كيفية تنمية عادة القراءة

عندما نتحدث عن التحصيل العلمي أو الثقافي، تبرز أمامنا القراءة، كمفتاح لذلك كله. فقد كانت القراءة دائما هي الباب الواسع الذي يلج منه الإنسان إلى ميدان المعرفة الفسيح بكل ما فيه من علم أو أدب أو فن. إن تعلم القراءة وإتقانها في السنوات الأولى من التعليم العام يلعب دورا أساسيا في تنمية الميول إلى القراءة الحرة كنشاط ذاتي يندفع إليه الإنسان: طالبا أو موظفا، صغيرا أم كبيرا، رجلا أم امرأة.. على سبيل العادة الحاكمة، لا يتخلى عنها ويتشبث بها كالهواء يتنفسه أو الماء يشربه! ومن الملحوظات الجديرة بالاهتمام، أن هذه العادة لم تتمكن إلا في نفوس القلة من أبناء المجتمع في الدول النامية. وإذا لم يكن لدينا إحصاء موثق لهذه الظاهرة، ذو دلالة قاطعة، فإننا نجد أمامنا بعض القرائن، تؤكد هذه الملحوظات. فالمكتبات العامة -حيث وجدت- روادها عدد قليل، والعناية بالمكتبة المنزلية لا تمثل إلا حالات فردية، وقلة ما يطبع من الكتب النافعة المفيدة والمؤثرة شكوى مزمنة للمعنيين بشؤون الكتاب الثقافي. على أن الأحاديث التي تدور بين المتعلمين، وما يرصد منها في نهاية الأسبوع، تكاد تخلو من طرح القضايا الثقافية والعلمية، بل إن طرح مثل هذه الموضوعات، قد يصيب البعض بالامتعاض الشديد، نراه مرتسما على الوجوه، أو تصدع به الشفاه، بشكل يدعو إلى الحزن أو الرثاء! البداية يجب أن تكون في البيت، حيث يألف الطفل الكتاب، ويرى أمامه من يقرأ الكتاب.. فالوالد الذي يحمل إلى أبنائه كتابا أو مجلة تناسب أعمارهم، ويغريهم بقراءتها، ويساعدهم على تفهم ما يقرأون، ويجعل لهم جائزة على ذلك إنما يجعل منهم قراء ممتازين. وعندما يجد هؤلاء المتعة والفائدة- لأنهم يتعرفون على هذا العالم البهيج الذي يزخر بالمعلومات والأخبار والطرائف والحكايات المشوقة- فإن سلوكهم يتأثر تأثرا بالغا بذلك، ويتجه إلى الخير والبناء. والمدرسة حيث يصنع الرجال، وتشكل العقول والأخلاق هي حلقة أساسية في سلسلة متكاملة تحكم الميل الإيجابي للقراءة. فإذا أردنا أن نحبب القراءة للناشئة فعلينا أن نزود المدرسة بالكتاب النافع المفيد، وأن نجعل زيارة المكتبة جزءا من العملية التعليمية. إن دعوة التلاميذ لتلخيص ما يقرأون، أو إعطاء نبذة شفهية عنه، كأسلوب من أساليب التعبير وإجراء المسابقات الثقافية التي تدور حول كتاب معين أو مجموعة من الكتب، أو كتابة مقال لمجلة الحائط، كل ذلك مما يبعث التنافس بين التلاميذ، ويكشف عن قدراتهم، فتطرب نفوسهم لكلمات الثناء والشكر، وتهتز أيديهم فرحا بالجوائز، فالتشجيع يفعل في النفس فعلا عميقا يمتد أثره إلى سنوات طويلة، هاديا وباعثا على الإجادة والتميز! إن مهمة توفير الكتاب بالسعر المعقول الذي يستطيعه رب الأسرة، هي مهمة ناشري الكتب. فالكتاب، والإبداعات الحديثة منه خاصة، مرتفعة الثمن. وهناك محاولات محدودة، أقنعت بعض الناشرين بإصدار طبعات رخيصة من الكتب العلمية والثقافية بأسعار معقولة، حتى تصل إلى أكبر عدد من القراء، تأكيدا لحق الإنسان في الغذاء الثقافي. وأما معارض الكتاب فهي فرصة لترويجه وعرضه والتعريف بالجديد منه، لما تضعه من كم هائل من الكتب والمطبوعات في مكان واحد. يسهل ارتياده. كما أن الخصم الذي اعتادت دور النشر أن تجعله على المشتريات، يغري طلاب المعرفة على شراء ما يحتاجون إليه. البلديات التي تخطط الأحياء الجديدة، وتفسح مكانا للسوق والحديقة.. تفعل خيرا لو أنها خصصت مكانا لمكتبة، حتى لو لم تجد مالا كافيا لإقامتها، فقد تجد محسنا محبا للثقافة يبني صرحا للعلم يبقى صدقة جارية له بإذن الله. من الكتب النادرة في المكتبة العربية، كتب الهوايات للناشئة، حيث تقدم لهم أفكارا علمية قابلة للتطبيق، مما يوفر الخبرة والمتعة، بهذه التقنية البسيطة، وهي تبرز من بين أصابعهم وعقولهم. وهذا يقودنا إلى ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي ندرة النوادي العلمية في المجتمعات النامية. لقد كرست قلة التجارب العلمية التي يمارسها التلاميذ في المدرسة انطباعا نظريا نحو العلوم، بينما في حقيقة الأمر أن المعركة الحضارية قد كسبت فعلا في المعامل ومراكز البحث. إن المجتمع بكافة فئاته ومؤسساته عليه أن يتبنى الوسائل والأنشطة التي تشجع على القراءة، وطبع النفوس عليها. فهناك دور لكل إنسان عليه أن يؤديه في هذا المضمار. فالقراءة تتجول بك في ردهات الزمن، وتأخذك إلى آفاق المستقبل، وتضع يدك على أسباب التقدم الإنساني، الذي تنعم بإنجازاته، وتضيف إلى عمرك أعمارا أخرى، وتغلق عليك كثيرا من أبواب الشر التي تستنزف العقل والبدن.. فهلا قرأت!