المملكة والنموذج التحولي في عهد الملك سلمان

سوف يسجل التاريخ لعهد الملك سلمان نجاحه في إحداث هذا التحول عبر إعادة تشكيل البنية العقلية لدى المجتمع من خلال التركيز المباشر على التاريخ السعودي كوطن وقومية، وتعزيز الهوية الوطنية..

شهدت المملكة في عهد الملك سلمان - حفظه الله - الكثير من التحولات والتغيير نحو نماذج تحولية هادفة إلى تطوير النموذج الاجتماعي والنموذج السياسي والاقتصادي، وتركز هذه التحولات على الوطن والمواطن ورفع مستوى الأداء في العملية الاجتماعية التي يشكل المواطن محورها الرئيس، ولعل السؤال هنا يدور حول العملية الاجتماعية التي أخذت الاهتمام العالمي، وشكّل الحديث عن تحولات المملكة رقماً مميزاً في الإعلام الدولي، المملكة كانت بحاجة فعلية إلى تغييرات جوهرية في النمط المجتمعي؛ فقد كانت العقود الأربعة الماضية صورة مقولبة، تأثرت بالأداء الديني المتشدد إلى حد كبير، وساهمت في انعكاسات مجتمعية شكّلت في كثير من الأحيان سداً منيعاً نحو إحداث التحولات المطلوبة لنقل المجتمع السعودي من مرحلة إلى أخرى استجابة للتطور الطبيعي للمجتمعات.

النماذج الصماء من القيم الاجتماعية التي خلفتها الكثير من التحولات الأيديولوجية في المجتمع خلال العقود الماضية ساهمت فعلياً في إبقاء المجتمع يدور في نفس الدائرة، لذلك كان لابد من التخفيف على المجتمع برسم دوائر موازية تسمح للمجتمع بالتحرك في أفلاك مختلفة من التحولات المجتمعية بدلاً من البقاء في فلك يتم التحكم به وفق تقاليد تحولت إلى قيم مقدسة في كثير من الأحيان.

لقد كان من الضروري بناء نموذج لعملية اجتماعية عميقة؛ لأن الدائرة الوحيدة التي كان المجتمع يدور فيها قد أوشكت على الامتلاء، واشتدّ زحام أفكارها، ولذلك فإن السلوك الطبيعي للمؤسسة السياسية وقمتها في المملكة أن تعمل على بناء أكثر من فلك اجتماعي يمكن الدوران حوله، وهذا ما بدأ يتحقق فعلياً في «عهد الحزم»، وحدث كل ذلك، وتقبل المجتمع خيارات كثيرة كان يطمح في تحقيقها لسنوات طويلة مضت، وكانت المفارقة الجميلة أن تلك التحولات حدثت، وتم قبولها مجتمعياً من خلال التزام راسخ في القيم السياسية التي تشكّلت عليها المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.

سوف يسجل التاريخ لعهد الملك سلمان نجاحه في إحداث هذا التحول عبر إعادة تشكيل البنية العقلية لدى المجتمع من خلال التركيز المباشر على التاريخ السعودي كوطن وقومية، وتعزيز الهوية الوطنية، فقد تنامت بشكل كبير فكرة الانتماء بين أفراد المجتمع من الجيل الجديد من الشباب، وعلى رأسهم سمو ولي العهد، وتم تجاوز تلك التعبيرات التي كانت تتعمد الخلط بين فكرة الأممية وقومية المجتمع المستقلة، بمعنى دقيق: عهد الملك سلمان أعاد تشكيل الهوية السعودية وفق الأسس الطبيعية، فتضاعف الانتماء بين أبناء الجيل الجديد، وقد عكست الكثير من الأحداث السياسية تميز الهوية السعودية بين أفراد المجتمع، وتضاعف الفخر الوطني، وهذا تحول تاريخي يمكن مشاهدته في المملكة خلال الثلاث السنوات الماضية بوضوح.

على المستوى السياسي كانت العملية السياسية والاقتصادية تتم في توازٍ دقيق مع العملية الاجتماعية، واتخذت المملكة الكثير من القرارات التي جعلتها محوراً إعلامياً دولياً، وقد فهم الكثير من المهتمين والباحثين عملية التحول في المجتمع السعودي بطرق مختلفة، ولكن القليل منها من كان يفهم ويدرك الطبيعة السياسية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع السعودي، وعلاقته التاريخية بالمؤسسة السياسية، وقدرة المجتمع على التكيف المباشر مع متطلبات التغيير التي تحدث كنتيجة طبيعية للتطور الحياتي في جميع المجالات.

الوجه السعودي اليوم في كل المجالات ليس وجهاً مختلفاً في عمقه، ولن يكون كذلك، فهناك قواعد تحكم هذا الوطن، فهو قبلة المسلمين، ويمتلك طاقة طبيعية يحتاجها العالم، ويتربع على دور سياسي مؤثر إقليما ودولياً، لهذه الأسباب ظلت المملكة محور اهتمام دولي، والكل يحاول أن يفهم ما الذي يمكن أن يحدث في هذا الوطن الذي تميزه كل هذه الصفات الكبرى، ولذلك فإنه مهما وضعت التغيرات السعودية تحت المجهر الإعلامي محلياً أو دولياً فإنه لابد من الفهم أن المجتمع السعودي في هذا العهد يتحول بدقة، ويصحح كل التجارب التي يمكن أن تواجهها العقبات سواء اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. لذلك فإن فهم المجتمع السعودي ينطلق من فهم تكوينه السياسي، وفهم البنية الوطنية التي يتمسك بها بعيداً عن التأثيرات المؤقتة للأفكار سواء فكرة متشددة أو متحررة، هناك دائماً في هذا المجتمع منطقة وسط يحتكم إليها الجميع، تتمثل في قواعد تاريخية بني عليها هذا الوطن.

عهد الملك سلمان مليء بالتحولات الإيجابية، ومليء بالمعالجات لكل العقبات التي يمكن أن تواجهها تلك التحولات، وسوف تشهد المملكة خلال العقد القادم الآثار الإيجابية لهذا العهد، وسوف يكون النموذج السعودي أكثر وضوحاً في قوميته ووطنيته وهويته المجتمعية، مما يعني مجتمعاً نموذجياً في إنتاجه الوطني.

بقلم/د. علي الخشيبان - الرياض
http://www.alriyadh.com/1701055