القرار الإداري:غلطة الشاطر بعشرة

من المعروف لدى المتخصصين في علم الإدارة أن صلب العملية الإدارية يتمثل في كيفية صنع القرار الإداري. وبالتالي فإنه من الضروري أن تكون هنالك مجموعة من العوامل المؤثرة في صنع هذا القرار بدءا من التعيين المناسب للموظف المختص، ومرورا بالسياسة الواضحة للعمل مهما كان حجمه أو طبيعته والغاية المرجوة منه، سواء كان ذلك دعما لوضع قائم أو تعديلا له أو حتى إلغاءه، ومدى تحقق الآثار المترتبة على صنعه. مهما تنوعت طبيعة العمل الإداري. وبطبيعة الحال يجب أن لانغفل أمرا ألا وهو مدى معرفة فريق العمل بأهمية الخدمات التي يؤدونها وحاجة المنتفعين من خدمات المنشأة أو الدائرة الحكومية، وهذا لايأتي إلا بإيجاد الوسائل المادية والمعنوية التي تهيئ المناخ الجيد لأداء العمل على الوجه المطلوب. وشعور الموظف بوجوده أمام زملائه، وفي أعين رؤسائه، وليس بالضرورة وجود المكافأة المالية المتواصلة على كل مايتم إنجازه. بقدر مايجب أن يكون هنالك تواصل بين القائد الإداري وموظفيه من وقت لآخر، حتى يتم إيجاد نوع من التنشيط والتحفيز لمواصلة الإنتاج بروح معنوية مرتفعة متميزة بالمسؤولية والجماعية في تحمل تبعات صنع القرار إيجابا وسلبا. وقد يقول القارئ الكريم إنني بالغت في رسم الصورة الواجب توافرها في بيئة العمل، ولكن من ينظر في الخطط المرسومة لمختلف أنماط الإدارة يجدها تؤكد ضرورة إيجاد الكفاءات المؤهلة للقيام بالعمل، ورسم السياسة الواضحة المعالم لآلية أداء العمل، ووضع الاستراتيجية التي تتوافق مع الإمكانات المتاحة التي تحقق الأهداف المرجوة من وجود المرفق أو الجهة الإدارية. ولكن الواقع الذي نعايشه في كثير من المواقع الإدارية التي تتميز بتقديم خدماتها لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع تعاني وجود خلل واضح سواء في الهيكل العام أو في توزيع المهام والمناصب أو في تفويض الصلاحيات. وبالتالي نجد أن الكثير من المنتسبين لهذه المواقع الإدارية يقضون وقتا طويلا في تحليل هذه العشوائية واستنكارها ما يتسبب في هدر الكثير من الجهد والوقت وضياع المصلحة العامة. ولن يتم تصحيح هذا الوضع الذي يغرس الانهزامية لدى الموظفين حتى يصل ببعضهم إلى كراهية العمل الذي يؤدونه، وبالتالي تتولد لديهم الرغبة في عدم الإنجاز. فيتأثر العمل وتبدأ الحروب النفسية الداخلية تتفجر وينعكس ذلك على كيفية استقبال العاملين للمراجعين وعدم تحقيق الحد الأدنى من مستوى الجودة المطلوبة لإنجاز العمل. وقد يصل الوضع إلى فقدان التعاون البناء بين الإدارات والأقسام ذات العلاقة ـ بإنجاز عمل ما ـ فتذوب المصلحة العامة تحت مظلة الاجتهادات الشخصية الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على سمعة المرفق والقائمين عليه. وإذا كان الوضع بهذا المستوى فإنه لامحالة يستوجب التغيير في نقاط الضعف بغية تلافي السلبية وتحسين مستوى الأداء، وبالرغم من كون المرافق الإدارية تتفاوت في أهميتها حسب احتياج أفراد المجتمع لها ومدى تأثرهم المباشر بمستوى الخدمة المقدمة، لذلك فإن الاستشهاد بالنشاط الرياضي ـ كما يحلو لبعضهم ـ يدفعنا إلى تصور القرارات الإدارية التي تصدر من الجهات المسؤولة عن تصحيح الأوضاع مثلما يتم في حال خسارة منتخب أو فريق رياضي لبطولة كروية هامة، الأمر الذي يؤدي إلى الاستغناء عن المدرب أو المسؤول الإداري إذا لم يبذل الجهد اللازم لتهيئة الجو المناسب، وتوفير روح الانسجام بين المدرب واللاعبين. وهذا بلا شك ينطبق على المنتسبين للعملية الإدارية مهما كان موقعها وأهدافها وبالأخص كلما اقترب الموظف من المساهمة في صنع القرار. أملي أن يكون المسؤول واعيا بدرجة تحقق آمال العاملين بالمرفق وتطلعاتهم، وليس هذا فحسب، بل والمنتفعين من الخدمة التي يقدمها هذا المرفق، كما هو الحال لدى جماهير الفريق الرياضي عندما يصابون بخيبة آمالهم في تحقيق الفوز. مع التأكيد بوجود التفاوت الكبير والبون الشاسع بين مرفق وآخر وأن لكل مرفق ظروفه ومهامه وإمكاناته. إن إعادة ترتيب أوراقنا الإدارية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ومنح الصلاحية التي تؤهله للقيام بأعباء وظيفته خير قيام، مع وضوح الرؤية في كيفية تحقيق الهدف المنشود لإنجاز المهام المطلوبة في الوقت المحدد وبكفاءة عالية يساهم بشكل كبير في الحصول على تقبل المستفيدين من خدمات هذا المرفق للسلبيات التي قد تحدث نتيجة اتخاذ قرار تصحيح الأوضاع؛ لأنه بمرور الوقت ـ قد لايكون طويلا ـ تبرز الإيجابية المرجوة من التغيير في تقليص السلبية المتراكمة جراء إساءة استعمال السلطة في العهد القديم لتضمحل الاجتهادات الشخصية، ويسير العمل وفق منهجية إدارية عملية تفرض نفسها فتلقى القبول والاستحسان. ختاما: إن هذا الواقع معايش في أكثر من مكان، والتغيير في ظل هذا العصر للحاق بركب النضج في الفكر الإداري الحديث يعتبر أحد العوامل المساعدة على الإنجاز بكفاءة عالية مع تخفيض تكاليف أداء العمل، وهو ما قد يعتبر ظاهرة صحية يجب أن تأخذ دورتها الزمنية اللازمة حتى تجد القبول من المنتسبين لهذا المرفق، بل ومن المنتفعين من خدماته.