من وحي الهجرة النبوية: التخطيط

لعل من أهم أحداث الإسلام- إن لم يكن أهمها على الإطلاق- حدث الهجرة النبوية العظيمة ولذا فقد اعتمد بداية للتأريخ الإسلامي، وثمة زاوية من الحدث جديرة بالتأمل ألا وهي روعة التخطيط التي أعقبها التنفيذ لهذا الأمر الجلل. فابتداء حدد النبي صلى الله عليه وسلم مرافقه ومن سيحل محله تمويها ثم يؤدي ما عنده من أمانات. ثم أكمل أبوبكر رضي الله عنه مسيرة التخطيط بشراء الراحلتين والعناية الفائقة بهما في وقت مبكر ورسم دور محدد لكل المشاركين، فأسماء تحضر الزاد وغلام أبي بكر يأتي بالأخبار ويمحو الآثار والدليل قد اتفق معه في وقت محدد بعد مراحل العملية التي تبتدئ بخروج الرسول ص من بيته إلى بيت أبي بكر ومنه إلى غار ثور لثلاثة أيام ثم مواصلة الرحلة في طريق غير مسلوك رسم مسبقا وبدقة بالغة. إن ما سبق له دلالته الواضحة على أهمية الاستعداد والتخطيط وهي رسالة لنا جميعا مؤداها أن نتلافى- قدر الإمكان- القرارات اللحظية التي تشبه الوجبات السريعة والتي كثيرا ما أدت إلى نتائج غير جيدة، وقد يترتب عليها آثار واسعة قد يصعب تلافيها مستقبلا وقد كان بالإمكان ألا تحدث أصلا. وعند الحديث عن القرارات فلا يتبادر إلى الذهن أن الحديث عن القرارات الإدارية فقط، وهي وإن كانت المقصودة بالدرجة الأولى نظرا لأهميتها ولسعة دائرة تأثيرها والمتأثرين بها لكن الدائرة أوسع وتبدأ من قرارات الفرد لنفسه وأسلوب حياته وإدارته لعائلته وبيته. إن المتفحص لمجتمعنا وطريقة معيشتنا لا يفوته ملاحظة أن الكثير منا يدير حياته ارتجالا دون تخطيط وتبصر، ودون محاولة استكناه ما يترتب على هذا القرار أو ذاك من نتائج قد تكون مؤثرة في بقية حياته، ويمكن للراصد أن يبدأ من طريقة اختيارنا لنوع السيارة التي نركبها، واختيارنا لتخصصاتنا الدراسية ثم طريقة اختيارنا وتنفيذنا لتصاميم مساكننا وهكذا دواليك. ولعل الظاهرة تكون أكثر وضوحا ودلالة حينما تجد الفرد منا يغير رأيه في بعض شؤونه المصيرية بسبب نقاش قد لا يجاوز الساعة أو نصف الساعة، وهاكم دلالة أخرى: فحين يريد الكثير منا تقرير تخصصه الدراسي وبالتالي مسيرته بقية حياته- بحول الله- فإنك تفاجأ أن القلة القليلة النادرة هي تلك التي تبدأ في وقت مبكر بدراسة كافة الخيارات المتاحة ومشاورة أهل الرأي والخبرة وجمع المعلومات الكافية ثم اتخاذ القرار. ولا غرو إذن أن تجد الكثير منا يندم على مثل هذا القرار المصيري بعد مضي أشهر أو سنوات معدودة وإذا كان هذا سلوكنا في حياتنا الخاصة الصغيرة ففي غيرها مما هو أهم وأكبر منها من باب أولى.