث المعامل ثم إغلاق الأبواب عليها خشية عليها من الخراب وحرصا على العهدة التي وقع الموظف المسؤول باستلامها، هذا بالنسبة لمعامل القطاع الحكومي. أما بالنسبة للقطاع الخاص فقد تظل المعامل مغلقة بانتظام المتدرب القادر على دفع الرسوم المحددة سلفا وبطريقة تقديرية. بل قد رأيت أجهزة مغلقا عليها في المستودعات! إن مصلحة المجتمع والاستخدام الأمثل لهذه الموارد سريعة التقادم يقتضي تشغيلها على مدار الساعة. لماذا لا تفتح المؤسسات التعليمية والتدريبية معاملها من الساعة السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة مساء. وتقدم دوراتها بأسعار متفاوتة حسب الوقت وشدة الطلب عليه. فدورات الصباح الباكر وما بين الظهر والعصر تكون أرخص بكثير من دورات ما بعد صلاة المغرب أو دورات الساعة العاشرة صباحا. هذا بالنسبة للمعاهد التدريبية. كذلك بإمكان هذه المعاهد التعاون مع المؤسسات التعليمية وتقديم دورات بأسعار رمزية لطلبة المدارس الثانوية الذين لا تتوفر في مدارسهم معامل. ليس من السهل تحريك أو إنشاء معامل في كل مدرسة في فترة وجيزة من الزمن ولكن من السهل فتح أبواب المعامل الموجودة وتسهيل عملية حضور الطالب إليها. يجب أن تخرج مؤسسات التعليم الحكومية من سياسة الباب المغلق والقائم على التنافس عن طريق التفوق الفردي. وعلى سبيل المثال، بإمكان مديري مدارس الحي الواحد أو الأحياء المتقاربة وضع جدول يسمح لطلبة مدارسهم باستخدام معمل واحد، بدلا من أن تسعى كل مدرسة للحصول على معمل خاص بها يظل مغلقا معظم الوقت ويستخدم للتباهي أمام الزوار ليس أكثر. المدارس الخاصة أيضا بإمكانها تأجير استخدام معاملها بتكلفة رمزية لتلك المدارس التي حولها وليس لديها إمكانية إنشاء معامل حاسب سواء كانت خاصة أو حكومية. الطلبة أيضا لهم دور في المساهمة فهناك طلبة متقدمون على غيرهم في المعرفة بتشغيل الحاسب بحكم وعي بيئتهم في المنزل حيث أخذت على عاتقها مسؤولية تدريب أبنائها. هؤلاء الطلبة يمكن تكليفهم بمساعدة المدرب في تدريب زملائهم، ولحثهم وتشجيعهم إعطاؤهم درجات لتعليمهم عددا معينا من زملائهم أو حتى بمقابل مادي زمزي حسب ما تراه إدارة المدرسة مناسبا ومقبولا اجتماعيا في المنطقة. أتوقع حدوث كثير من المشاكل، كثير من العطل وكثير من الصيانة ولكن علينا أن ندرك: أن هذه الأجهزة للتعلم وعطلها جزء من العملية التعليمية للمتدرب. ونجاح إدارات المدارس والمعاهد في التعاون دليل على قدرات أفرادها على العمل الجماعي والذي هو من أساسيات الإدارة الحديثة. إن هذا التعاون جزء من المسؤولية الاجتماعية لكل منظمة تحرص على الاستمرار وتحقيق الربحية على المدى الطويل. وأخيرا لتكن لنا قدوة حسنة في قائد ومرشد البشرية نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام حين جعل فدية كل أسير تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.