الموظف بين التكليف والمبادرة:آفاق واسعة من الإبداع

ربما يكتفي الموظف بشكل عام بالتكليف الموكل إليه من مرؤوسيه في تصريف واجباته الوظيفية، ذلك لأن طبيعة الوظيفة قد تفرض هذا التصرف،فطالما أنه يوجد رئيس ومرؤوس فإن الموظف يفضل في أحيان كثيرة أن يبقى في دائرة التكليف التي يعتقد أنها تشكل أمانا له ضد أخطائه أو تخلصا من لوم رؤسائه وتحميله المسؤولية من قبلهم. أما القيام بالمبادرة فهو خصوصية قد تتوافر لدى بعض الموظفين ولا تكون عامة فيهم، والموظف الذي يرقى إلى المبادرة في تصريف واجباته هو ذلك الذي يتمتع بصفات وميزات تؤهله ليكون مبادرا لا ينتظر التكليف حتى يحقق أهداف الشركة أو المؤسسة التي يتبع إليها حكومية كانت أو خاصة. ولاشك أن المبادرة تنطلق من الشعور بالأمانة والمسؤولية ثم القيام بها على الوجه الصحيح الذي يرضي الله عز وجل أولا ثم يرضي أصحاب الشأن ثانيا. هذا بالنسبة للفرد أما على مستوى الجماعة فذلك وضع آخر إذ يدخل عامل جديد هنا هو دور الرؤساء والمسؤولين في زرع روح المبادرة في دواخل موظفيهم وتشجيعهم على ممارستها حتى يتم الاستفادة من العناصر التي تملك هذه الروح أصلا، لكنها تحجم عن تفعيلها. وقد طرحنا عددا من الأسئلة المحددة حول هذا الموضوع على عدد من المديرين وها نحن نعالج هذه القضية من خلال إجاباتهم التي تنم عن فهم وإدراك للمسؤولية الملقاة على عاتقهم وعن التزامهم بخدمة الشركة والارتقاء بخدماتها إلى المستوى المطلوب بعد هذه التغييرات الجديدة التي طرأت عليها. إدراك قيمة العمل لقد أفسحت الوسائل التقنية الحديثة لنا المجال للتعرف على حضارات وأفكار غيرنا من الأمم المتقدمة فأخذنا منها ما يناسبنا في كل مجال، وكان من ذلك استخدام علوم واصطلاحات جديدة تتناسب مع المرحلة التي نعيشها في تحديث حياتنا ومن هذه الاصطلاحات مثلا اصطلاح (الفريق الواحد) الذي يشكل سلوكا عمليا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عند الأمم المتحضرة وهو ما يعني اعتماد العمل الجماعي في كل شيء، ولم يغب هذا المفهوم عن مسؤولينا في الشركة، حيث أشار إليه أحد المديرين عند إجابته على سؤال طرحناه وطلبنا فيه من الإخوة المسؤولين أن يبينوا دور الموظف في التأقلم مع المتغيرات الجديدة في الشركة فأجاب بأن ذلك الدور يظهر من خلال مستوى الخدمة المقدمة بكفاءة عالية والعمل بروح الفريق الواحد وأضاف ردا على الجزء الثاني من السؤال عن المبادرة وهل لها دور في تحقيق التغيير: إن للمبادرة دورا كبيرا لأنها تحقق حلولا قد تخفى عن أعين الكثيرين لمشكلة معينة على أننا نرى في إجابة ثانية أن ما قاله المسؤول حول السؤال نفسه كلام جيد يدل على فهم ووعي إذ قال: يجب على الموظف أن يدرك قيمة عمله الذي يؤديه في المؤسسة التي ينتمي إليها لكي يتأقلم مع المتغيرات الجديدة التي تشهدها الشركة، وأن يرسخ انتماءه لهذه المؤسسة ويشعر بأنه جزء منها وأن ارتقاءها هو ارتقاء له وأن مبادرة الموظف لاتباع أساليب العمل المقررة من قبل الشركة يمثل الخطوة الأولى في طريق الارتقاء والتطور. وقد رأى آخر أن دور الموظف في التأقلم مع المتغيرات الجديدة يتم عند توفر قـدر من المرونة عند الموظفين يساعدهم على الانتقال إلى المرحلة الجديدة. ويقول آخر: يجب أن يكون الموظف مستعدا وجاهزا لمسايرة كل جديد، وبعكس ذلك يرى أحد المديرين أن الموظف غالبا لا يرغب بالتغيير وعلى الشركة أن تهيئ البيئة الملائمة لهذا التغيير قبل أن تطلب من موظفيها التأقلم معه. تقديم طروحات مختلفة طرحنا سؤلا حول المبادرة وطلبنا تعريفا لها فأجاب الإخوة المشاركون إجابات دقيقة وقال بعضهم كلاما مهما، وهذا الشق من السؤال الثاني هو أحد محوري قضية العدد، لذلك فإن الأجوبة حوله مهمة للقضية. يرى أحد المشاركين أن المبادرة هي البدء برؤى ثاقبة تصدر عن شخص متأكد من أنها ستتبلور في أذهان المهتمين بها وستنتقل إلى رحلة التطبيق. وهذا كلام جيد فقوله هي البدء برؤية ثاقبة دليل على استيعابه لما سئل عنه ودقته في الإجابة عنه، لأن المبادرة لا يمكن أن تصدر عن موظف ليس له هذه الرؤية بداية ثم إنها لن تتبلور وتتحول إلى التطبيق طالما كانت مبهمة وغير عملية وبالتالي لن يكون هذا الموظف مبادرا في أي حال، على أن ما قاله مسؤول آخر من أن المبادرة هي العرض اللطيف والصيغة المهذبة التي تؤدي إلى قبول حسن ونتائج مرضية يشكل وجهة نظر مهمة وهي لفتة ذكية إذ لا تكفي الرؤية الثاقبة في المبادرة بل لابد من أسلوب ناجح لعرض المبادرات وهو ما أشار إليه هذا الأخ في كلامه وفي إجابته عن الشق الثاني من السؤال حول دور المدير في تطوير الإبداع، لخص هذا الدور في النقاط التالية: معرفة ما الذي يحول بين الموظف والإبداع، ووضع عدة حلول لتذليل العقبات إن وجدت، واختيار أنسبها وإيجاد الحوافز المعنوية والمادية والاهتمام بالموظف وما يعمله. وقد أشار آخرون إلى أن المبادرة في حقيقتها هي الاجتهاد والإبداع واتخاذ الإجراءات المتنوعة من الموظف لتحقيق أهداف الشركة. ولكن إجابة من أحد المشاركين استوقفتنا لأهميتها،حيث قال إن المبادرة هي قيام المدير بطروحات مختلفة لتحقيق أهداف إدارية محددة. وهذا تعريف دقيق من مدير مسؤول فاهم لعمله ومدرك لعمل الموظفين وطريقة تصرفهم. وكذلك جواب مشارك آخر على الشق الثاني من السؤال حول دور المدير في تطوير مهارة الموظف، حيث قال: إنه يجب على المدير تشجيع الموظف على المبادرة، وذلك عن طريق تنمية روح الإبداع لديه وإشراكه في القرارات وأهم من ذلك التغاضي عن بعض الأخطاء غير المتعمدة وزرع روح الثقة. وإذا انتقلنا إلى السؤال الثالث: هل نكتفي بالتكليف بالنص أم يجب الاجتهاد وسعة الأفق؟ نقرأ الإجابة الأولى: التكليف بالنص يؤخذ به في الأمور التي تتعارض مع مصالح الشركة ولوائحها، وما عدا ذلك فالاجتهاد فيه مطلوب ونحن نشجع كل مجتهد وصاحب فكرة إبداعية، ولكن ماذا يقول مشارك ثان؟:التكليف بالنص يتم بعد معرفة المهام الوظيفية للمنصب والصلاحيات الخاصة به. هذا كلام جيد ينم عن معرفة بطبيعة العمل والاختصاص. ويرد عليه آخر: التكليف بالنص لوحده غير كاف والاجتهاد يعتبر من مصادر التشريع وهذا حق ولكن الاجتهاد هنا مختلف عن الاجتهاد في التشريع وكلاهما من حيث المبدأ اجتهاد، ولكن القصد منه هنا هو محاولة إيضاح التكليف واستعمال طرائق مناسبة لإيصال الهدف الذي يرمي إليه فكر الموظف حتى لا يختلط عليه الأمر ويفهم التكليف فهما غير مقصود، وهذا ما أيده أحد الإخوة المشاركين عندما قال: التقيد بالنص في مجال العمل لا يخدمه خصوصا فيما يتعلق بأعمال الاتصالات. ويؤيده في ذلك مشارك آخر بقوله: المطلوب من الموظف المسؤول التقيد بروح الأنظمة والتعليمات لا بنصها. تحديث نظم العمل سؤال: كيف نقضي على محدودية التفكير لدى بعض الموظفين؟ تقاربت الإجابات حول هذا السؤال، فهناك من قال بمنح الموظف الثقة بالنفس ووضعه في المكان الذي يتناسب مع مستواه العلمي والعملي وهناك من قال بعمل دراسة نفسية واجتماعية مبسطة عن الموظف وطريقة تفكيره ومدى إحساسه بالمسؤولية، ولكن الجميع متفقون على حل مشترك، هو إقامة الدورات التدريبية لرفع كفاءة العمل لدى الموظفين وعقد الندوات للتعريف بكل ما هو جديد في مجال العمل، ودعوتهم لحضور بعض الاجتماعات لمناقشة القضايا التي تقع ضمن الإدارات التي يعملون فيها والاستماع لآرائهم وعدم تسفيهها، ولكن هناك جوابين متميزين، الأول يقول بإعادة النظر في أسلوب التوظيف بالشركة وتحديث نظم العمل بمكافأة المجدين ومحاسبة المتقاعسين، والآخر يقول: إن فئة محدودي التفكير قلت وتلاشت مع تطور أدوات العمل ووسائله، وهذا قد يكون صحيحا إلى حد ما. الروتين يقتل روح المبادرة سؤال: هل للروتين دور في قتل روح المبادرة وإيجاد الأفكار الإيجابية التي تسهم في تطوير أساليب العمل؟ الروتين أو سير العمل مرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل الوظيفي في كل مكان وهو أمر طبيعي، لأن توزيع العمل بين الموظفين وتحديده بحدود التعلميات والاختصاصات يجعل كل موظف في حالة دوران دائم ضمن الدائرة المحددة له، وهذا طبيعي كما قلنا ولكنه عندما يسيطر الروتين على صاحبه يصبح كالآلة يعمل دون تفكير. أما إذا كان هو المسيطر على عمله عندها يختلف الأمر ويصبح متحررا من قيود الروتين، بل يصبح هو الفاعل في مكان عمله ونوعه واختصاصه. وقد أجمعت الردود على أن الروتين يقتل روح المبادرة ويخنق الأفكار الإيجابية التي تسهم في تطوير أساليب العمل. وأبرز الأجوبة كان فيما قاله أحد المشاركين: علينا محاولة كسر الروتين من خلال إعطاء فرصة لكل موظف مبدع ولديه أفكار إيجابية سواء بالفعل أو القول، وتشجيع من لديه مبادرة ودراستها جيدا، فإن ثبت نجاحها يمنح الموظف الحافز المعنوي والمادي لإيجاد روح المنافسة. ولكن ما قاله مشارك آخر من أن الحاجة قائمة لوجود الروتين في جوانب كثيرة من العمل فهو ما قصدناه من أن الروتين مرتبط بالعمل الوظيفي دائما، ولكنه إذا لم يدعم بالمبادرات ومحاولة الارتفاع بمستوى الأداء والبحث عن أفضل الأساليب لتحقيق أهداف المؤسسة صاحبة العمل، فإنه سيكون قاتلا كما ورد في السؤال. سعة الاطلاع والفهم الكامل سؤال: ما المواصفات التي يجب توفرها لكي يصبح الموظف مبدعا وخلاقا؟ شكلت الإجابات على هذا السؤال بما حوته من المواصفات دليلا مهما لكل مؤسسة حكومية أو خاصة يرجع إليه في تحديد الوصف الوظيفي الذي يحدد مهام الوظيفة والرجل المناسب لها وكان من أبرز الإجابات ما قاله أحد المشاركين من أن سعة الاطلاع والفهم الكامل للمهام الوظيفية والمسؤوليات والمبادرة بكل جديد، والمرونة والاستفادة من تجارب الآخرين، وتحويل الفشل إلى نجاح بالتصميم والإرادة هي المواصفات المطلوبة التي يجب توفرها لكي يصبح الموظف مبدعا. وزاد آخر أن الالتزام بوقت العمل ووضوح الأهداف ووجود الوعي والثقافة والعلاقات الإنسانية بين الزملاء والعدل والانصاف من الرئيس، كل ذلك من المواصفات المطلوبة. كما أن ما قاله مشارك آخر حول بعض المواصفات المطلوبة صحيح وجيد، حيث قال: عنده قدرة على حل المشكلات، وأنه يحقق أفضل النتائح ويقوم بتسليم العمل المسند إليه في المواعيد المحددة. من يخطئ لا يستحق التشجيع سؤال: إذا وجد موظفان أحدهما يطبق التكليف بالنص، والآخر يحاول التطوير وقد يخطئ أيهما يستحق التشجيع؟ أجمع المسؤولون على أن الموظف الذي يحاول التطوير مع الخطأ هو الذي يستحق التشجيع ولكن لابأس من انتقاء بعض وجهات النظر التي وردت منهم وشكلت نظاما يحتذى به في تطوير الموظفين. يقول أحد المسؤولين: سبق أن قلت إن التقيد بالنص لا يخدم العمل ولابد من الاجتهاد وأضيف هنا أن من يخطئ في النص لا يستحق التشجيع وربما هو بحاجة إلى التحذير. وفي إجابة أخرى نرى تحديد المسببات لكون الموظف الذي يحاول التطوير هو المستحق للتشجيع، يقول المشارك: الذي يحاول التطوير ويخطئ يستحق التشجيع لأنه يحاول العمل بروح النظام لإنجاز عمله، وبالتالي فهو يخدم العميل بشرط ألا يخرج عن تعليمات الشركة. التزود بالمعلومات وتنمية المهارات سؤال: للتدريب دور في رفع كفاءة الموظف. ما نوع التدريب الذي تقترحه للرفع من قدرات الموظفين؟ أبرز الأجوبة التي جاءتنا تقول: إن التدريب الذي نقترحه للرفع من قدرات الموظف هو الذي يساعد على التزود بالمعلومات التي ترفع مستوى إنتاجه وأدائه وتنمية مهاراته في محيط العمل وخارجه. وهناك رأي آخر يقول: يدرب الموظف حسب حاجة العمل ووفق تخصصاته، ونوع التدريب يتحدد بنوع الوظيفة. ويتساءل: هل يفيد المحاسب تدريب في تلحيم الكوابل مثلا؟ وهناك إجابات مشتركة حددت أنواع التدريب اللازم بالتدريب على رأس العمل والتدريب عن طريق مراكز ومعاهد التدريب والتدريب الخارجي (الابتعاث) في حال عدم توفر التخصص المطلوب. تحديد ماذا يريد وما هي حاجة الآخرين؟ سؤال: ما أبرز النقاط التي يجب أن يعمل بها من يرغب الإبداع والحفاظ على روح التكليف؟ صحيح ما قاله أحد المشاركين من أن الموظف إذا استطاع تحديد ماذا يريد وماهي حاجة الآخرين فقد لخص النقاط التي يجب أن يعمل بها من يرغب الإبداع من وجهة نظره. وصحيح أيضا ما قاله الآخرون عندما أجابوا عن هذا السؤال، وأبرز هذه الأجوبة ما قاله أحد المديرين من أن الموظف المبدع يجب أن يتمتع بالتفكير الهادئ والقدرة على صنع القرار والقدرة على توليد أفكار مبتكرة للتطوير والقدرة على التعامل مع الإمكانيات المتاحة لإيجاد طرائق جديدة في العمل، وما قاله آخر: ألا يصبح الإبداع تعديا للصلاحيات وأن يراد بالإبداع تطوير العمل وليس الانتفاع. ولكن لأحد المشاركين رأيا آخر أقرب إلى التقيد بالنص، حيث يقول: من أبرز النقاط الالتزام بما نص عليه التكليف، وأن تكون اجتهاداته وتطويره للعمل في حدود التكليف وأن يعرض ما يرى فيه مصلحة للعمل على الجهات المختصة للنظر فيه ومناقشة جدواه لإجازته أو رفضه أو تعديله. وزاد آخر: الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين والاستفادة من كل ما هو جديد والمرونة في أداء العمل. وإجابة أخرى تقول : إن وضوح الهدف ثم التخطيط المبني على الخبرة والمعرفة والمشورة والاستعانة بالأكثر دراية وإن كان من خارج الإدارة هي من أبرز النقاط. أخيرا أجاب أحد المشاركين عن سؤالنا: هل ترغب بإضافة نقاط أخرى ترى أنها تثري الموضوع بقوله: قبل تطوير الموظف أو انتظار الإبداع منه يجب أن يكون الرئيس ملما إلماما تاما بعمل موظفيه ومثالا للقدوة الحسنة وأن يشعر الموظف بالأمان وأن يمنح الحوافز المادية والمعنوية وليكن ضمن برامج الشركة احتفال بالموظفين المثاليين. وقال آخر: لا يمكن الاستفادة من نظم المعلومات الحديثة دون أن نهيئ الموظفين لاستقبال واستخدام كل جديد في هذا العالم المتغير، ويجب علينا أن نثمن قدرات العاملين المميزين والتخفيف من مركزية الإدارة وبهذه النقاط المضافة نختم قضيتنا لهذا العدد راجين أن نكون قد أحطنا بالموضوع من كل جوانبه وأن نستفيد من كل النقاط الإيجابية التي وردت فيه.