ما أولوياتك في الحياة؟

سألت مجموعة من المتدربين عن أهم أولويّاتهم في الحياة، وكانت المفاجأة أن معظم من طلبتُ منهم الإجابة إمّا يطلبون مهلة للتفكير أو يجيبون بجواب ثم يغيّرونه بثانٍ أو ثالث، وبعضهم اعتذر عن الإجابة لعدم جاهزيته، وأشياء من هذا القبيل. ومصدر المفاجأة ليس هذا، بل لأن هؤلاء المتدربين موظفون، وأغلبهم تجاوز الثلاثين من العمر، ويمارسون الأعمال التطوعيّة، وعادة ما يكون لدى هذه الشريحة من المبادرين بالتطوع الحس الكافي بالأولويات وترتيبها في حياتهم.

ومن مجمل الحوارات مع هذه المجموعة وغيرها اكتشفت أن بعض الناس يرون أن أهم الأولويات في الحياة هي ما يمكن تحقيقه من مكتسبات شخصيّة مثل التعليم الجيد، والصحة، وتوفير العمل المناسب، وضمان وسائل الشعور بالأمان والراحة في إطار علاقات اجتماعية إيجابية. وهذه الأولويات صحيحة، وينبغي أن تأخذ مكانها في ترتيب الأهميّة ولكنها - بشكل أو بآخر - أصبحت نظاماً اجتماعياً في الدولة الحديثة، وهذا يعني أن أغلب الناس سيحققها أو سيحاول وفق حتميّة النظام الاجتماعي الرسمي وشبه الرسمي.

ومن ناحية أخرى لعل من المهم إدراك أن الأولويات تختلف عن الأهداف كون الأولويات تحتاج إلى قرارات وتقديم وتأخير متطلبات هذ الأولوية أو تلك بشكل تكتيكي، وربما يحدث ذلك بشكل يومي. أمّا الأهداف فتكون ضمن خطط استراتيجيّة يتطلّب تعديلها وقتاً، وفي بعض الأحيان قد تضطر إلى تغيير الأهداف كلياً. وفي مجال الأولويات على سبيل المثال: حينما تقرر أن تمارس نشاطاً ما مع زميل عمل، فيأتيك اتصال من أبيك أو أمك لطلب مُلح. هذا الموقف البسيط ظاهرياً سيشكل بالنسبة لك واحداً من اختبارات وضوح الأولويات لديك. وسبب ذلك أن الأولويات الواضحة عند الشخص تتدخّل في برنامجه اليومي بشكل كبير لتأخذ مرتبتها التي تحتلها بحسب قوتها وتأثيرات تأجيلها.

ومن تجارب الحياة يمكن القول إنك ستحتاج - حتى تعيد ترتيب أولوياتك - في مرحلة ما إلى خلوة مع الذات؛ لمراجعة ما أنجزت في حياتك، وما ينبغي أن تنجز. ويشمل الفحص هنا محاسبة الذات ومراجعة الأدوات لتتأكد من سلامة النهج وصحة المنهج. وبعد ذلك عليك أن تبدأ بوضع قائمة الواجبات والاحتياجات في حياتك أمامك، ومن ثم ترسم أولوياتك في موازاة أهدافك بدقة مراعياً أهميّة تحقيق التوازن النفسي، وتوافر مقومات الانسجام مع محيطك دون تضحية بأولوياتك.

وحين تتضح الصورة أمامك في المزج بين حتميّة واجباتك، ومستلزمات أهدافك، ومتطلبات ممارسة اهتمامك ستجد أمامك قائمة ذهبيّة أنت وحدك من يستطيع ترتيبها وفق الأهميّة المنطقيّة التي تحقق لك السلام الداخلي على وجه الخصوص. سأكرر عليك مصطلح السلام الداخلي لأن هذا هو الثمرة، فلا يمكن أن تضع الرغبات قبل الاحتياجات، ولا أن تؤجل الواجبات من أجل المشتهيات ثم ترجو بعد ذلك أن تطمئن جوانحك.

على مدى سنوات عملي التقيت وتعاملت مع قضايا كثيرين ممن تاهوا في مستنقعات المخدرات، أو ضلوا في متاهات التطرف ووساوس الإلحاد، وكانت القواسم المشتركة بين معظمهم تتلخص في ضياع وانحراف الأهداف وغياب ترتيب الأولويات. والنتيجة الأبرز عند شريحة كبيرة من هؤلاء كانت واضحة في (خطأ) خيارات القرار عند التعامل مع كل أزمة إذ يضحي (وهو الضحية) بطمأنينيته انتقاماً أو جهلاً؛ ليدخل تائهاً دائرة القلق والخيارات الخاطئة.

قال ومضى:
يقول لي: إن الصمت حكمة، ويقبض ثمن الكلام بالذهب..

بقلم / د. فايز الشهري - الرياض