هل تقول بيوتنا: شكراً كورونا؟
يبدو أن العزلة، رغم ما تحملها من ملامح الشرود والانفصال، إلا أنها قادرة على أن تُعيد تأثيث وترتيب شخصياتنا وذواتنا، لأنها قد تُحرضنا على كتابة مونولوج لاذع يسخر من حياتنا، تلك الحياة المضطربة والمرتبكة التي نعيشها، خصوصاً في هذه الأوقات الحرجة التي يعيشها العالم، كل العالم.
في زمن الكورونا الذي قد يُضاف لقائمة «أسوأ العصور البشرية»، بكل أخباره وأحداثه المريعة والتي أصبحت تُحاكي المشاهد السينمائية، بل وأكثر من ذلك بكثير، فقد أصبح الواقع الذي نعيشه الآن، أكثر دراماتيكية وإثارة من مشاهد وسيناريوهات الدراما الفنية التي فتنتنا كل تلك العقود. مفردات ومصطلحات، لم تكن بالحسبان، ولم نكن نعرف حقيقتها لولا تفشي هذا الوباء التسونامي الخطير، مصطلحات على شاكلة: عزل صحي، حجر منزلي، منع تجول، وغيرها من القرارات الحازمة الضرورية للوقوف في وجه هذه الجائحة الجائرة ومنعها من التمدد والانتشار.
هذه «العودة الجماعية» للبيت، أصبحت في بداية الأمر محل تندر وسخرية، لكنها سرعان ما أظهرت الكثير من الخبايا والزوايا الجميلة التي تسكن حجرات وممرات بيوتنا التي نُشاهدها بعقولنا وقلوبنا لأول مرة. كثيرة وكبيرة هي التفاصيل الجميلة التي لم تكن متوقعة، ولكن كورونا البغيضة كشفتها كما لو كنا نُشاهدها لأول مرة.
التفاصيل الجميلة التي كانت بانتظارنا في بيوتنا، كثيرة ورائعة، بل ومدهشة، ولكننا لم نكن نُشاهدها لأننا على الدوام في عجلة من أمرنا، ولأنها -تلك التفاصيل الجميلة- هادئة ودافئة، بينما كانت تُغرينا وتجذبنا تلك الشوارع والمتاجر والمطاعم والمقاهي واللقاءات، نعم لقد أغرتنا، بل أغرقتنا في فتنها وألاعيبها، فلم نعد نأنس بصالات بيوتنا ولم نعد نشتهي أطباق أمهاتنا وزوجاتنا ولم تعد حدائق وساحات بيوتنا تمنحنا السعادة التي نبحث عنها، لأننا باختصار شديد: لم نكتشف روعة وجمال بيوتنا.
لا أعرف، هل هو من المضحك المبكي أم هو من سخرية الظروف، إننا نكتشف بعد كل تلك السنين، بأن بيوتنا هي ملاذنا الآمن ودرعنا المتين.
نعم، قد تكون هذه «العودة المليارية» غير المسبوقة للبيت بسبب هذا الوباء الذي يُلاحق أنفاسنا وأرواحنا، ولكنها على كل حال، عودة حميدة آن لها أن تبقى وتستمر حتى بعد زوال كورونا سيئة الصيت.
بيوتنا الجميلة تستعيد نضارتها وألقها، وتفتح ذراعيها مرحبة بالعائدين لأحضانها الحانية، وتفرش سجادتها الطاهرة لكل العائدين التائبين من طول الغياب.
ولكن، هل لنا أن نرصد وننعم بتلك الاكتشافات الجميلة التي تزخر بها بيوتنا والتي نُشاهدها للمرة الأولى في عزلتنا/ عودتنا المنزلية التي فرضها علينا هذا الوباء الخطير؟
المقال القادم، سيرصد أجمل تلك الاكتشافات/الكنوز المذهلة التي تزخر بها بيوتنا.
بقلم/ فاضل العماني -الرياض