توظيف الشبكات الاجتماعية في التحصين والوقاية

كثيرون يتضجرون من الوسائل الإلكترونية وتأثيراتها السلبية وهم محقون ولكن لا يكفي التذمر فما يحتاجه المجتمع اليوم هو إعادة النظر في مفهوم بناء الشخصية التي تستخدم هذه الوسائل وبناء الذات القادرة على الصمود أمام عواصف التيارات الفكرية المتطرفة من أي اتجاه أتت. ما ينبغي أن نبدأ به اليوم هو التشخيص الدقيق ومن ثم العمل المحترف لتلافي مظاهر الاستخدامات غير السوية لهذه الخدمات الإلكترونية وخاصة في مجال الصراع الفكري الذي قاد إلى التطرف والعنف وإشغال بعض الشباب عن أولوياتهم في مجتمعهم ووطنهم. ومن هذا المدخل يمكن لنا أن نبدأ وفق مراحل مخططة ومدروسة تشمل:

أولاً: الحضور الرشيد في عالم الشباب الافتراضي بلغة تستوعب طموحهم وأحلامهم. وهذا يشمل نبذ الأساليب التقليدية العقيمة التي تعتمد الزجر والتجهيل والوعظ الفوقي دون وعي بالبدائل التي تطرحها جماعات التطرف والإرهاب. ثانياً: تفعيل الفكر الناقد بوصفه البديل المعادل للفكر التلقيني الذي لا يسمح بالمناقشة والتفاعل بين الشباب ومن يرون أنفسهم أوصياء عليهم. والتفكير الناقد سلاح فعّال في مواجهة التطرف مقابل النجاحات التي يحققها المتطرفون في اجتذاب أعداد كبيرة من الشباب. وهناك أمثلة كثيرة من تجارب شباب تورطوا في مستنقع التطرف عبر الإقناع الإلكتروني حين وقعوا ضحايا أساليب بارعة في الاصطياد ولم تكن لديهم مهارات التفكير والتمحيص النقدي. ثالثاً: تفكيك الحجج وتصحيح المفاهيم وهنا نجد أن خطاب جماعات التطرف والإرهاب يعتمد على خطاب فكري معزّز بالحجج والمفاهيم الخاطئة أو المتطرفة التي يمكن تسويقها في محتوى بسيط في مظهره عميق في معناه. وهذا ديدن جماعات التطرف والعنف عبر التاريخ في مهارة توظيف شعارات غير معقدة لتسوق منهجها وتجعلها عناوين لنشاطها وقد تكون الشعارات جزءاً من آية أو حديث شريف أو حتى قاعدة شرعية معتبرة. وتفكيك الحجج هنا لا يأتي بالرفض والتقريع والتجهيل بل بتطوير خطاب عقلاني شرعي يستوعب هذه الخلافات ويؤصل للحجج الشرعية ويدمغ هذه الحجج بالتي هي أقوى وأحسن.

رابعاً: إعادة بناء مرتكزات الفكر الوسطي والقناعات المعتدلة في مواجهة جهود التيارات المتطرفة التي تعمل بكل همّة وصخب في بناء وتشكيل القناعات المتشددة وتبني منها منظومة فكرية تؤطر بها نظرة الشباب للمجتمع والسياسة والحكم والحياة. وفي الجانب السياسي الذي يعد مطية هذه الجماعات لم يكن هناك جهد مؤثر في مجال التثقيف السياسي بما يساعد على وقف حملات الاغتيال المعنوي للرموز الدينية والسياسية وغيرها.

خامساً: الحلول الإستراتيجية وشراكة المجتمع وذلك لأن مثل هذه الأعمال تتطلب جهوداً إستراتيجية تكاملية (رسمية ومجتمعية) على كافة المستويات. وتبدأ برامج الوقاية الفاعلة من مراحل التنشئة الأولى وذلك بتعويد الطفل على الحوار والمناقشة، ثم تستكمل الوقاية من خلال التعليم الرسمي وهذا كله لا يتم إلا في جو مجتمعي تربوي منفتح.

قال ومضى:

أيها المزهو بحاضره ... استعد فسيستيقظ الماضي كاشفاً كل أسراره!.

بقلم: د. فايز بن عبدالله الشهري - الرياض