التنقل بين الوظائف ..هل للمال دور؟!

تشتكي كثير من المؤسسات والشركات من كثرة انتقال موظفيها وتركهم العمل للالتحاق بوظائف في مؤسسات أخرى، وأحيانا تشكل هذه الظاهرة مشكلة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالموظفين أو العمال الأكفاء المؤهلين أو من تلقوا تدريبا خاصا. مجلة هيومان ريزورسز (المصادر البشرية) الأمريكية نشرت في عددها لشهر ديسمبر الماضي تحقيقا عن ظاهرة انتقال الموظفين من مكان عمل إلى آخر والأسباب والدوافع التي وراء هذه الظاهرة. وتشير الدراسة إلى أنه على الرغم من أهمية الجانب المادي في المسألة إلا أن المال وحده ليس سببا كافيا لدفع العمال الموهوبين للانتقال. فقد أجرت شركة روبرت هالف إنترناشونال الأمريكية استفتاء شمل ألف شركة من الشركات التي تستوعب أعدادا كبيرة من العاملين وسألت 150 من كبار المديرين بعضهم متخصصون في شؤون الأفراد عن السبب الذي يجعل الموظفين يتركون وظائفهم. وذكر ?41 من هؤلاء أن السبب الرئيس هو الاعتقاد بأن فرص التقدم الوظيفي محدودة، بينما أشار 25? إلى عدم التقدير وذهب 15? ممن شملهم الاستبيان إلى أن المال هو السبب الرئيس. يقول لاين تايلور مدير الأبحاث في شركة روبرت هالف في كاليف: التقدير والثناء من الأمور الحيوية، بل أهم من الراتب والمخصصات. فالشركات التي لا تفتح الطريق أمام مستخدميها وتفشل في تشجيعهم وترقيتهم من الداخل ستخسر لصالح المؤسسات التي تفعل ذلك، خصوصا في سوق عمل قوية. ومن المهم أن يمهد المخدومون هذا الطريق في وقت مبكر ومع عملية التعيين. وبمجرد أن يتسلم الموظف العمل وجب على الشركة أن تفي بوعودها، وذلك يتطلب منها أن تكون على اتصال منتظم بالموظفين للتأكد من أنهم يحصلون على ما وعدوا به في مرحلة التعيين. ويشير (تايلور) إلى أن نسبة الـ 15? من العمال الذين جاءوا للوظيفة بدافع المال لا يمكن تجاهلها، لكن المهم أن المال ليس المحرك للناس في سوق العمل. ويضيف: إذا لم يكن الناس سعداء برؤية ضوء في نهاية النفق، فإنك لن تستطيع تحريكهم بالتلويح بالمال أمام عيونهم. ويقول خبراء التوظيف المتمرسون إنه إذا كان المال هو الدافع الوحيد الذي يجعل شخصا ما يغير مكان عمله فإن مثل هذا الشخص يصبح مخاطرة بالنسبة للشركة لأن أي مستخدم آخر أكثر ثراء يستطيع جذب هذا الشخص وإغراءه. وبرغم ذلك، يقول صائدو الكفاءات إنه في بعض المجالات مثل المحاسبة حيث توجد خمس وظائف لكل مرشح واحد، فإن المال هو السيد.. يقول كين لوري أحد مسؤولي التوظيف في نيوجيرسي إن المحاسبين والمراجعين تجذبهم مؤسسات أخرى بزيادات في الراتب تصل إلى25?، لكنهم سرعان ما يتطلعون لأكثر من ذلك، ولذلك نجدهم يتنقلون كثيرا وأحيانا يغيرون مكان عملهم كل ستة أشهر. ويعتقد تايلور رئيس إحدى شركات التوظيف في (هوستن) أن السببين الذين يدفعان الناس للتغيير هما المال وفرص الترقية. ويقول خبراء التوظيف إن سوق العمل في الولايات المتحدة لم يكن نشطا كما هو عليه اليوم، خصوصا في مجالات مثل تقنية المعلومات والشؤون المالية والطب. فهناك الكثير من الوظائف المتاحة للمرشحين، وهناك بعض الكفاءات التي تغير وظائفها خوفا من أن يصبحوا متخلفين فنيا ومهنيا. وبرغم المؤشرات التي تفيد أن ظاهرة الانتقال من وظيفة إلى أخرى تتزايد، فإن دراسة أجرتها شركة واكسون وايت العالمية للاستشارات الإدارية أشارت إلى أن متوسط مدة الوظيفة في الشركات المتوسطة والكبيرة كان 13.4 سنة خلال الفترة من 95 إلى 1997م بالمقارنة مع 12.6 سنة 90 إلى 1992م. وقد بنيت هذه النتائج على دراسة سجلات مليون عامل في 59 شركة. لكن هذه الدراسة نفسها تضمنت تفاصيل تشير إلى أن عددا كبيرا ممن شملتهم الدراسة لا يفكرون في البقاء في وظيفتهم حتى النهاية. ويقول أحد المختصين إن هؤلاء يعتقدون أن الولاء ينبغي أن يقوم على الاستحقاق وليس على طول مدة الخدمة، ولدى هؤلاء شعور بأنهم مسؤولون عن حياتهم العملية وإدراك بأن العالم يتغير وأن عليهم أن يعدوا أنفسهم للمستقبل، ولذلك فهم يتطلعون لمزيد من المسؤولية والعلاقات المتكافئة والتدريب. وهم يفضلون المؤسسات ذات التنظيم الرأسي مع خطوط تفاهم غير رسمية. ووجود فرصة تدريب يعد حافزا كبيرا لمثل هؤلاء العمال لتغيير وظائفهم.. يقول بول ماكدونالد المدير الإقليمي لشركة (روبرت هالف) في غرب الولايات المتحدة إن الأفراد يحتاجون إلى التدريب ليشعروا بأنهم جاهزون للانتقال للمستوى التالي ليس فقط من حيث مسمى الوظيفة بل من منظور التطور الداخلي. ويضيف ماكدونالد: هؤلاء يشعرون بأن عليك الاستثمار في نفسك، ويجب أن تعود عليك وظيفتك بمكاسب غير المال، إننا نلاحظ أن مرشحينا يبحثون عن مخدمين يعدونهم بتطوير مهاراتهم في نهاية اليوم أو الشهر أو السنة. إحدى المديرات تصف تجربتها الشخصية في اختيار الوظيفة قائلة: عندما قررت الانضمام للشركة التي أعمل بها لم يكن المال عاملا رئيسا.. فقد كنت معنية أكثر بأن أجد السعادة في عملي.. وكان هذا يعني إيجاد شركة تتمتع بالثقافة المناسبة. فقد كنت أريد مكانا أتقدم فيه ولا أختنق وأكون مؤثرة فيه، وأقيم فيه علاقات تساعدني على تطوير شخصيتي المهنية. إن أسباب الانتقال من مكان عمل إلى آخر كثيرة ومتنوعة وتتباين من بيئة إلى أخرى. فتوقف تطور الشخصية المهنية وانعدام الدعم والتقدير المعنوي، والسفر المتكرر، والخلافات الشخصية مع الإدارة، وأخيرا المكافأة المالية كلها أسباب تجعل الناس يتنقلون من موقع عمل إلى آخر. وهذه الأسباب توجب على المخدمين الانتباه في اختيار الموظفين إذ عليهم من خلال المعاينة والمقابلة التي تتم قبل التوظيف محاولة معرفة ما إذا كان الشخص المتقدم للوظيفة ينوي الاستمرار فيها أم أنه مستعد دائما للرحيل. وتصبح هذه المشكلة أكثر حدة في سوق عمل نشط تزداد فيه المنافسة على الكفاءات.