ما الذي يجعل الأمم قويّة؟

ما عناصر قوة الدولة الحديثة غير تلك التي نعرفها تقليدياً في الأدبيات السياسيّة والاستراتيجيّة؟ المدارس القديمة تضع عناصر قوة الدولة (الأمة) في مجالات مثل القوة العسكريّة والموقع والمساحة والسكان وكذلك الإمكانات الاقتصاديّة والقوة الثقافيّة. وهذا صحيح ولكن الأجيال الجديدة بدأت تعيد النقاش في مصادر قوة الأمم فيما يشبه التحول التاريخي في المفاهيم والنيات. وتفيد خلاصات لبعض القراءات أن بين شباب اليوم من يرى أن التنوع البشري والتعدديّة الثقافيّة أهم مصادر قوة الأمة الحديثة. وآخرون يرون قوة الأمم تكمن في مدى قوة روح العائلة ومتانة المعتقد (الروحي). وبين الشباب خاصة في المجتمعات الغربيّة اليوم من لا يكترث للقوة النوويّة والصاروخيّة ويراها عوامل فناء لا مرتكزات بناء. وعوضاً عن ذلك يرون أن مفاهيم الحريّة والفرص المتساوية والشفافيّة والحكم الرشيد كفيلة بتعزيز قوة أي مجتمع وبناء الثقة في أيّة أمة وتحفيز أبنائها للإنتاج والإبداع.

ومن هنا لا يمكن القول إن كوريا الشماليّة "أمة" قويّة لأنها تستطيع تعبئة أكثر من تسعة ملايين جندي للحرب كما لا يمكن اعتبار سويسرا دولة ضعيفة كونها في ذيل قائمة الدول التي في وزنها من حيث عدد عناصر القوات المسلحة. سويسرا التي تتمتع بأفضل مراكز عالميّة في التنمية والشفافيّة والتنافسيّة طرحت في تصويت شعبي عام 2001 مقترحاً لإلغاء الجيش، ومن المثير أن فكرة الإلغاء حظيت بموافقة ثلث المصوتين. وكانت مبادرة شبيهة عام 1989 قد حظيت بموافقة حوالي 36 % من المصوتين. وسويسرا هنا نموذج لقوة الدولة الحديثة فهي في مقدمة المؤشرات الدوليّة من حيث متانة النظام الاقتصادي واستقرار النظام السياسي والأمني والتنوع الثقافي. وهي بلا جيش كبير وبلا خطب عنتريّة احتلت مراكز متقدمة في مجالات كثيرة مثل التنافسيّة والرفاه والتنمية والسعادة. وهي في أكثر من عام تحتفظ بالمركز الأول في الابتكار على مستوى العالم لتستحق بذلك لقب "أمة من المخترعين" وهنا مكمن القوة.

قال ومضى:
أيهما أقوى: سوط ضميرك أم صوت مشيرك..

بقلم/ د. فايز الشهري - الرياض