لماذا يفشل الناس في التحاور مع بعضهم؟

في حياتنا اليومية نمارس الحوار مع الآخرين، مع الأصدقاء والأقارب، مع الإخوان، مع الزوجه، والأطفال، ومع زملاء العمل وغيرهم من فئات المجتمع. فكيف ندير هذا الحوار؟ - هل يتصف الحوار بالموضوعية؟ - هل هناك إنصات لما يقال؟ - هل هناك حقائق أم عواطف؟ - هل تسيطر الآراء الانطباعية على الحوار؟ - هل هناك أدلة وبراهين أم معلومات عامة وشائعات؟ طرأت على ذهني هذه الأسئلة وأنا أحاول الدخول في الموضوع المهم في تعاملنا اليومي سواء في البيت أو في حياتنا العملية. في علم الاتصال يشار إلى أن الإدراك يؤثر بشكل مباشر على نجاح الاتصال أو إعاقته. لماذا؟ خذ مثلا حوارك مع طفلك الصغير حول إحدى المستنقعات الناتجة عن سقوط الأمطار في الرياض، فهو يقول لك: - هذا بحر يا بابا. وتقول له: لا.. هذا مستنقع. ولكن إدراك الطفل المستند إلى خبرته المحدودة تملي عليه أن هذا بحر، أما أنت فخبرتك تقول إنه مستنقع! وبسبب خبرة الطفل المحدودة، فهو يطلب من أبيه أن يسبح في هذا البحر (المستنقع) ولكن والده يرفض. الطفل يستغرب هذا الرفض؛ لأنه شاهد الناس على التلفزيون وهم يسبحون، وشاهد الحيوانات وهي تفعل الشيء نفسه.. ماهذا التناقض؟ الأب يحاول أن يقنع طفله بأن هذا المستنقع خطر، وغير نظيف، كما أن الجو بارد جدا لا يسمح بالسباحة! الطفل بحكم خبرته يستطيع أن يداعب الأسد والتمساح، أما الشخص صاحب الخبرة فيبتعد عن هذه الحيوانات المفترسة، بل يبتعد عن الحبل إذا عضته الحية (الثعبان)! في حوارنا مع الآخرين يقوم هذا (الإدراك) بدور كبير في مسار النقاش، وفي الوصول إلى نتيجة، وأحيانا يدعي كل طرف أنه صاحب خبرة أكثر من الآخرين، وعند هذه النقطة قد يتوقف الحوار وينسحب أحدهما احتجاجا على عدم التوازن في الخبرة أو على رميه بتهمة قلة الخبرة. تصور لو أن الحوار سلك طريقا مغايرا على النحو الآتي: -بحكم خبرتك الطويلة، لعل بإمكانك إفادتنا عن هذه الموضوع؟ أليس هذا الأسلوب أفضل من الطرح الآتي: - يا أخي مع احترامي لخبرتك في هذا الموضوع فأنا متخصص، والتخصص أهم من الخبرة. أو العكس: مع احترامي لمؤهلك العلمي فأنا صاحب الخبرة. إنها مفاتيح لإقامة حوار ناجح أو فاشل نديره بشكل يومي مع فئات المجتمع المختلفة. نلاحظ هنا: - طرفا يقول إن التخصص أهم من الخبرة. - وطرفا آخر يقول إن الخبرة أهم من التخصص. ويهمنا هنا ملاحظة أن الحوار يدور حول أصحابه وليس حول الموضوع بأبعاده المختلفة. بمعنى أن المتحاورين لا يعملان معا نحو هدف واحد أو ضد مشكلة واحدة، بل ضد بعضهما البعض. هذا يقودنا إلى عنصر مهم من العناصر المساعدة في نجاح الحوار وكذلك في نجاح التفاوض، وهو العمل كفريق نحو الهدف. وفي هذا الإطار نشير إلى وجود ثلاثة أنماط في فن الحوار: 1-خاسر- خاسر. 2- رابح - خاسر. 3- رابح- رابح. فإذا عمل الطرفان على أنهما يتحاوران أو يتفاوضان بهدف الوصول إلى مشترك، واتفاق لحل مشكلة يتفقان على وجودها، فإن الحوار بينهما سوف يسلك في الغالب نحو حوار موضوعي هادئ، يسوده الاحترام والإنصات والعمل بروح الفريق. أما إذا اختلف الهدف فسوف يختلف أسلوب الحوار، ففي الحالة الأولى ينشد الطرفان الوصول إلى الحقيقة، أما في حالة اختلاف الهدف فلكل منهما عالمه الخاص به، ولذلك يسعى كل طرف إلى جر الحوار نحو مطالبه الخاصة، وأهدافه الخاصة، وما يتفق مع قناعاته -هو فقط- بصرف النظر عن المصلحة العامة. وفي حياتنا اليومية نماذج حية لما أشرنا إليه: في العمل: تختلف مع زميلك في موضوع معين، وتجد أن رأيه يتغير لمجرد أنه انتقل من إدارة إلى إدارة أخرى، فإذا كنت تحاور هذا الزميل وتريد أن تصل إلى نتيجة تخدم العمل. فما هو الأسلوب الصائب المناسب. هل تقول له: يا أخي أنت متناقض؟ أم تقول له: أعرف أن لكم رأيا سابقا حول هذا الموضوع، فهل وجدتم ظروفا مختلفة كونت لديكم رأيا آخر؟ في الحالة الأولى أنت تهاجم زميلك شخصيا بقولك أنت متناقض! أما في الحالة الثانية فأنت تتيح له الفرصة ليفكر في الظروف التي أثرت على رأيه وبأسلوب لا يجعله يلجأ إلى الدفاع عن نفسه. وعلى المستوى الرسمي: ولأن الهدف مختلف، نجد أن المفاوضات السياسية تطول، وتدخل في متاهات وأنفاق وغموض، لأن أحد الأطراف لا يريد استخدام النمط (رابح- رابح) بل يريد أن يطبق أسلوب (رابح- خاسر) فهو يريد أن يكسب مقابل خسارة الطرف الثاني، وفي هذه الحالة لن يكون هناك حوار موضوعي، ولا إنصات، ولا حقائق، وإنما مغالطات، وأكاذيب، وهجوم شخصي. وإذا طبقنا على هذا التفاوض السياسي عنصر (الإدراك) الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال، وتأثيره على الاتصالات فإننا قد نجد في مثالنا السياسي أن الإدراك موجود، ولكن أحد الأطراف رغم وضوح الصورة لديه وإدراك أبعادها يريد أن يوجه النتيجة النهائية نحو مصالحه الخاصة فقط. على المستوى الشخصي: وفي حواراتنا اليومية نتعرض لإحباط يفقدنا متعة الحوار. ونتساءل هل في الحوار متعة؟ نعم في الحوار مع الآخرين متعة، ولكنك قد تفقد هذه المتعة إذا قابلتك هذه العوائق: -1 محاورك غير منصت، إنه ينتظر انتهاءك من كلامك، لينقض عليك. -2 محاورك يقول لك: أنت لا تفهم في هذا الموضوع. -3 محاورك يقول لك: مع احترامي لخبرتك إلا أن رأيك في هذا الموضوع رأي سخيف. -4 يا أخي أستغرب أنك تطرح هذه الأفكار منتهية الصلاحية. -5 محاورك يستمر معظم الوقت في الحديث عن نفسه. -6 محدثك يطيل في الحديث ولا يترك لك فرصة للحوار وإبداء الرأي. -7 محاورك يتجاهل أسئلتك ويدخلك في موضوعات لا علاقة لها بالموضوع المطروح. -8 مفاوضك يملي عليك شروطا مهينة ويتوقع منك الموافقة عليها وأنت تبتسم. - 9رئيسك يقول لك: هذا ما أراه وعليك التنفيذ، بدلا من أن يقول لك ما رأيك! إلخ... مثل هذه العوائق تفقدك متعة الحوار، وتحول الاتصال من فن ممتع إلى معركة تقود إلى خسارة الطرفين.