من يحمي المهنة الإعلامية؟
ظلّت وستظل قضية احترام التخصص العلمي والمهنة بأدواتها العلميّة والفنية من القضايا التي طال حولها الجدل في الإعلام العربي عبر العقود الماضية. ولكن هذا الإعلام العربي والذي طالما طالب بحماية المهن من الغرباء لم يستطع حماية نفسه من الدخلاء والفضوليين والوهميين وقبائل المهرجين باسم الإعلام.
وحيث إن من أدوار الإعلام أن يكون الوسيط النزيه الرشيد بين الدولة وشرائح المجتمع إلا أن هذا الدور قد تم اختطافه في عصر "السناب واليوتيوب وتويتر" وما يدور في فلكهم. وكانت النتيجة حرمان قطاعات كبيرة من المجتمع من الاستفادة من بعض وظائف الإعلام الحقيقية المتمثلة في التنوير والتوعية والأخبار والترفيه ناهيك عن الدور التعليمي والدور الرقابي بوصف الإعلام سلطة المجتمع الرقابية.
ما حصل أن ظهرت كائنات سلاحها لسان لا يرشّد ما يقول، وكاميرات يوجهونها مثل البندقيّة في أيدي هوجاء وهم متمترسون وراء لقب "إعلامي" دون حظ من علم الإعلام أو اتباع لأصول المهنة. التقيت مع بعض هؤلاء وبعضهن فوجدت الانتفاخ والزهو بعدد المتابعين والمشاهدين وحين النقاش في مسؤوليات وأخلاقيات المهنة وغاياتها تجد الاستهانة والادعاء بأن العالم تغيّر. ربما في هذا الادعاء بعض الصحّة ولكن كيف تتكامل الشخصيّة الإعلاميّة وهي بهذا الهزال وكيف تتسلم مهمة التوجّه إلى أثمن ما يملك الإنسان وهو وقته وحاجات عقله وقلبه. وكيف يمكن أن يتسلّم مقاليد القوّة الناعمة مجموعة من الأدعياء وأنصاف المواهب ليتحكموا في صورة المجتمع وصورته وذائقته.
إذا كان ولا بد من التعامل مع دكاكين (أبو ريالين) الإعلامية فلا بد من ضبط الحد الأدنى من الجودة. وكثرة الجماهيرية والإقبال على هذه الدكاكين ليس لجودة ما تبيع بل لرخص مادته وثمنه. ومن هنا ينبغي على جهات الاختصاص - في الحد الأدنى - اشتراط ترخيص مهني لهؤلاء بما يضمن اجتياز الحد المقبول من قواعد العمل الإعلامي وأصول المهنة. وعلى هؤلاء الهواة بدل "التنطّط" و"الفهلوة" الإعلامية تأمين الأركان الثلاثة الأساس للمهنة الإعلامية حتى يحترموا ذواتهم ويحترمهم الناس يوماً ما. وهذه الأركان تشمل: المعرفة (knowledge) الإعلامية من خلال التعليم.. تعزيز المهارات (skills) من خلال الدورات التدريبية وورش العمل.. وأخيراً تعزيز التوجهات والسلوكيات (attitudes) من خلال المبادرات والتصرفات المؤطرة بقيم المجتمع وشرف المهنة وأصولها.
بقلم/ د. فايز الشهري - الرياض